استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من وراء تشويه سمعة تونس؟

الأربعاء 2 أغسطس 2023 05:53 ص

من وراء تشويه سمعة تونس؟

الحديث بالمنطق الحقوقي لم يعد غير مسموع فقط (في تونس) بل أصبح شبه مجرّم!

ما كان أكثر وقعا وتأثيرا في تشكيل صورة سلبية جدا عن تونس بملف الهجرة هو تلك الشهادات الحية للضحايا التي نشرتها وسائل إعلام دولية مختلفة.

بإمكان السلطات التونسية أن تقول ما تشاء! وبإمكان الرئيس قيس سعيّد أن يتحدث عن حسن معاملة المهاجرين الأفارقة في بلاده لكن المشكل ألا أحد يصدقّ!!

«ألسنا عربا ومسلمين، أليس لنا من قيم الرحمة والرأفة بالضعيف والمستضعف والمستجير ما يحول دون فواجع إنسانية مسيئة لنا؟ هل تجرّدنا تماما من إنسانيتنا؟»

«تشويه سمعة تونس» لا يأتي من «خونة» أو «متآمرين» كما يقول الخطاب الرسمي بل من جهات دولية مختلفة ندّدت بظروف مهاجرين ولاجئين قاسية، ورميهم بمناطق حدودية نائية.

صورة انتشرت كالنار في الهشيم تظهر «جسدا هامدا لامرأة سوداء، بشعر مضفر، وبجانبها فتاة صغيرة، ووجهيهما في الرمال، الطفلة ملتوية بجانب المرأة، وقدماها حافيتان وحمراوتان، ومنتفختان على الأرجح من المشي على الرمال الساخنة»!

* * *

بإمكان السلطات التونسية أن تقول ما تشاء ولكن المشكل ألا أحد يصدقّها!! بإمكان الرئيس قيس سعيّد أن يتحدث عن معاملة حسنة يلقاها المهاجرون الأفارقة في بلاده، وبإمكان وزير داخليته أن يدلي بمقابلات ينفي فيها ما يوجه إلى بلاده من سوء معاملة مشينة يلقاها هؤلاء، وأن تصدر كذلك وزارته بيانا تقول فيه «بعدم قبولها للمزاعم والافتراءات التي من شأنها المساس بصورة تونس والتونسيّين وتشويه المؤسّسة الأمنيّة لغايات مشبوهة» ولكن المشكل ألا أحد أخذ بهذا الكلام.

ليس في الأمر نكاية أو افتراء، ولكن لسبب أبسط من ذلك بكثير وهي أن الحقائق وحدها هي التي تسفّه كلام المسؤولين من خلال الصور والفيديوهات والشهادات الواردة من هناك. «تشويه سمعة تونس» التي تتحدث عنه السلطات التونسية لا يأتي من «خونة» أو «متآمرين» كما يحلو للخطاب الرسمي عادة أن يوصم منتقديه، ولكن من جهات دولية مختلفة ندّدت بـما تعرّض له مهاجرون ولاجئون من ظروف قاسية، أبشعها نقلهم القسري والرمي بهم في منطق حدودية نائية.

وفي كل مرّة تقع فيها الإشارة إلى ما يحصل في تونس إلا ويقرن بالقول إن غالبية الانتهاكات الموثقة حصلت بعد خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد في 21 شباط/فبراير الماضي، الذي عارض فيه بشدّة الهجرة غير النظامية، مستنكرا وصول «حشود من المهاجرين» قال إنهم «يغيرون التركيبة الديموغرافية» لبلاده، ولم تنفع بعد ذلك كل محاولات تصحيح ما سبّبه ذلك من أثر سلبي على سمعة البلاد وعلاقاتها الإفريقية.

