تتجه نحو انهيار كارثي وشيك.. حرب السودان تحول الدولة إلى شبح

الثلاثاء 1 أغسطس 2023 01:09 م

"يتعرض السودان للهجوم من ميليشيا مارقة شبيهة بداعش، ومع عدم رغبة المجتمع الدولي على ما يبدو في اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية المؤسسات الهشة في البلاد، فإنه يواجه انهيارا وشيكا للدولة".

ذلك التحذير أطلقه الأكاديمي السوداني عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدوحة للدراسات العليا، في مقال بموقع قناة "الجزيرة" (ALJAZEERA) ترجمه "الخليج الجديد"، مشددا على أن انهيار الدولة السودانية "احتمال قد يكون كارثيا على أهل السودان والمنطقة بأسرها".

ومنذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو (حمديتي)؛ ما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون وما يزيد عن 2.8 مليون نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.

وقال الأفندي إن "قوات الدعم السريع، المكونة في الغالب من المقاتلين العرب، تسيطر الآن على مساحات شاسعة من الأراضي في جميع أنحاء البلاد، فقد استولت على معظم (إقليم) دارفور (غرب)، بما في  ذلك (ولاية) غرب دارفور، حيث شرعت في حملة تطهير عرقي ضد المساليت السكان الأصليين في المنطقة".

وتابع: "في مدن دارفور السبع الخاضعة حاليا لسيطرة الدعم السريع، قام المقاتلون بإحراق ونهب جميع مخازن المواد الغذائية، بالإضافة إلى ترهيب والهجوم على المدنيين وقطع  خطوط الاتصال مع العالم الخارجي".

العاصمة في خراب

أما "العاصمة الخرطوم أصبحت أيضا في حالة خراب، إذ احتل رجال الميليشيات المرافق العامة، وبينها المستشفيات، ونهبوا كل متجر تقريبا، وتعرضت المكاتب الحكومية والمدنية والشركات في وسط المدينة، وكذلك المنازل في أحياء الطبقة الوسطى، للنهب وتُركت في حالة خراب، وأدى إرهاب الدعم السريع إلى توقف مؤسسات الدولة بشكل كامل"، كما أضاف الأفندي.

وشدد على أنه "لا توجد خدمة حكومية، من جمع القمامة إلى المساعدة الطبية، متوفرة في المدينة والمناطق المحيطة بها، ولا توجد ضوابط مرور أو محاكم عاملة، ولا يمكن الحصول على المستندات الأساسية، مثل شهادات الميلاد والوفاة وجوازات السفر".

وأردف أن "معظم موظفي الخدمة المدنية والمعلمين والأطباء وغيرهم من العاملين الأساسيين غادروا المدينة إلى وجهات أكثر أمانا في الخارج أو في أي مكان آخر في البلاد، وأُغلقت المدارس والجامعات، والآن الدولة ليس لديها سوى وجود شبحي في العاصمة، وهي بالكاد تعمل في مناطق أخرى".

و"بالتأكيد، هذه ليست أول أزمة وجودية في السودان (...) لكنه لم يقترب في السابق أبدا من تجربة الانحلال المفاجئ والمطلق لسيادة الدولة كما هم اليوم"، بحسب الأفندي.

التحول الديمقراطي 

والوضع الخطير اليوم، كما قال الأفندي، هو "النتيجة المباشرة لأخطاء الماضي، فعقود من القيادة السيئة وقصيرة النظر هي التي دفعت السودان أخيرا إلى حافة الانهيار".

وزاد بأن "جذور الأزمة الحالية ترجع بقوة إلى عهد (الرئيس المعزول عمر) البشير (1989-2019)، فلم يقم الرئيس السابق شخصيا فقط بإنشاء وتمكين قوات الدعم السريع، بل قام أيضا بتنمية ثقافة الإفلات من العقاب والتبعية العسكرية (...)، ما مهد الطريق للأحداث المأساوية التي نشهدها اليوم".

