ضغوط متزايدة على سعر الجنيه.. هل تتجه مصر إلى تعويم جديد؟

السبت 16 سبتمبر 2023 09:01 ص

تتزايد الضغوط على العملة المصرية الجنيه، في ظل استمرار شح السيولة من العملات الأجنبية في الدولة الأفريقية، وغياب الرؤية حول مواصلة صندوق النقد الدولي دعمه، بعد تأجيل مراجعته للاقتصاد أكثر من مرة، ما يزيد الرهان على قرب تعويم جديد للجنيه المصري، بما يفتح الباب أمام تدفقات أجنبية أكبر.

وقال تقرير لوكالة "بلومبرج"، فإن أحدث بيانات على سعر الصرف، كانت تلك المتعلقة بشهادات الإيداع الخاصة بالبنك التجاري الدولي في بورصة لندن، التي تسعر العملة المصرية عند 46 جنيهاً للدولار، مقارنة بسعر سهم البنك المُتداول في البورصة المصرية حتى جلسة الخميس.

كما أن المخاوف من أن الطلب المكبوت على الدولار لن يخف دون مرونة إضافية بسعر صرف الجنيه، ودون المزيد من الاستثمارات المتدفقة للبلاد، أدّت إلى تأجيج التكهنات بأن مصر قد تضطر للسماح بتخفيض رابع لقيمة عملتها منذ مارس/آذار 2022.

وتباينت قيمة الجنيه في السوق الموازية المحلية بشكلٍ كبير عن السعر الرسمي لدى البنوك، في وقت يتحوط تجار المشتقات المالية ضد احتمال حدوث انخفاض حاد بسعر صرف العملة المصرية.

وأمام ذلك، أفاد تقرير حديث لوكالة "فيتش"، بأن البنك المركزي المصري سيخفض سعر صرف الجنيه بنحو 18.6% مقابل الدولار، بنهاية العام الجاري، لسد الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي بشرط قدرة الحكومة على جذب تدفقات نقد أجنبي.

ومع ذلك، استبعدت الوكالة أن تلتزم مصر بسعر صرف مرن بالكامل دون وجود تدفقات كافية، مشيرة إلى أن الضغط على الجنيه قد يخف إذا نجحت الحكومة في بيع أصول لمستثمرين خارجيين، بما يحفز تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية لمصر.

ورجحت الشركة، في تقريرها حول "مخاطر مصر" عن الربع الأخير من 2023، ارتفاع سعر الدولار إلى 38 جنيها بنهاية العام الجاري، مقارنة بمتوسط 30.96 جنيه في البنوك، ليقترب من مستواه حاليًا في السوق السوداء للدولار، الذي يحوم حول مستويات الـ40 جنيها للدولار الواحد، خلال الأيام القليلة الماضية.

وأضافت "فيتش" في تقريرها، أن تخفيض الجنيه قد يحدث في الشهر الحالي أو المقبل، عندما تجمع الحكومة سيولة دولارية كافية للإشارة إلى السوق بأن هذا سيكون آخر خفض للعملة، لكنها لم تستبعد احتمالية تأجيل خفض العملة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في 2024.

وترى "فيتش" أن العملة المصرية ستعود للارتفاع خلال العام المقبل بعد هذه التطورات لمستوى أقل من الذي سيصل إليه في الخفض المتوقع.

وقال التقرير: "ما زلنا نرى احتمالية ارتفاع الجنيه بشكل طفيف إلى 36 جنيها للدولار الواحد في النصف الثاني من عام 2024".

وأشارت إلى أن الجنيه مقوم حاليًا بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 12%، وستزيد هذه النسبة بعد عملية خفض الجنيه المتوقعة.

توقعت "فيتش"، أيضا أن تعتمد الحكومة على بيع الأصول لتمويل طلبات الاستيراد المعلقة البالغة 5.5 مليارات دولار.

لكنها أشارت إلى أن بيع أصول الدولة يواجه تحديات، إذ جمعت الحكومة 1.6 مليار دولار بنهاية يوليو، فيما يتعين عليها جمع 4.6 مليارات دولار أخرى بنهاية 2024.

وذكرت أن تحقيق الهدف يتطلب تحسين الشفافية وربما خفض جديد للعملة لجذب المستثمرين، وأيضا للسيطرة على الاختلالات في موازين مصر الخارجية.

وتابع التقرير: "من شأن التخفيض الناجح لقيمة العملة أن يسمح بمزيد من صفقات الخصخصة ويشجع عودة مستثمري المحافظ إلى سوق الدين المصري، خاصة مع وصول العائدات إلى مستويات قياسية عالية".

كما أن سلوك المضاربين على الجنيه المصري عبر العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، يشير إلى توقعهم لسعر العملة المصرية عند 32.65 جنيها للدولار خلال 3 شهور، و41.5 جنيها للدولار خلال 12 شهراً، وفق تداولات الجمعة.

