الانتخابات المحلية في العراق تجدد الانقسامات.. فهل يعود الصدر؟

الجمعة 11 أغسطس 2023 06:00 م

"المشهد السياسي في العراق على موعد مع تغييرات جديدة، حال تقرر إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد لها خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل، وحال قرر التيار الصدرى العودة إلى ساحة العمل السياسي من جديد".

هكذا يخلص تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، تعليقا على إعلان الحكومة العراقية إجراء الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعد فترة انقطاع دامت 10 سنوات على تاريج آخر انتخابات محلية شهدها العراق في عام 2013.

وتم حل مجالس المحافظات امتثالاً للمطالب الشعبية التي نادت بها حركة الاحتجاج الجماهيرية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، نتيجة فشل تلك المجالس في توفير وتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية للمواطن العراقي، وتردي البنى التحتية في كافة المحافظات، فضلاً عن تورطها في العديد من أوجه الفساد المالي والإداري.

ووفق التحليل، تكتسب الانتخابات المحلية أهميتها في الحياة السياسية العراقية من كون نتائجها ستحدد حصة الأحزاب والقوى السياسية من المجالس المحلية التي تلعب دوراً واسعاً في التشريع والرقابة داخل المحافظات، فضلاً عن كونها لا ترتبط ولا تخضع في عملها لأى جهة وزارية، وتتمتع إلى جانب ذلك بصلاحيات إدارية كبيرة.

كما تعد الانتخابات المحلية في حد ذاتها مؤشراً قوياً على طبيعة التفاعلات بين القوى السياسية التي ستخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المحتمل إجراؤها خلال عام من تاريخ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء فى أكتوبر/تشرين الأول 2022، وذلك وفقاً لما تعهد به السوداني نفسه.

وكانت نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وما نتج عنها من صراع سياسى بين القوى السياسية الشيعية نفسها، ألقت بظلال قاتمة على العملية السياسية في العراق، وهو الصراع الذي انتهى بتشكيل القوى الخاسرة في الانتخابات (الإطار التنسيقي) الحكومة العراقية الحالية برئاسة السوداني، بينما اتجهت القوى الفائزة (تيار الصدر) إلى الانكفاء على نفسها والانسحاب من البرلمان والانعزال الطوعي عن العمل السياسي.

وبعدها استطاعت قوى الإطار، وعن طريق سيطرتها على البرلمان مع غياب المعارضة الوازنة، تعديل قانون الانتخابات العام سواء على مستوى انتخابات مجالس المحافظات، أو على مستوى الانتخابات البرلمانية ككل.

وهذا التعديل يضمن عودة الأحزاب التقليدية الكبرى للهيمنة أولاً على ساحة العمل السياسي في المحافظات، وعلى نتائج الانتخابات البرلمانية لكونه يعتمد التمثيل النسبي، أساساً للعملية الانتخابية، ويعتبر الدولة دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يمثل نكوصاً على أحد أهم مكتسبات حراك 2019.

فى هذا السياق، شهدت خريطة القوى السياسية عدة مستجدات كان أبرزها تلك التى حدثت على مستوى التحالفات الشيعية داخل الإطار التنسيقى، حيث بدا واضحاً أن قوى الإطار لن تدخل الانتخابات المحلية بكتلة انتخابية واحدة، بمعنى أن القوى الشيعية المنضوية فيه ستتفكك إلى عدة تحالفات كل وفق خطه السياسي.

ووفق التحليل، فمن المتوقع أن تشكل الأحزاب الشيعية الدينية تحالفاً منفرداً، وكذلك الأحزاب اليسارية، بينما من المتوقع أن تتجه قوى الاعتدال المدنية في الإطار إلى تشكيل تحالف منفرد أيضاً.

هذا فضلاً عن الخلافات البينية التي تضرب علاقات القوى الشيعية داخل الإطار؛ والتى فشلت محاولات احتوائها من قبل زعيم "تحالف الفتح" هادى العامرى، وزعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، بهدف الحفاظ على وحدة الإطار.

فضلاً عن رفض نورى المالكى زعيم ائتلاف "دولة القانون"، مشاركة تيار "الفراتين" الذى يرأسه رئيس الحكومة شياع السوداني في الانتخابات المحلية المقبلة، بالرغم من أن السوداني حظى بدعم المالكي في فترة ما.

والسبب فى ذلك يعود إلى مخاوف القوى التقليدية في "الإطار التنسيقى" عامة، والمالكي تحديداً من حصول "تيار الفراتين" على نسبة أصوات تمكنه من السيطرة على مجالس عدد من المحافظات، حيث يرغب المالكي في حالة فوز قائمته في الانتخابات المحلية أن يكون له الدور الأكبر فى عمليات انتخاب المحافظين ونوابهم بخلاف المناصب الإدارية.

