استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كنوز لا نحسن استثمارها

الخميس 3 أغسطس 2023 05:36 ص

كنوز لا نحسن استثمارها

أكثر ما احتفظ به المسؤول السابق من معلومات، تعامل معها كأسرار لا يجوز نشرها، هي بعيدة كل البعد عن كونها تستحق هذه الصفة.

المتقاعدون من الدبلوماسيين المصريين والعرب لديهم ما يستحق أن يروى. أتمنى أن أراهم وقد أقدموا على كتابة مذكرات عن تجاربهم في هذه المهنة.

لم نقرأ حتى اليوم مذكرات تكشف من واقع المعايشة الفعلية بعض الحقائق عن أخطاء ونقائص في أداء السياسات الخارجية العربية أوصلتنا إلى الحال الراهنة.

تفاصيل نخشى تداعياتها عن حروب الأسرار في عالمنا العميق بين قوى لا نعرفها وتفاصيل عن حروب وإن كانت مكتومة الصوت فإنها باهظة الكلفة طويلة الأجل.

آخر استقطاب أمريكي كشفه ببراعة مخرج الفيلم السينمائي عن قصة أوبنهايمر، صانع القنبلة الذرية، وحروب الأسرار بين قوى وأقطاب الدولة الأعمق في أمريكا.

تعود الدبلوماسية البريطانية لتشارك بخبرتها التاريخية في التنسيق بين بريطانيا وأمريكا وأستراليا المتحمسة ونيوزيلندا المترددة لإنقاذ آخر إمبراطورية أنجلوسكسونية.

المتقاعدون من العمل الدبلوماسي ثروة أهملتها حكومات مصرية وعربية تعاقبت خلال القرن الأخير وندفع الآن من استقرار وأبعاد نفوذنا الإقليمى والدولى ثمنا باهظا لهذا الإهمال.

قد نجد فيما سيكتبه المتقاعدون من الدبلوماسيين العرب، والمصريين بخاصة، تعويضاً عن قصور ما سجله أسبقون في مذكرات أكثرها صدرت مكتومة الصوت والرأي والمعلومة.

* * *

بحكم التقدم فى السن وفى الخبرة وتنوع الاهتمامات صرت أجالس من المتقاعدين فى كل مجال نسبة أكبر إذا قورنوا بغيرهم من فئة المعارف والأصدقاء. وبحكم العناصر نفسها مضاف إليها عنصر اهتمام مشترك لاحظت أن لمتقاعدى العمل الدبلوماسي النصيب الأكبر بين من أجالس باختيارى أو اختيار آخرين.

أقصد بالدبلوماسي المتقاعد الشخص الذى ترك الخدمة الدبلوماسية بوصوله إلى سن التقاعد وليس كل من حاز على نصيب من الخبرة فى قواعد وأصول السياسة الخارجية وليس كل من امتهن نشاطا أطلق عليه صفة الدبلوماسى.

من الأنشطة الأخرى المحسوبة على الدبلوماسية وهى ليست كذلك العمل الأكاديمى بحثا أو تدريسا والانخراط فى منظومة المؤسسات الدولية الإقليمية والكتابة والقراءة المنتظمة والمتعمقة فى أدبيات السياسة الخارجية بفروعها المتعددة.

محسوبة أيضا أجهزة في الدولة دأبت على تقليص المساحة الأصلية التى كانت من نصيب الجهاز المكلف بإدارة الشئون الخارجية. شىء من هذا التقليص حدث متدرجا فى تطور العلاقة بين وزارة الخارجية البريطانية وأجهزة العمل السري التى اشتغلت فى حماية أمن واتساع أطراف الإمبراطورية البريطانية التى لم تكن تغرب عنها الشمس!

وأظن أن الشمس نفسها تعود الآن بعد غياب نصف قرن أو أكثر، أى منذ الانسحاب الكبير من شرق السويس، تعود لتشارك بخبرتها التاريخية فى عملية جارية الآن بالتخطيط أو التنسيق بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا المتحمسة ونيوزيلندا المترددة لإنقاذ ما تبقى من آخر إمبراطورية أنجلوسكسونية.

ينصب اهتمامي هنا على المتقاعدين فى خدمة العمل الدبلوماسي الرسمي، ففي ظني وجل اهتمامي أنهم ثروة أهملتها حكومات مصرية وعربية تعاقبت خلال معظم سنوات القرن الأخير وأعتقد أننا ندفع الآن من استقرار وأبعاد نفوذنا الإقليمى والدولى ثمنا باهظا لهذا الإهمال.

أذكر أنني قبل سنوات عديدة، دخلت في حوار مع شخصية جليلة تولّت مناصب مهمة للغاية في قيادة العمل الدبلوماسي المصري. اتصل الحوار بمذكرات سجّلها في كتاب. اتصل الحوار أيضاً بعرض نقدي لهذه المذكرات كتبته ونشرته لي دورية عربية متميزة.

كان عاتباً في تعليقه على ما كتبت. قال ما معناه إنني يجب ألا أنتظر من مسؤول كبير، أن يكتب في مذكراته تفاصيل أحداث ولقاءات أجراها واجتماعات أدارها وخفايا سياسات وأدوات من خارج الدبلوماسية استخدمها لتحقيق أهداف الدولة ومصالحها.

حجته أن العمل الرسمي سر من أسرار الدولة، ولا يجوز البوح به أو إعلانه في وقته أو خارج وقته مهما طال الزمن. حجتي تلخّصت في أن المذكرات لم تقدم للقارئ العادي ما يشجعه على مواصلة القراءة حتى آخر صفحة في الكتاب.

