انقلاب النيجر.. كيف تراجع دور فرنسا في مستعمراتها السابقة بأفريقيا؟

الاثنين 7 أغسطس 2023 05:56 ص

حالة من عدم اليقين ازدادت في النيجر، بعد الانقلاب العسكري الأخير، الذي أثار شكوكًا بشأن التواجد الفرنسي والأمريكي أيضًا في البلاد.

وتحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن تراجع الدور الفرنسي في القارة الأفريقية خلال الفترة الماضية، وهو ما ظهر جليًّا بعد الانقلاب الأخير الذي وقع في النيجر.

وقبل أسبوعين، احتجز عسكريون رئيس النيجر محمد بازوم، الحليف الموثوق لفرنسا، كرهينة في القصر الرئاسي، فيما احتشد المتظاهرون أمام السفارة الفرنسية بعد فترة وجيزة، وأشعلوا حولها النيران وحطموا النوافذ.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الفوضى المستمرة في النيجر خلال الأيام الماضية هي تكرار للسيناريو الذي حدث في وقت سابق في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين، وكلها مستعمرات سابقة لفرنسا، واصفة فرنسا بأنها كبش فداء لأي انقلاب يحدث في تلك المناطق بالذات.

وهذه الدول هي مستعمرات سابقة لفرنسا، وكلها سيطر عليها العسكر، حتى أثارت الانقلابات مشاعر الكراهية ضد فرنسا، التي يقول النقاد إنها لم تتخل أبدا عن مستعمراتها السابقة.

وأمام كل ذلك، وفق الصحيفة، تحولت فرنسا إلى "كبش فداء" لكل أنواع المشاكل التي تعاني المنطقة التي تعيش الفقر والتغيرات المناخية، وتصاعد التشدد الإسلامي.

يقول العضو المنتدب لأوروبا في "يورأسيا جروب" مجتبى رحمن: "لم تتوقع فرنسا حدوث هذا الانقلاب، لذا فهي لم تتعلم من مالي أو بوركينا فاسو".

وهددت الاضطرابات في النيجر مصالح كل من فرنسا والولايات المتحدة اللتين أرسلتا قوات ومساعدات عسكرية واقتصادية إلى المنطقة.

وكان ما يقرب من نصف البلدان في أفريقيا في وقت سابق مستعمرات أو تحت الحماية الفرنسية.

ولعقود من الزمان، حافظت فرنسا على علاقات وثيقة وإن كانت معقدة مع العديد من المستعمرات السابقة لها، ولكن كانت الأوضاع تزداد سوءًا.

وتعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق عند انتخابه في عام 2019 كرئيسًا لفرنسا، وإدراكًا منه للاستياء المتزايد بأنه سيحاول ضبط العلاقات مع القارة الأفريقية، وأمر بزيادة مساعدات التنمية لهذه البلدان، ووعد بتقليص الوجود العسكري الفرنسي فيها.

لكن شيئا لم يتغير من الناحية العملية في الكثير من المستعمرات السابقة، فالرافضون لباريس اتهموها بعلاقة أبوية مع أفريقيا، وأنها احتفظت بعلاقات مع الديكتاتوريين في تشاد والكاميرون.

وفي عهد بازوم، ظلت النيجر حليفا مهما للغرب في منطقة مضطربة، وأصبحت الجهة المفضلة لتقديم الدعم.

ونُشرت قوات غربية في هذا البلد، من بينها 1100 جندي أمريكي، و1500 جندي فرنسي للمساعدة في عمليات مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل القاحلة، والتي تعاني من آثار التغيرات المحلية والتمردات المسحة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة.

ومن هنا، أصبحت بنية المساعدة العسكرية والدعم الغربي محلا للشك، أما وضع فرنسا فقد باتت مهلهلا.

ويعد خروج القوات الفرنسية بمثابة خروج القوات الأمريكية، كما يقول المحللون، وسط عدم ثقة الأمريكيين بالجنرالات في النيجر.

من جانبها، تقول المستشارة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية التي عملت في النيجر أنيليسي برنارد: "يُنظر إلى المجلس العسكري في النيجر على أنه لا يمكن الاعتماد عليه في وضع الثقة فيه، بسبب اقترابه هو وقادة الدول المجاورة له مثل بوركينا فاسو ومالي من روسيا في السنوات الأخيرة".

