ستراتفور: الامتثال التدريجي لصندوق النقد السيناريو الأرجح لأزمة مصر الاقتصادية

الاثنين 14 أغسطس 2023 07:57 م

سلّط موقع "ستراتفور" الأمريكي الضوء على تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، مشيرا إلى أن الحكومة توازن بين التقشف والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

وذكر الموقع، في تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، أن البيانات الاقتصادية المنشورة مؤخرا أثارت مخاوف بشأن الاستقرار المالي في مصر على المدى القريب والبعيد، حيث شهدت البلاد نموًا اقتصاديًا أبطأ من المتوقع في يوليو/تموز الماضي، كما أظهرت بيانات البنك المركزي، الصادرة الأسبوع الماضي، أن صافي الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك التجارية المصرية بلغ عجزًا قياسيًا في يونيو/حزيران، وسط قلة تدفقات العملات الأجنبية.

وأضاف أن النقص في العملة الصعبة يكشف مشاكل ميزان المدفوعات الحادة التي تواجهها مصر، بما في ذلك عبء الديون الخارجية الكبير والتضخم المرتفع وانخفاض قيمة الجنيه على الرغم من التدخلات المكلفة للبنك المركزي.

كما تعاني مصر حاليًا من نقص حاد في الكهرباء وسط موجة حرارة قياسية أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي.

ومع الضيق الاقتصادي العام الذي يشعر به السكان، أثارت أزمة الطاقة السخط، كما يتضح من العدد المتزايد من المصريين الذين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من الحكومة.

وتدهور الوضع الاقتصادي في مصر بشكل كبير في عام 2022؛ ما دفع الحكومة إلى السعي للحصول على تمويل خارجي من صندوق النقد الدولي، فيما ظلت توقعات عام 2023 دون تحسن.

وخفضت مصر قيمة عملتها 3 مرات خلال العام الماضي، في محاولة لتثبيت سعر صرف الجنيه، لكن هذا الجهد فشل إلى حد كبير؛ ما تسبب في استنزاف احتياطيات مصر من النقد الأجنبي.

وأدت هذه الاحتياطيات المحدودة إلى مزيد من الضغط على الجنيه وجعل من الصعب على مصر شراء الواردات، خاصة الحبوب، حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعطيل صادراتهما من الحبوب بشدة ورفع أسعارها العالمية.

ولأن مصر كانت المستورد الأول للحبوب من كلا البلدين في عام 2021، أي العام الذي سبق اندلاع الحرب، فقد تضررت القاهرة بشكل خاص من هذا النقص وتكافح بشكل متزايد التهديد الذي يلوح في الأفق بانعدام الأمن الغذائي.

وأدت هذه الصعوبات إلى انخفاض ثقة المستثمرين وهروب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، خاصة مع استمرار معدلات التضخم العالمية في الارتفاع.

رياح معاكسة

ولأن العديد من محركات الأزمة الاقتصادية في مصر خارجة عن سيطرة البلاد، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي، فمن المرجح أن يظل الاقتصاد المصري متقلبًا طالما استمرت الرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي.

ولحماية اقتصادها من آثار هذا التقلب، توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض مدته 46 شهرًا بقيمة 3 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2022.

ومع ذلك، أرجأ الصندوق صرف الدفعة الثانية من الأموال لعدة أشهر بسبب مقاومة مصر لتنفيذ إصلاحات غير شعبية.

ومن بين إصلاحات الصندوق المطلوبة: تخفيضات إضافية لقيمة الجنيه المصري؛ ما سيمكن الحكومة من سداد ديونها الخارجية وجذب الاستثمار الأجنبي.

ومثل هذه التعديلات في سعر الصرف ستجعل الواردات أكثر تكلفة، وتقلل من قيمة مدخرات المصريين وتقلل من القوة الشرائية للأسر.

وإضافة لذلك، يحث صندوق النقد الدولي الحكومة على خفض دعم الوقود والمرافق والمواد الغذائية، فضلاً عن زيادة الضرائب، للمساعدة في دعم الهوامش المالية للحكومة.