عوّدني القارئ المدرب على قراءة مذكرات بعض كبار المسؤولين على أنه يقرؤها باحثاً عن ما أخفاه كاتب المذكرات بين السطور، أو احتفظ به لنفسه؛ حمايةً له من غدر غادر وشر كارهٍ أو منافس، أو تنفيذاً لقواعد انضباط نشأ عليها وصعد بفضلها إلى أعلى المناصب.

يعلم هذا القارئ المدرب أن المسؤول السابق، وقد صار متقاعداً، غالباً ما ينتهي من كتابة مذكراته ونشرها مطمئناً إلى أن القارئ المدرب لا شك يدرك أن ما خفي عنه في المذكرات أعظم، وربما كان هو نفسه شاهداً حياً على بعض مراحلها.

فهمت من أحاديث أجريتها مع أكثر من مسؤول قضى بعض عمره مكلّفاً بمسؤوليات دبلوماسية، وهو ليس من أهلها، أن كاتب المذكرات لا بد أن يحسب لاعتبارات الجاه والمكانة حسابات منفصلة.

لمّح أحدهم إلى فكرة لا تغيب عن ذهنه أثناء الكتابة، وهي أنه سوف يحصل من القادة الأكبر والأقدم في رتب القيادة على تقدير متناسب مع حجم ما أخفاه من معلومات في مذكراته، وليس مع حجم ما أعلن من أسرار وكشف عن خفايا وشرح من غموض.

لا يدرك هؤلاء أن أكثر ما احتفظ به الكاتب من معلومات، تعامل معها كأسرار لا يجوز نشرها، هي بعيدة كل البعد عن كونها تستحق هذه الصفة، فضلاً عن أن الغالبية العظمى من المعلومات غير العسكرية في كافة الشؤون، وليس فقط في شأن الدبلوماسية، صارت أسراراً معلنة ومنشورة بتفاصيل مذهلة.

أمامنا النموذج في المجتمع السياسي الأمريكي الذي يعيش اليوم متفرجاً على تداعيات هذا الصراع الأبدي على الأسرار في آخر إصداراته، أقصد السباق الإعلامي الراهن في الولايات المتحدة، للحصول على مضمون ما أخفاه أو حاول إخفاءه الرئيس السابق دونالد ترامب من وثائق رسمية، وما أخفاه أو يحاول أن يخفيه الرئيس جو بايدن من تفاصيل فساد واسع النطاق داخل عائلته وتسريب معلومات رسمية سرية الطابع.

هذا المجتمع غريب الأطوار، صار فريسة سهلة للاستقطاب الحاد، نصفه ينحاز إلى جانب الشيطان في أي قضية تُطرح عليه، ونصفه الآخر ينحاز إلى جانب الملائكة ولو لبرهة قصيرة.

بالصدفة المحضة نعيش هذه اللحظة مع آخر استقطاب أمريكي حول ما يكشفه ببراعة متناهية مخرج الفيلم السينمائي عن قصة أوبنهايمر، صانع القنبلة الذرية، وعن حروب الأسرار بين قوى وأقطاب الدولة الأعمق في أمريكا.

الأمر الأشد غرابة في هذا الاستطراد، هو حالة الاستقطاب حول هذا الفيلم في المجتمع السياسي المصري. فمن حيث الشكل تبدو القضية لا تمس جانباً من تاريخنا، ولكن من حيث المضمون، يغوص موضوعها حتى الأعماق في تفاصيل نخشى تداعياتها على حياتنا، تفاصيل عن حروب الأسرار التي تنشب في عالمنا العميق بين قوى لا نعرفها أو نعرف عنها القليل غير المفيد، وتفاصيل عن حروب، وإن كانت مكتومة الصوت، فإنها باهظة الكلفة، طويلة الأجل.

لدى أكثر المتقاعدين من الدبلوماسيين المصريين وغيرهم من الدبلوماسيين العرب، ما يستحق أن يروى. أتمنى أن أراهم وقد أقدموا الواحد بعد الآخر على كتابة مذكرات عن حيواتهم في هذه المهنة التي لم تحصل بعد على حقها، وعن دورها في عالم السياسة الخارجية المصرية.

لم نقرأ حتى يومنا هذا مذكرات تكشف من واقع المعايشة والمشاركة الفعلية بعض الحقائق عن أخطاء ونقائص في أداء السياسات الخارجية العربية أوصلتنا إلى الحال الراهنة بين أحوال الأمم.

قد نجد في ما سوف يكتبه المتقاعدون من الدبلوماسيين العرب، والمصريين بشكل خاص، تعويضاً عن قصور في ما سجله الأسبقون في مذكرات أكثرها صدرت مكتومة الصوت والرأي والمعلومة.

ثم إننا ونحن نقرأ ما يكتبون سوف نتعلم، وسوف يتعلم معنا جيل الدبلوماسيين الناشئين، بعضاً أو كلاً مما استُجد في الشؤون الدولية التي صارت مختلفة في الجوهر والأداء عن شؤون دولية درسناها في الكتب وقاعات المحاضرات، أو تعاملنا معها في مختلف الظروف والمؤتمرات والعواصم.

*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

أسرار أوبنهايمر القنبلة الذرية العمل الدبلوماسي إمبراطورية أنجلوسكسونية المسؤول السابق السياسة الخارجية العربية المتقاعدون من الدبلوماسيين