لماذا لا يمكن أن يصبح «بوتين» شريكا في الحرب ضد «الدولة الإسلامية»؟

الخميس 11 فبراير 2016 10:02 ص

يرتكب قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطأ كبيرا حين يظنون أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» هو حليف محتمل في الحرب ضد «الدولة الإسلامية». جميع الأدلة تناقض ذلك. يهدف «بوتين» في الوقت الراهن إلى تعزيز تفكك الاتحاد الأوروبي، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي إغراق الاتحاد الأوربي باللاجئين السوريين.

تقوم الطائرات الروسية بقصف السكان المدنيين في جنوب سوريا وإجبارهم على الفرار إلى الأردن ولبنان. هناك الآن أكثر من 20 ألف لاجئ سوري يعسكرون في الصحراء في انتظار الدخول إلى الأردن. هناك أعداد أقل ينتظرون الدخول إلى لبنان. كلا المجموعتين في تزايد مستمر.

أطلقت روسيا أيضا هجوما جويا واسع النطاق ضد المدنيين في شمال سوريا. وقد أعقبه هجوم بري من قبل جيش الرئيس السوري «بشار الأسد» ضد حلب، المدينة التي كان يقطنها أكثر من مليوني نسمة. تسببت البراميل المتفجرة في نزوج 70 ألف لاجئ إلى تركيا، وسوف تتسبب الهجمات البرية في نزوح أعداد أكبر بكثير.

قد لا تكون تركيا هي الخطوة الأخيرة لهذه الأسر النازحة. طارت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» إلى أنقرة يوم 9 فبراير/شباط لوضع الرتوش النهائية مع الحكومة التركية حول ترتيبات لحث اللاجئين في تركيا على إطالة أمد إقامتهم هناك. كما عرضت استقبال أوروبا ما بين 200 ألف إلى 300 ألف من اللاجئين السوريين سنويا حال قامت تركيا بمنعهم من محاولة الهروب إلى اليونان، وإعادة استقبالهم في حال فعلوا ذلك.

«بوتين» هو تكتيكي موهوب، ولكنه ليس مفكرا استراتيجيا. لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه تدخل في سوريا من أجل مفاقمة أزمة اللاجئين في أوروبا. في الواقع، كان تدخله خطئا استراتيجيا فادحا، لأنه تورط في صراع مع الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، والذي يضر مصالح كليهما.

ولكن «بوتين» يبدو أنه قد رأي في الأمر فرصة لتشريع تفكك الاتحاد الأوروبي، وقد سعى بقوة نحو اقتناصها. وقد قام بإضفاء المزيد من الغموض على تصرفاته من خلال الحديث حول التعاون ضد عدو مشترك، وهو تنظيم «الدولة الإسلامية». وسبق أن اتبع «بوتين» نهجا مماثلا في أوكرانيا، عبر توقيع اتفاقية مينسك ولكنه فشل في تنفيذ بنودها.

من الصعب أن نفهم لماذا يثق قادة كل من الولايات المتحدة وأوربا في كلمات «بوتين» بدلا من الحكم عليه من خلال أفعاله. التفسير الوحيد الذي يمكن أن نجده هو أن السياسيين الديموقراطيين غالبا ما يسعون إلى طمأنة جماهيرهم من خلال رسم صورة أكثر إيجابية من الواقع. والحقيقة هي أن روسيا «بوتين» والاتحاد الأوروبي يخوضان سباقا ضد الزمن، والسؤال المطروح في هذا الصدد يدور حول أيهما يمكن أن ينهار أولا.

ويواجه نظام «بوتين» شبح الإفلاس خلال عام 2017 عندما ينضج جزء كبير من ديونه الخارجية، مع العديد من الاضطرابات السياسية التي يمكن أن تندلع في أعقاب ذلك. شعبية «بوتين»، التي لا تزال مرتفعة إلى الآن، تقوم على عقد اجتماعي يطالب الحكومة بتحقيق الاستقرار المالي مع رفع بطيء ومنتظم لمستوى المعيشة. سوف تدفع العقوبات الغربية، إلى جانب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، نحو فشل النظام على كلا الصعيدين.