ويمكن للبنك المركزي أيضًا تقديم أسعار فائدة أعلى؛ ما من شأنه أن يبطئ الطلب المحلي والواردات، ويزيد تدفقات العملات الأجنبية ويحسن معنويات المستثمرين.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة من شأنها أن تضعف بعض الأنشطة التجارية المحلية والاستثمارات الرأسمالية. وبهذه الطريقة، فإن تلبية مطالب صندوق النقد الدولي سيجعل الحياة أكثر تكلفة بالنسبة للمصريين على المدى القصير؛ ما سيزيد من المشاعر المناهضة للحكومة.

ومن أجل تجنب الاحتجاجات والاضطرابات، من المرجح أن تنفذ مصر إصلاحات مهمة بما يكفي لإطلاق مساعدات صندوق النقد الدولي.

وعلى سبيل المثال، من المرجح أن تفرض مصر ضرائب جديدة تساعد في توليد الإيرادات، ولكن مع تجنب خفض الدعم للسلع الحساسة اجتماعيًا (بما في ذلك الخبز) وإجراء تخفيضات حادة في قيمة عملتها.

وقد تؤدي هكذا استراتيجية إلى خلق توتر مع صندوق النقد الدولي، لكن من غير المرجح أن تخرج الاتفاقية عن مسارها.

وبالنسبة للاقتصاد المصري، فإن التنفيذ البطيء والانتقائي للإصلاحات من شأنه أن يخلق فترة مؤلمة وطويلة من التعديل الذي يحد من النمو الاقتصادي، ولا يفعل الكثير لإثارة ثقة المستثمرين، ويبقي الأسواق عرضة للصدمات الخارجية المتجددة.

اضطرابات اجتماعية

ومع ذلك، فمن المرجح أن تساعد الإصلاحات التدريجية مصر على تجنب أزمة ميزان المدفوعات. وفي حين أن بعض الاضطرابات الاجتماعية قد تحدث على الأرجح نتيجة لتدابير التقشف، فإن تنفيذها التدريجي من شأنه أن يقلل من مخاطر تلك الاضطرابات، وسيتم بث المشاعر المناهضة للحكومة في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي وليس في الشوارع.

وفي سيناريو أقل احتمالا، قد تنهار المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي؛ لأن القاهرة ترفض تنفيذ إصلاحات اقتصادية بسبب المخاطر السياسية والاجتماعية، حسب تقدير "ستراتفور".

وسيؤدي هذا السيناريو إلى زيادة حادة في عدم اليقين بشأن الاقتصاد الكلي لمصر، وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية، وانهيار معنويات المستثمرين الأجانب والمحليين.

وبدون تمويل من صندوق النقد الدولي، يمكن لمصر أيضًا أن تتخلف عن سداد ديونها. وعلى المدى القريب، سيكون خطر الاضطرابات الاجتماعية منخفضًا بسبب استمرار الدعم والإنفاق الحكومي على الفوائد، لكن هذا الخطر سيرتفع على المدى الطويل بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

أما السيناريو الأقل احتمالا، فهو امتثال مصر الكامل لمطالب صندوق النقد الدولي، وفي مثل هذا السيناريو ستشرع الحكومة بسرعة في إصلاحات كبيرة، بما في ذلك تخفيضات كبيرة في قيمة العملة، وضرائب جديدة وإصلاحات كبيرة للدعم، والتي تمكن القاهرة من خدمة ديونها الخارجية وتنمية الاقتصاد.

ومن المحتمل أيضًا أن تكون مصر قادرة على الحصول على المزيد من الأموال من مقرضين آخرين؛ ما سيسرع الانتعاش الاقتصادي بشكل أكبر.

وفي حين أن هذه الإجراءات سترفع بشكل حاد تكلفة المعيشة للمصريين، ما يزيد من مخاطر الاحتجاجات المناهضة للحكومة، فإن الأخيرة لن تختار هذا المسار إلا إذا رأت أن المخاطر السياسية والاجتماعية لتنفيذ الإصلاحات لا تذكر أو يمكن قمعها بالقوة بسهولة.

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر التقشف الاقتصادي صندوق النقد الدولي البنك المركزي التضخم

تصريحات السيسي حول الأزمة الاقتصادية والكهرباء تثير غضب المصريين.. ماذا قال؟

على رأسها الصين والهند.. مصر تبحث عن ملاذات اقتراض جديدة في الشرق

خبير اقتصادي: الخصخصة طوق النجاة لأزمة مصر.. بشرط