وما يزال الاقتصاد المصري يعاني من ضغوط تضخمية تدفع بأسعار السلع لمستويات تاريخية وتزيد من المصاعب على المواطن من ناحية.

ومن ناحية أخرى، تُفقد الفوائد المرتفعة لأدوات الدين المصرية جاذبيتها، إذ سجلت العوائد الحقيقية سالب 18%، وبالتالي تفقد آمالها القريبة لعودة الأموال الساخنة، وفق ما يقول المحلل المالي محمد عادل.

ويرى عادل أن الحكومة المصرية تسعى لحل هذه الأزمة دون اللجوء إلى تخفيض آخر للجنيه من خلال برنامج بيع الأصول لسد الفجوة التمويلية لديها على المدى القصير.

وبهدف توفير سيولة دولارية، عملت مصر مؤخراً على بيع بعض أصولها إلى مستثمرين، ونجحت في جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار حتى الآن.

وتعتزم مصر طرح حصص في حوالي 35 شركة مملوكة للحكومة وللقوات المسلحة، سواء في البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، حتى يونيو/حزيران 2024.

وتهدف مصر من خلال برنامج الطروحات إلى الحصول على مورد إضافي لدعم موازنة البلاد، كما أنها تأمل في أن يشكّل تدخل المستثمرين الاستراتيجيين في الطرح أداةً لتحسين وضع بعض الشركات المطروحة.

وحققت الحكومة المصرية مبيعات الأصول التي أعلن عنها في يوليو/تموز الماضي عائدات بقيمة 1.65 مليار دولار من العملات الأجنبية، في حين أن اتفاق هذا الشهر لبيع 30% من الشركة "الشرقية للدخان" سيجلب 625 مليون دولار إضافية.

وتستهدف الحكومة جمع 5 مليارات دولار من خلال برنامج الطروحات بحلول نهاية الربع الثاني من عام 2024.

ويعد التخفيض الناجح لقيمة العملة من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من صفقات الخصخصة، وتشجيع مستثمري المحافظ (الذين امتنعوا عن الاستثمار في الأصول المصرية منذ مارس/آذار 2022) على العودة إلى سوق الدين المحلي.

وتوقعت "فيتش" أن يؤدي تخفيض سعر العملة إلى انخفاض مخاطر السوق في مصر، مما سيسمح لصندوق النقد الدولي بإجراء المراجعة الأولى لبرنامج التسهيل الائتماني الممدد البالغة قيمته 3 مليارات دولار المعلق منذ مارس/آذار 2023، الأمر الذي سيعزز الثقة في الاقتصاد المصري، وينعكس إيجاباً على إصدار الديون الخارجية.

وبينما تتوقع "فيتش"، نمو الاقتصاد المصري بـ4.2% العام الجاري و4.4% العام المقبل، يظهر تقديرها للناتج المحلي الإجمالي بالدولار مواصلة انكماشه.

وتشير تقديرات المؤسسة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي عند تقديره بالعملة الأمريكية سيصل إلى 300 مليار دولار هذا العام، هبوطاً من 409 مليارات دولار العام الماضي و425 مليار دولار في 2021، ما يظهر تأثير سعر الصرف على الناتج المحلي للبلاد عند تقييمه بالدولار.

أضافت "فيتش" أن صافي الالتزامات الأجنبية على القطاع المصرفي في مصر قد يتسع، خلال الفترة المقبلة، في ظل طلبات الاستيراد الكبيرة المعلقة، بجانب حيازة الأجانب من أذون وسندات الخزانة التي ما زالت مرتفعة.

وأشارت إلى أن وضع صافي الأصول الأجنبية تدهور منذ يناير/كانون الثاني الماضي، في ظل خروج الأموال الساخنة وموجة التشديد النقدي عالميا.

وكشفت الوكالة، أنه "من المرجح للغاية" أن يواصل المستثمرون الأجانب سحب الأموال من سوق الديون المحلية بسبب أسعار الفائدة الحقيقية السلبية، وتراجع الإقبال على أصول الأسواق الناشئة، والأوضاع المالية العالمية المشددة.

وسبق أن سحب المستثمرون أكثر من 20 مليار دولار من سوق الديون المحلية منذ الربع الأول من العام الماضي، وانخفضت حيازات الأجانب من أذون الخزانة من 21.3 مليار دولار بنهاية يناير/كانون الثاني 2022، إلى نحو 13 مليار دولار بنهاية أبريل/نيسان من العام الماضي.

وأضافت "فيتش"، أن العجز قد يتسع إذا تواصلت التدفقات للخارج، وظل الاعتماد على البنوك لتوفير السيولة لتمويل الواردات، كما كان الوضع في ديسمبر/كانون الأول 2022، أو حال تدخلت السلطة للحفاظ على قيمة العملة.