وقادة هاتين الدولتين على علاقة قوية بروسيا، والتقوا مع واحد من قادة الانقلاب بالنيجر.

وتضيف بيرنارد، أن التطورات الأخيرة في البلد قد تسرع خروج القوات الأمريكية إلى دول أخرى في غرب أفريقيا.

وتتابع: "لو خرجت القوات الفرنسية من النيجر، ستظل تشاد البلد الوحيد الذي توجد فيه قاعدة عسكرية فرنسية".

وأجلت فرنسا الأسبوع الماضي، أكثر من 550 من مواطنيها من النيجر، متذرعة بانعدام الأمن المتزايد في أعقاب الهجوم على سفارتها.

وتمثل النيجر 10% من إمدادات اليورانيوم الفرنسية لمفاعلاتها النووية، واتُهمت شركة "أورانو" الفرنسية، المعروفة سابقًا باسم "أريفا"، بالتلوث البيئي في المنطقة المحيطة بالمنجم، ما أثار غضب الشعب في النيجر.

ولم تزعزع الاضطرابات السياسية الأخيرة في غرب أفريقيا استقرار التجارة الفرنسية في القارة، فأكبر شركائها التجاريين الأفارقة لا يزالون موجودون وأبرزهم نيجيريا وجنوب أفريقيا، ولا تزال شركات مثل "توتال إنرجيز"، تمتلك آلاف محطات الوقود في جميع أنحاء أفريقيا.

كما أن البصمات التجارية الفرنسية تختفي شيئا فشيئا، فالشركات الأمريكية الناشئة تتحدى شركات الاتصالات الفرنسية، وتحل البنوك الأفريقية محل الفرنسية، فيما حصلت شركات بناء تركية وصينية على عقود إنشاءات كانت تُمنح عادة للشركات الفرنسية.

يقول رئيس مجموعة تمثل المصالح الاقتصادية الفرنسية في القارة إتيان جيروس، إن فرنسا في عام 2000 كانت تمثل 10% من التجارة الدولية لأفريقيا، ومنذ ذلك الحين انخفض إلى أقل من 5%.

ويضيف أن الانقلابات الأخيرة والغضب المتزايد ضد سياسات فرنسا في المنطقة لم يشجع الاستثمار.

وعندما أنهت فرنسا عملياتها في مالي بعد 9 أعوام لخلافها مع القادة العسكريين، نقلت قواتها إلى النيجر، ثم أنهت بوركينا فاسو في يناير/كانون الثاني الترتيبات العسكرية مع فرنسا، التي سحبت 400 من قواتها بمن فيهم 200 من قواتها الخاصة.

وقال الدبلوماسيون والعسكريون الفرنسيون في ذلك الوقت، إنهم تعلموا من أخطائهم: "ستتوقف فرنسا عن رفع علمها فوق القواعد العسكرية في هذه الزاوية من أفريقيا، وستركز على دعم احتياجات القوى العسكرية الأفريقية بدلا من شن عمليات عسكرية بمفردها".

وتقول ناثال باول، المؤرخ الذي كتب كتابا عن العمليات الفرنسية في تشاد، جارة النيجر: "كان هناك اعتراف متأخر من القيادة العسكرية الفرنسية  بالحاجة للتنازل… أخذت فرنسا المقعد الخلفي والنيجر مقعد القيادة".

ويضيف: "لو تبنت فرنسا هذا النهج مبكرا، لما وجدت نفسها أمام التحديات التي تواجهها اليوم.. لقد كانوا ينتصرون في العمليات، ولكن ليس بين الرأي العام".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النيجر انقلاب النيجر فرنسا مستعمرة مالي بوركينا فاسو

بسبب النيجر.. فرنسا تعلق مساعداتها إلى بوركينا فاسو

4 مخاطر لتدخل "إيكواس" عسكريا.. وسيناريو دولة عربية يخيم على النيجر

فشل محتمل.. 7 عراقيل أمام تدخل إيكواس عسكريا في النيجر

كيف خسرت فرنسا نفوذها في غرب أفريقيا؟

إيكواس والنيجر.. توقيت وحجم ومسار تدخل عسكري بدعم غربي