لم تقف الأمور عند دعوة خبراء من الأمم المتحدة الحكومة التونسية إلى وقف الطرد الجماعي للمهاجرين الأفارقة وتركهم في العراء وسط مناطق صحراوية، والتشديد على أهمية «التحقيق في أعمال العنف المبلّغ عنها وضمان العدالة للضحايا ووضع حد لخطاب الكراهية العنصري في البلاد» بل إن منظمة دولية شهيرة مثل «هيومن رايتس ووتش» حمّلت المسؤولية المباشرة للسلطات التونسية عن هذه المأساة حين قالت إن قوات الشرطة، والجيش والحرس الوطني هناك، بما فيها الحرس البحري، ارتكبت انتهاكات خطيرة ضدّ المهاجرين واللاجئين، وطالبي اللجوء الأفارقة، شملت «الضرب، واستخدام القوّة المفرطة، وفي بعض الحالات التعذيب، والاعتقال والإيقاف التعسفيين، والطرد الجماعي، والأفعال الخطرة في عرض البحر، والإخلاء القسري وسرقة الأموال والممتلكات» داعيةً الاتحاد الأوروبي إلى «وقف دعمه» لتونس في محاربة الهجرة غير النظامية.

منظمات أخرى سارت على نفس المنوال، من بينها مثلا اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا التي انتقدت ما قالت إنها عاينته بنفسها من حالات خطيرة للاجئين رمت بهم السلطات التونسية في الخلاء على الحدود مع ليبيا، دون ماء ولا طعام ومن بينهم نساء وأطفال في طقس حار لا يطاق.

أما ما كان أكثر وقعا وتأثيرا في تشكيل صورة سلبية جدا عن تونس في ملف الهجرة فهو بلا شك تلك الشهادات الحية للضحايا التي نشرتها وسائل إعلام دولية مختلفة عما جرى لكثير من المهاجرين في تونس ليس فقط في أعقاب خطاب الرئيس في فبراير/ شباط الماضي، ولا ما حدث في مدينة صفاقس في أعقاب مقتل مواطن تونسي على يد أحد المهاجرين الأفارقة، وإنما بالخصوص عندما وصلت الأمور إلى حد الترحيل القسري ورمي العشرات في الصحراء على الحدود مع ليبيا في مشهد غير إنساني مخيف.

أشهر تلك الشهادات هي المأساة التي عاشها رجل من الكاميرون، ورواها عن زوجته وطفلتهما التي لم تتجاوز الستة أعوام والذين عثر على جثتيهما وانتشرت صورتهما كالنار في الهشيم وتظهر «جسدا هامدا لامرأة سوداء، بشعر مضفر، وبجانبها فتاة صغيرة، ووجهيهما في الرمال، الطفلة ملتوية بجانب المرأة، وقدماها حافيتان وحمراوتان، ومنتفختان على الأرجح من المشي على الرمال الساخنة» وفق تقرير لوكالة «أسوشيتد برس».

لا أحد يمكن له أن يستهين بالأثر البالغ، والمدمّر على مسمعة أي بلد حين تنتشر قصص من هذا القبيل، خاصة عندما تبدأ تداعياتها كإلغاء المطرب الفرنسي من أصل كونغولي «جيمس» حفلا موسيقيا كان سيقيمه في تونس احتجاجا على ما جرى لأبناء جلدته هناك.

وبقدر ما يؤلم وجود بعض المزاج العنصري في تونس، على الأقل كما يبدو في بعض مواقع التواصل، بقدر ما يدعو إلى الفخر والإشادة تصدي منظمات وة وشخصيات وأفراد لذلك، فضلا عن انطلاق بعض المبادرات الشعبية، العفوية والمنظّمة، لإغاثة المتضررين الأفارقة في محنتهم عبر جمع تبرّعات لمدّهم على الأقل بالحد الأدنى الضامن لبقائهم على قيد الحياة.

تقول القاضية التونسية روضة القرافي في تدوينة لها «لن أذكّر بالالتزامات الدولية ولا بالاتفاقيات التي تكفل حقوق المهاجرين كبشر. فالحديث بالمنطق الحقوقي لم يعد غير مسموع فقط (في تونس) بل أصبح شبه مجرّم. أنا أتساءل ألسنا عربا ومسلمين، أليس لنا من قيم الرحمة والرأفة بالضعيف والمستضعف والمستجير ما يحول دون هذه الفواجع الإنسانية المسيئة لنا قبل كل شيء. هل تجرّدنا تماما من إنسانيتنا؟».

*محمد كريشان كاتب صحفي وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس روضة القرافي قيس سعيد المهاجرون الأفارقة تشويه سمعة تونس هيومن رايتس ووتش

بعد انتقاده الخط التحريري للتليفزيون.. الصحفيين التونسية تنتقد تدخلات سعيد السافرة