واستطرد: "منذ الإطاحة بالبشير في 2019، فشل أولئك الذين قادوا الانتقال إلى الديمقراطية في وضع البلاد على مسار أفضل، وفي النهاية أصبحوا على وشك تحويل عقود من التنبؤات المبكرة حول فشل الدولة إلى حقيقة واقعة".

و"نظرا لأن المدنيين فقدوا نافذتهم لتولي المسؤولية عن العملية (الانتقالية)، زاد تأثير الجيش على البلاد بشكل كبير، وأدى ظهور الجيش كقوة رائدة في ما يُسمى بالتحول الديمقراطي إلى زيادة مماثلة في قوة ميليشيا الدعم السريع، والتي اعتبرها الكثيرون القوة المضادة الوحيدة ضد جيش غير جدير بالثقة متعطش للسلطة"، بحسب الأفندي.

وبين قائدي الجيش و"الدعم السريع" خلافات أبرزها بشأن المدى الزمني لتنفيذ مقترح بدمج الدعم السريع في الجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لإعادة السلطة في المرحلة الانتقالية إلى المدنيين، بعد أن فرض البرهان، حين كان متحالفا مع حميدتي، في 2021 إجراءات استثنائية منها حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين.

ويعتبر الرافضون تلك الإجراءات "انقلابا عسكريا" على مرحلة انتقالية بدأت في أغسطس/ آب 2019، بينما قال البرهان إن إجراءاته هدفت إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، ووعد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

خيارات صعبة

والوضع في السودان "يترك القوى الإقليمية والعالمية التي طالما توقعت فشل الدولة السودانية أمام خيارات صعبة"، كما تابع الأفندي.

ومنتقدا هذا الوضع، قال إنه "حتى الآن، يصر الفاعلون الرئيسيون على تصنيف الأزمة الحالية بشكل مبسط على أنها صراع مؤسف بين جنرالين مذنبين بنفس القدر، وتجاهل الدعوات السودانية للتدخل البناء الهادف، فمثلا انضمت بريطانيا مؤخرا إلى الولايات المتحدة في معاقبة الجيش إلى جانب الدعم السريع بسبب العنف المستمر".

الأفندي لفت إلى أن "مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والحكومة الأمريكية أعربوا عن اهتمامهم بالتحقيق في الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع في دارفور"، معتبرا أن "فضح عنف الميليشيا لن يجعل ضحاياها أقرب إلى تحقيق العدالة فحسب، بل سيساعد على نزع الشرعية عنها، ويساعد  الدولة السودانية على الكفاح من أجل البقاء".

وأردف أن "قادة الدول السبع المجاورة للسودان اجتمعوا مؤخرا في قمة بمصر وأعربوا عن التزامهم بالحفاظ على الدولة السودانية وسلامة مؤسساتها وقابليتها للحياة. وهذا يعني دعم الجيش، الذي يعتبر العمود الفقري في الديناميكية الحالية للدولة السودانية".

وعلى الرغم من إشادته بتلك الجهود، إلا أن الأفندي اعتبرها "غير  كافية، وقال إنه "إذا أراد المجتمع الدولي أن يتجنب السودان الانهيار الكارثي، فيجب على القوى العالمية والإقليمية الرائدة التوقف عن إضاعة الوقت ببيانات حسنة النية وتعبيرات عن الدعم، واتخاذ إجراءات هادفة للقضاء على تهديد قوات الدعم السريع".

المصدر | عبد الوهاب الأفندي/ الجزيرة- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان الدولة الانهيار الجيش الدعم السريع البرهان حميدتي

اشتباكات بالأسلحة الثقيلة في الخرطوم وتحليق مكثف للطيران الحربي

اختفاء عشرات النساء والفتيات في السودان.. وأصابع اتهام نحو "الدعم السريع"

وصول طائرة مساعدات قطرية إلى السودان

البرهان يشكل لجنة لحصر جرائم وانتهاكات الدعم السريع

4 سيناريوهات لمستقبل الصراع السوداني

السودان.. نزوح عائلات من أم درمان إثر احتدام الاشتباكات

السودان.. جثث متحللة بالشوارع جراء معارك الخرطوم وتحذيرات من تفشي الكوليرا