ويبلغ عجز الموازنة الروسية نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وسوف تضطر الحكومة إلى العمل إلى تخفيضه إلى ما دون مستوى 3% قبل أن يخرج التضخم عن السيطرة. وقد بدأ صندوق التضامن الاجتماعي في روسيا يعاني نفاذا في حصيلته المالية ويجري دمجه الآن مع صندوق البنية التحتية للحكومة من أجل سد النقص. هذه التطورات وغيرها يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على معايير وآراء الناخبين قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الخريف.

الطريقة الأكثر فعالية التي يمكن من خلالها لنظام «بوتين» أن يتجنب الانهيار هي عن طريق دفع الاتحاد الأوربي نحو الانهيار بشكل عاجل. سوف يأتي على الاتحاد الأوروبي وقت يكون فيه غير قادر على الحفاظ على العقوبات التي فرضت على روسيا بعد توغلها في أوكرانيا. على العكس من ذلك، فإن «بوتين» سوف يكون قادرا على الحصول على فوائد اقتصادية كبيرة من خلال تقسيم أوروبا واستغلال الاتصالات مع المصالح التجارية والأحزاب المناهضة لأوروبا التي نجح في زرعها بعناية.

وكما تبدو الأمور، فإن الاتحاد الأوروبي آخذ بالفعل في التفكك. منذ الأزمة المالية في عام 2008 وخطط الإنقاذ اللاحقة لليونان، فقد كان الاتحاد الأوروبي قادرا على تدبر أموره مرورا من أزمة تلو الأخرى. ولكن اليوم، فإن الاتحاد يواجه خمس أو ست أزمات طاحنة في الوقت نفسه، وهو عدد أكبر من قدرته على التحمل. وكما توقعت «ميركل» بشكل صحيح، فإن أزمة الهجرة لديها القدرة على تدمير الاتحاد الأوروبي.

عندما تكون الدولة أو جمعية من الدول تواجه خطرا مميتا أو مدمرا، فمن الأفضل لقادتها أن يقدموا على مواجهة الحقائق القاسية بدلا من تجاهلها. السباق من أجل البقاء يضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا. تشكل «الدولة الإسلامية» خطرا على كل منهما، ولكن لا ينبغي أن تتم المبالغة فيه. الهجمات التي شنت من قبل الإرهابيين الجهاديين، وإن كانت مرعبة، إلا أنها لا تقارن من حجم التهديد القادم من روسيا.

وقد تم استغلال «الدولة الإسلامية»، وتنظيم القاعدة قبل ذلك ككعب أخيل للحضارة الغربية. من خلال إثارة الإسلاموفوبيا الكامنة في الغرب، وحمل كل من الجماهير والحكومات على التعامل المسلمين بعين الريبة، فإنهم يأملون في إقناع الشباب المسلم أنه لا يوجد بديل للإرهاب. بمجرد فهم هذه الاستراتيجية، هناك ترياق بسيط: وهو أن ترفض التصرف بالطريقة التي يملي عليك أعداؤك التصرف بها.

وبناء على ذلك، فإن التهديد الذي تفرضه روسيا «بوتين» سوف يكون من الصعب مواجهة. وعدم الاعتراف به سوف يسهم في جعل هذه المهمة أكثر صعوبة.

  كلمات مفتاحية

روسيا الدولة الإسلامية الاتحاد الأوروبي بشار الأسد بوتين التدخل الروسي سوريا تركيا الإرهاب

«أردوغان» يحذر روسيا من عواقب انتهاك المجال الجوي لبلاده

«أولاند» و«بوتين» يتفقان على «الدولة الإسلامية» ويختلفان على «الأسد»

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «2-2»

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»

«أوباما»: الاستراتيجية التي يتبعها الروس والإيرانيون في سوريا لن تنجح

«بوتين» مرتبكا