لكنها ذكرت أن صافي الالتزامات الأجنبية يعنى أن البنوك (مقترضين صافين) من الجهات الخارجية، وهو ما يعكس أن البنوك العامة تعيد توجيه أصولها الأجنبية للداخل بدلا من استثمارها بالخارج، بجانب زيادة الاعتماد على التمويل الخارجي لمد السوق بالعملة الأجنبية وتمويل عجز الحساب الجاري.

وقالت إن هناك ارتباطا قويا بين صافي الأصول الأجنبية، وحيازات المستثمرين الأجانب للدين المحلى، التي تؤدى لزيادة السيولة الأجنبية، وبالتالي زيادة البنوك لأصولها الأجنبية.

وأشارت "فيتش"، إلى أنه في ظل العائد الحقيقي السلبي في مصر، قد تتدفق المزيد من الأموال الساخنة للخارج في ظل ضعف شهية المستثمرين لديون الأسواق الناشئة.

وأيضاً، حذر معهد التمويل الدولي من أن الجنيه المصري مقوم حالياً بأعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 10% مقارنة بـ"سعر الصرف الفعلي الحقيقي"، القوة النسبية مقارنة بسلة عملات تضم 13 من الشركاء التجاريين الرئيسين للبلاد.

وأرجع محللون في المعهد، مبالغتهم في تقدير العملة إلى ارتفاع التضخم محلياً إلى مستويات قياسية وانخفاض التضخم بين الشركاء التجاريين، وثبات سعر الصرف، الذي يقولون إنه قد يتسع إلى 20% بحلول نهاية عام 2024.

وعلى رغم هذه التقارير، لكن سعر الصرف الرسمي للجنيه مقابل الدولار استقر عند 30.96 جنيه منذ مارس/آذار الماضي، بعد سلسلة من تخفيضات قيمة العملة التي أدت إلى خسارة الجنيه ما يقرب من نصف قيمته مقابل العملة الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، يزيد سعر الصرف في السوق الموازية حالياً بنحو 30% عن السعر الرسمي، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.

وأشار التقرير إلى أن البيانات "تعزز الحجة لصالح تحرير سعر الصرف، وهو تحول في السياسة من شأنه، إذا صاحبته سياسات أكثر صرامة، أن يساعد في تقريب مصر خطوة نحو استقرار الاقتصاد الكلي".

وكان معهد التمويل الدولي قد دعا في السابق صانعي السياسات إلى اعتماد سعر صرف مرن بالكامل وإلغاء السوق الموازية للمساعدة في إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي المتآكلة.

ويتوقع عديد من مراقبي السوق تخفيضاً جديداً في قيمة الجنيه بالتزامن مع المراجعة المتوقعة من صندوق النقد الدولي لبرنامج قرض مصر البالغة قيمته 3 مليارات دولار، الذي وافقت الحكومة بموجبه على التحول إلى سعر صرف "مرن بالكامل".

لكن معهد التمويل أكد أن تخفيضات الجنيه تساعد بالفعل، لكنها ليست كافية، مشيراً إلى أن تخفيضات قيمة الجنيه لمرة واحدة بدءاً من عام 2016 ساعدت في تخفيف الضغط على العملة على المدى القصير، مما جعل السعر الرسمي يتماشى مع السعر الحقيقي.

ومع ذلك، فإن "الاختناقات في الاقتصاد وضعف انتقال السياسة النقدية والإقراض المدعوم والسياسات المالية التوسعية" سرعان ما تؤدي إلى ظهور ضغوط تؤدي إلى ارتفاع السعر الحقيقي، مما يولد الحاجة إلى تخفيض آخر لقيمة العملة و"بدء الدورة من جديد"، كما قال معهد التمويل.

وقال المعهد إن "التعويم ليس حلاً سحرياً" للأزمة التي تواجهها مصر، لكنه يقطع "شوطاً طويلاً"، لافتاً إلى أنه حتى في غياب إصلاحات السياسات الأخرى، فإن الانتقال إلى التعويم الكامل "من شأنه أن يسمح لسعر الصرف الحقيقي بالهبوط بالقرب من مستوى قيمته العادلة، مما يصب في صالح قطاع التصدير وخفض عجز الحساب الجاري والمساعدة في جلب رأس المال وتقريب مصر خطوة نحو استقرار الاقتصاد الكلي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الجنيه فيتش المعهد الدولي التعويم الدولار

عبر جسور وطرق سريعة.. لهذا يحول السيسي مصر إلى "معسكر كبير"

قرار لا يحتمل التأجيل.. البرادعي يدعو إلى تعويم جديد للجنيه قبل انتخابات الرئاسة

مديرة صندوق النقد: مصر ستستنزف احتياطياتها ما لم تخفض قيمة الجنيه مجدداً

للشهر الرابع.. توقعات بمستوى قياسي جديد للتضخم في مصر

بلومبرج: الاتحاد الأوروبي يسارع لدعم مصر ماليا لمواجهة تداعيات حرب غزة

وسط ترقب تحريك سعر الصرف.. الأسهم المصرية تفقد 40 مليار جنيه