استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إفريقيا مهد الإنسانية وكعكة الدم

الثلاثاء 15 أغسطس 2023 02:58 م

إفريقيا مهد الإنسانية وكعكة الدم

أفريقيا منجم العالم ومزرعته وقوته البشرية، فمع نهاية هذا القرن سيمثل سكان إفريقيا 40% من سكان العالم ومعظمهم من الشباب.

معظم المساعدات لإفريقيا يتبدد قبل وصولها لمستحقيها، وتشير تقديرات إلى أن كل 13 دولارًا يتم جمعها بالخارج يصل منها دولار واحد فقط إلى إفريقيا.

في غرب أفريقيا تحضر صورة دول فاشلة أرهقتها انقلابات عسكرية وعدم الاستقرار، والجماعات الإرهابية ونسب الفقر المرتفعة ومتوسط الأعمار المنخفضة.

تم تقسيم إفريقيا جنوب الصحراء بين عدة دول دون مراعاة الإثنيات المحلية ولا الثقافات والهوية ما ترك هذه الدول ساحة حروب أهلية ومجازر إبادة عرقية وتفشي المليشيات.

* * *

مالي الغنية.. مالي الفقيرة

حين يذكر اسم دولة "مالي"، تحضر إلى الأذهان صورة الدول الفاشلة التي أرهقتها الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار، والجماعات الإرهابية ونسب الفقر المرتفعة ومتوسط الأعمار المنخفضة.

مالي المستعمرة الفرنسية السابقة لم تكن كذلك طوال تاريخها، بل ظلت ردحًا طويلًا من الزمن مملكة عظيمة ثرية، كانت يومًا إمبراطورية تمتد حدودها إلى المحيط الأطلسي، ويذكر أن إمبراطورها الأشهر "مانسا موسى"، حين حج لمكة عام 1324م عبر العديد من الدول والممالك، وأينما حل بقافلته الضخمة كان يبني مسجدًا على نفقته الخاصة هدية لأهل البلد.

وحين وصل إلى القاهرة كان المماليك في انتظاره، واستقبلوه بحفاوة بالغة، ويذكر أن سعر الذهب انخفض في العالم بسبب هذه الرحلة المقدسة، لكثرة ما وزعه "مانسا موسى" خلالها من ذهب، وبلغة العصر ارتفع معدل التضخم بسبب وفرة المال وقلة السلع.

في هذه الفترة كانت عاصمة مملكة مالي هي تمبكتو الملقبة بـ"مدينة الأولياء" و"جوهرة الصحراء"، وكانت مركزًا لتجارة الذهب، وملتقى للتبادل التجاري ومنارة للحضارة الإسلامية في غرب إفريقيا، فتبدلت الأحوال في مالي كغيرها من الأمم، حتى وقعت أسيرة مثل جيرانها في يد الاستعمار الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر، وأصبحت جزءًا مما سمي بالسودان الفرنسي، حتى حصلت على استقلالها عام 1960.

ومنذ ذلك الحين لم تنجح مالي في الوصول إلى مسار التنمية والتطور لأسباب عدة: الاضطرابات الداخلية بسبب التعددية العرقية، ومن ثم الاقتتال على الحكم، والتدخلات الأجنبية، وكثرة الانقلابات العسكرية والصراعات الحدودية، وانتشار الإرهاب.

مالي تعد نموذجًا يتكرر في العديد من الدول الإفريقية التي كانت مستعمرة من قبل الأوروبيين، حيث تم تقسيم إفريقيا جنوب الصحراء بين عدد من هذه الدول دون مراعاة للإثنيات المحلية ولا الثقافات والهوية، وهو ما ترك العديد من هذه الدول ساحة للحروب الأهلية ومجازر الإبادة العرقية وتعدد المليشيات المسلحة وضعف الجيش الوطني.

إفريقيا والانقلابات العسكرية

استخدم الاستعمار الأوروبي القوة الغاشمة لإخضاع الشعوب الإفريقية ونهب ثرواتهم وتحطيم كرامتهم وإذلالهم واستخدامهم كعبيد في مزارع لمحاصيل تفيدهم في الصناعة والتصدير بغض النظر عن حاجة الشعوب نفسها، التي كانت قبل الاستعمار تزرع حاجتها من المحاصيل الغذائية التي تعيلها وتمنع عنها شبح المجاعات.