ويرغب المالكي في خوض الانتخابات المحلية منفرداً بكتلته السياسة، عن باقى قوى "الإطار التنسيقي"، مستنداً إلى النتائج التى حصل عليها الائتلاف خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى تقدم فيها على كافة أقرانه من الأحزاب السياسية الشيعية.

اللافت في التحولات التي طرأت على الإطار التنسيقي أنها ارتبطت بارتفاع حدة الخلاف مع السوداني، الذي تولى منصبه بمساعدة قوى الإطار نفسها، ما دفع إلى القول إن ثمة تغييراً واضحاً في نمط تفاعلات القوى الرئيسية والنافذة داخل الإطار، عنوانه الرئيسي هو "تقاطع المصالح الحزبية" في مرحلة سياسية لم يتضح فيها بعد إلى أين ستتجه البلاد؟، وهل ستتجه إلى إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وفقاً لرغبة رئيس الوزراء، أم ستتجه إلى التأجيل، واستكمال الفترة البرلمانية لمدة 4 سنوات، وفقاً لرؤية قوى "الإطار التنسيقي".

وثمة تفاعلات واضحة تشي بأن بعض قوى الإطار باتت تنتقد سياسات السوداني من ناحية، فضلاً عن غياب حالة التنسيق السياسي التى كانت تميز مسار العلاقة بينهما على مدار الشهور الماضية من ناحية ثانية.

ويفسر البعض هذا التحول بأن السوداني، بدأ يتصرف كرجل دولة وليس كمرشح لقوى الإطار، وبالتالي غابت سمة التفاعل على أساس الندية والتعاون بين الجانبين، وحضرت بدلاً من ذلك سمة التفاعل على أساس الغلبة والسيطرة على الأمور من جانب السوداني بصفته رئيساً للحكومة.

وكانت أبرز أوجه الخلاف التي خرجت للعلن هو الانتقاد الحاد الذى وجهه السوداني لعدد من الوزراء المحسوبين على قوى نافذة داخل الإطار، مصرحاً بأن علاقة الوزير بحزبه السياسي تنتهى عند عتبة منصبه، وهو ما عده البعض مؤشراً على احتمالية إجراء تعديلات وزارية قد تؤدى إلى حالة من الصدام السياسي المكتوم بين السوداني والقوى الحزبية التي ينتمى لها بعض الوزراء الذين ستطالهم التعديلات.

من هذا المنطلق، يمكن تفسير أسباب تحركات المالكي، لدخول الانتخابات المحلية بقائمة منفردة بعيداً عن تحالفاته السابقة مع قوى الإطار.

لكن هذا التصور، وفق التحليل، لا ينفى عودة التحالفات مرة أخرى بعد الانتخابات لتقاسم "كعكة" مناصب مجالس المحافظات، مع ملاحظة أن توزيع هذه المناصب المهمة في المجالس المحلية سيخضع حينها للأوزان النسبية التي ستحصل عليها القوى السياسية في تلك الانتخابات.

الأمر نفسه بخصوص التحالفات السنية، حيث تفكك تحالف السيادة السني بإعلان حزب "تقدم" لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" لخميس خنجر عن دخولهما انتخابات مجالس المحافظات بقوائم منفصلة، بهدف استفادة كل طرف من نتائج الانتخابات في المحافظات التي يتمتع فيها بقاعدة شعبية كبيرة على غرار ما يتمتع به الحلبوسي في محافظة الأنبار مثلاً.

لكنهما فى الوقت نفسه لم ينفيا إمكانية عودة تحالفهما عند تشكيل مجالس المحافظات.

ومن المفترض دخول التيارات السياسية السنية انتخابات المحافظات بقائمتين فقط، حيث سيؤدى الانقسام إلى قوائم متعددة إلى تشتت أصوات المكون السني.

الأمر ذاته، ينطبق على المكون السياسي الكردي، فعلى الرغم من أن محافظات الإقليم الثلاثة (أربيل والسليمانية ودهوك) لن تجرى فيها انتخابات محلية، نظراً لأن الإقليم ووفقاً لحالة الحكم الذاتي التي يتمتع بها تضمن له نظاماً انتخابياً مستقلاً، إلا أن الانتخابات ستشمل المناطق المتنازع عليها بين الإقليم وحكومة بغداد المركزية.

وهنا تحديداً، أخذت التفاعلات منحى تصاعدياً بين المكون السياسي الكردي، لأن حكومة الإقليم أعلنت رفضها التام إجراء انتخابات محلية في المناطق المتنازع عليها.

أما القوى المدنية المعارضة، والتي تكونت على وقع الحراك الشعبي في 2019، فقد كثفت نشاطها السياسي على هامش الاستعداد لدخول الانتخابات المحلية، وتحاول جذب القاعدة الشعبية التي تؤيد التيار الصدري الذى لم يحسم موقفه بعد بشأن دخول الانتخابات المحلية، لاسيما مع اقتراب انتهاء فترة "عام الانعزال السياسي" التى أعلنها زعيم التيار مقتدى الصدر.

وستحاول القوى المدنية المعارضة ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الصدر من الحياة السياسية، عبر استمالة القواعد الشعبية التي تؤيده حال قرر الأخير عدم دخول انتخابات مجالس المحافظات.

ومن المتوقع أن تشارك هذه القوى عبر تحالف انتخابي يسمى "قوى التغيير الديمقراطية"، تم تشكيله في يونيو/حزيران 2023، ويضم: حركة "نازل آخذ حقى"، و"حزب البيت الوطنى"، و"الحزب الشيوعى العراقى"، إلى جانب عدد من السياسيين المستقلين من المشاركين فى البرلمان.

وتتميز هذه القوى بأنها تتبنى أفكاراً عابرة للمحاصصة الطائفية ورافضة لسيطرة ونفوذ الأحزاب الكبرى التقليدية.

وتعد حظوظ هذه القوى بشأن إحراز نتائج يعتد بها في انتخابات مجالس المحافظات "محدودة"، وفق التحليل، كما أن هذه النتائج لن تمثل تغييراً حدياً في الخريطة الانتخابية العراقية، لاسيما إذا قرر تيار الصدر العودة للعمل السياسي من بوابة الانتخابات المحلية.

أما التيار الصدري، فهو المعادلة الأبرز في الانتخابات، خاصة مع اقتراب حالة الانعزال السياسي الطوعي من الانتهاء، الأمر الذى قد يفتح المجال أمام التيار مجدداً للعودة إلى الحياة السياسية، لاسيما أن ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي تشكل من قوى شيعية وسنية وكردية على وقع الأزمة السياسية التي تعلقت بتشكيل الحكومة على مدار العام الماضي، كان قد تعهد بضمانات لإنهاء عمل حكومة السوداني، بعد عام ونصف العام من تاريخ تشكيلها، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وهذا الأمر تحديداً يحاول السوداني التمسك بتحقيقه، إلا أن ثمة مؤشرات تقول إن القوى الشيعية في ائتلاف "إدارة الدولة" ربماتتراجع عن وعودها في هذا الشأن، لاسيما القوى المتشددة التي تضغط باتجاه عدم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، والاتجاه بدلاً من ذلك إلى بقاء حكومة السوداني لفترة برلمانية كاملة (4 سنوات).

وبغض النظر عن تلك المعطيات، فإن ثمة احتمالين بشأن مشاركة تيار الصدر في الانتخابات: الأول، اتجاه التيار للمشاركة الفعلية، وهو ما يقتضى "كسر" حالة الانعزال الطوعي والعودة لغمار العمل السياسى.

أما الاحتمال الثاني، وفق التحليل، وهو الاتجاه إلى تأجيل الانتخابات المحلية حتى ما بعد مارس/آذار 2024، وهنا تحديداً سيكون التيار الصدرى قد استعاد وعلى مدى 8 شهور من تاريخ انتهاء عزلته، قوته في العمل السياسي بكامل طاقته.

لذا يمكن تفسير"إصرار" قوى "الإطار التنسيقي" على إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد، بما قد يحد من إمكانية مشاركة التيار الصدرى بقوة وفعالية فى جميع المحافظات.

وبغض النظر عن كلا الاحتمالين، فإن ثمة مؤشرات تقول إن التيار الصدرى ربما عقد العزم على العودة للعمل السياسي، سواء قبل انتهاء فترة الانعزال أو بعدها، بدليل قيام التيار بإعداد خريطة انتخاباته فى عدد من المحافظات، وإعداد الكوادر التي ستخوضها.

بل هناك من يرى أنه حتى لو لم يشارك تيار الصدر في الانتخابات المحلية، فإن تحركات عناصره خلال الشهور الماضية تشير إلى دور سياسي سيقوم به فعلياً خلال تلك الانتخابات، يشمل على سبيل المثال، تقديم الدعم لبعض القوى، أو من خلال تبني حراك شعبي داعم لقوى مناهضة للإطار التنسيقى وعناصره في المحافظات.

وثمة في المقابل، رأى يقول إن قرار عودة الصدر للمشاركة في الانتخابات المحلية، قد يدفع قوى "الإطار التنسيقي" إلى إعادة التفكير فى تكتيكاتها بخصوص دخولها الانتخابات بقوائم منفصلة.

وفى هذه الحالة، حسب التحليل، ستضطر كافة القوى في الإطار إعادة الاعتبار لآلية التحالف الجماعي بينهم، والدخول بقوائم موحدة لمواجهة الشعبية التى يتمتع بها التيار الصدري، والتى من المتوقع أن تترجم فى نتائج الانتخابات المحلية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق الإطار التنسيقي تيار الصدر الشيعة الأكراد انتخابات العراق الانتخابات المحلية

الصدر والسوداني خارج الحلبة.. العراقيون ينتخبون مجالس المحافظات لأول مرة من 2013