عقود طويلة من الاستعمار تركت وراءها الملايين بلا تعليم أو رعاية صحية أو هوية وطنية جامعة، كان المستعمر الأبيض يختار من بين السكان من يكون عونًا له على أهله، ليسيده ويجعل منه حاكمًا ومسؤولاً، ولاؤه يكون لأسياده وليس لبلاده وأبناء جلدته.

حين تختفي العدالة والمساواة يسود العنف والغضب ويتمدد الإرهاب، وتصبح لغة القوة والعنف هي الوسيلة الوحيدة للتغيير، ولقد شهدت إفريقيا بين عامي 1960 و2000م ما مجموعه 82 انقلابًا، كما أن 20% من البلدان الإفريقية تم فيها انقلابات عسكرية منذ عام 2013.

وخلال العقد الماضي تم في مالي وحدها 3 انقلابات عسكرية: في 22 مارس 2012، وفي 18 أغسطس 2020، وفي 24 مايو 2021، وفي بوركينا فاسو انقلابان: في 17 سبتمبر 2015 و23 يناير 2022، وكلاهما جار للنيجر التي تم فيها الانقلاب العسكري الشهر الماضي، ولقد أعلنت السلطات الحاكمة في الدولتين عن أن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب عليهما.

انقلاب النيجر يثار حوله الكثير من ردود الأفعال الدولية يسبب توقيته، وليس بسبب استهجان الفعل المعتاد عليه في إفريقيا، لسبب يسير وهو أن فرنسا، صاحبة النفوذ والمصلحة في النيجر، ومعها المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة يشعرون بالخطر بسبب تراجع نفوذهم في إفريقيا في حين يزداد النفوذ الروسي والصيني، فإفريقيا كعكة ضخمة، تسعى الدول الكبرى جميعها للحصول على أكبر حصة منها، وللأسف دائمًا ما تكون هذه الحصة ملطخة بدماء الأفارقة.

إفريقيا المنسية وخدعة المساعدات

عدد من الدول الإفريقية أعربوا مؤخرًا عن استيائهم من موقف الدول الغنية بالنسبة للمساعدات المقدمة لإفريقيا مقارنة بما تقدمه هذه الدول لأوكرانيا، رغم أن العديد من الدول الإفريقية فيها نزاعات مسلحة، وتعيش في أزمات اقتصادية طاحنة، وأحوالها أسوأ من أوكرانيا، والمساعدات الدولية لإفريقيا معظمها يتبدد قبل وصولها إلى مستحقيها، وتشير بعض التقديرات إلى أن كل 13 دولارًا يتم جمعها في الخارج لا يصل منها سوى دولار واحد فقط إلى إفريقيا.

ويرجع ذلك إلى ارتفاع رواتب العاملين ومزاياهم في مؤسسات المساعدات، كما أن معدات الإغاثة وأدواتها يتم شراؤها من الغرب، وأحيانًا لا يصل حتى هذا الدولار إلى مستحقيه، بل يذهب إلى الأنظمة الحاكمة الفاسدة ليتراكم في حساباتها في الخارج.

إفريقيا هي مهد الإنسانية كما أكدت الدراسات العلمية والاكتشافات الأنثروبولوجية، وأيضًا هي منجم العالم ومزرعته وقوته البشرية، فمع نهاية هذا القرن سيمثل سكان إفريقيا 40% من سكان العالم ومعظمهم من الشباب.

يكثر الحديث عن مساعدة إفريقيا، ولكنه يظل مجرد كلمات خطابية، ولو أرادت الدول الكبرى بإفريقيا خيرًا، فعليها أن لا تتعامل معها على أنها بقرة حلوب، لكن على كونها قارة تستحق شعوبها حياة أفضل في ظل أنظمة حكم رشيدة تعمل لصالح شعوبها، وليس لصالح هذه الدول، وأن يكونوا شركاء لإفريقيا وليسوا سادة عليها، وللأسف لا أحد يستمع لصوت العقل، لكن الجميع يتعامل بلغة القوة، ولا عزاء لأبناء إفريقيا الذين يبتلعهم المتوسط كل عام في محاولة للحصول على حياة أفضل لدى المستعمرين القدامى.

*مي عزام كاتبة وصحفية مصرية

المصدر | الجزيرة مباشر

  كلمات مفتاحية

أفريقيا الغرب ميلشيات مالي تمبكتو مانسا موسى الدول الفاشلة الانقلابات العسكرية المساعدات الدولية الاستعمار الفرنسي حروب أهلية إبادة عرقية