كيف تبني الصين تفوذا في الشرق الأوسط عبر دعم مشاريع المياه؟

الاثنين 25 سبتمبر 2023 08:53 ص

تتطلع الصين إلى القيام بدور أكبر في تقديم الحلول المتعلقة بالمياه في الشرق الأوسط، عبر تقديم القروض لدول المنطقة، بما يخدم أجنداتها السياسية والمالية.

وهكذا علق تحليل لموقع "المونيتور"، وترجمه "الخليج الجديد"، على اتفاقية تسهيلات ائتمانية متجددة مدتها 3 سنوات، تم توقيعها في نهاية يونيو/حزيران الماضي، بين شركة المرافق السعودية "أكوا باور"، وبنك التعمير الصيني.

وستسمح الاتفاقية للشركة بالحصول على تسهيلات ائتمانية بقيمة 100 مليون دولار من شأنها أن تدعم المبادرات الرامية إلى توسيع نطاق توليد المياه والطاقة.

ويقول التحليل إن "هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها البنوك الصينية أو الدولة الصينية في مشاريع المياه في السعودية وأماكن أخرى في الشرق الأوسط"، لافتا إلى أن البنوك والممولين الصينيين ساهموا بما مجموعه 10 مليارات دولار في "أكوا باور" منذ عام 2009.

وفي عام 2021، على سبيل المثال، وقعت شركة "باور تشاينا" عقدًا للهندسة والمشتريات والبناء لتشييد مشروع لتحلية المياه، والذي سيساعد عند اكتماله في تلبية الطلب المتزايد على المياه في الرياض.

وقد تابعت الشركة مشاريع مماثلة في عمان وأبوظبي.

والعام الماضي، أنشأت جامعتا نينغشيا الصينية وعين شمس المصرية، معملًا للحفاظ على المياه في القاهرة، لتحسين أساليب الري في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

كما تعاون الأكاديميون الصينيون مع فريق بحثي في الإمارات من أجل "تحويل الرمال إلى تربة"، في صحراء أبوظبي.

ويقول الأكاديمي والخبير الدولي هاري كلينيش، إن مثل هذه الأنشطة تمثل علامة على الدور المتوسع الذي تلعبه الصين في سياسات المياه في الشرق الأوسط.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم ندرة في مجال المياه، كما أن الممارسات الزراعية غير المستدامة والنمو السكاني السريع وتغير المناخ وضعف البنية التحتية للمياه أو سوء إدارتها تجعل الوضع أكثر خطورة.

وفي هذا السياق، برزت بكين كواحدة من أهم الداعمين الماليين للبنية التحتية للمياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومع ذلك، خصصت الصين أموالاً للعديد من المشاريع المثيرة للجدل التي أثارت مخاوف من أن الدولة الآسيوية تجعل احتمال التوصل إلى اتفاقيات قابلة للتطبيق لتقاسم المياه في الشرق الأوسط أقل احتمالاً.

وعلى سبيل المثال، افتتحت إيران في يوليو/تموز، سد جمشير المثير للجدل، في مقاطعة بوشهر الجنوبية.

وقد تعرض بناء السد لانتقادات واسعة النطاق من قبل الجماعات البيئية، لأسباب ليس أقلها التأثير الذي قد يحدثه المشروع على مقاطعة خوزستان في جنوب غرب البلاد، والتي أصبحت الآن معزولة عن نهر الزهرة.

وجاء ذلك، ضمن قرض بقيمة 244 مليون دولار من الصين.

ويرى رئيس منظمة اليونسكو للتعاون الدولي في مجال المياه أشوك سوين، أن هذه الحادثة ترمز إلى نهج الصين في التعامل مع قضايا إدارة المياه في الشرق الأوسط والعالم.

ويضيف أن "الصين متحمسة لتقديم قروض من هذا النوع لأسباب سياسية ومالية".

ويتابع سوين أن "بكين تريد الترويج لفكرتها الخاصة بنظام دولي جديد لا يعتمد على تقاسم الموارد المشتركة، بل على القوة الغاشمة".

ويزيد: "هذا جزء من مبادرة الحزام والطريق.. إنها اقتصادية جزئيًا، ولكن من خلال أنشطتها في مبادرة الحزام والطريق، تصل الصين إلى أجزاء مختلفة من العالم وتستخدمها لتعزيز طموحاتها السياسية والجيوسياسية".

وتعتبر مشاريع المياه التي تمولها الصين في بعض الحالات جذابة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن الشروط أقل صرامة من تلك التي تصر عليها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.

والصين ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للمياه، ولا أي دولة في الشرق الأوسط باستثناء العراق، ولا تقبل الفرضية القائلة بأن الموارد العابرة للحدود يجب إدارتها أو تقاسمها بشكل مشترك.

وعلى سبيل المثال، رفض البنك الدولي تمويل بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل بسبب عدم وجود اتفاق مع مصر.

ويقع السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ولذلك تعتبره مصر تهديدا لأمنها المائي.

وتصاعدت التوترات بين القاهرة وأديس أبابا في بعض الأحيان إلى حد أن الحرب بين البلدين بدت ممكنة. ومع ذلك، قدمت الصين مستويات قوية من الدعم المالي لإثيوبيا، مما ضمن المضي قدمًا في بناء السد.

وفي عام 2013، عرضت الصين على إثيوبيا قروضًا بقيمة 1.2 مليار دولار لبناء خطوط نقل بين السد والمدن المحلية.

وقد ساهمت الشركات الصينية الكبرى، بما في ذلك الشركة الصينية الدولية للمياه والكهرباء المملوكة للدولة، في عملية البناء نفسها.

وفي عام 2019، دفعت شركة الكهرباء الإثيوبية لشركة (Gezhouba Group) الصينية مبلغ 40.1 مليون دولار للمساعدة في استكمال السد.

ويشير سوين إلى أنه في حالة السد "تحاول الصين القيام بدور متوازن لأن لديها أيضًا عددًا من المصالح الاقتصادية في مصر"، لكنها تدعم المشروع الإثيوبي لأنها حريصة على تأكيد حقوق دول المنبع في تحدّ للمعايير الدولية.

ويذكر أنه "على مدى السنوات العشر الماضية على الأقل، أنفقت الصين الكثير من الأموال لبناء السدود، ولم تصر على إبرام اتفاقيات لتقاسم المياه".

وفي أبريل/نيسان من العام الماضي، وافقت شركة "باور تشاينا" على بناء 4 سدود في كردستان العراق دون إبلاغ الحكومة المركزية في بغداد.

ويرى المحاضر في السياسة الصينية بجامعة أكسفورد إدوارد هاول، أن إستراتيجيات الصين في هذا المجال هي جزء من جهد أوسع لإعادة تشكيل هياكل الحكم الدولية.

ويقول هاول إن تقديم الدعم المالي والسياسي للمشاريع التي تتحدى ما تعتبره المؤسسات الغربية النظام الدولي القائم على القواعد يمكن أن يكون جزءًا من محاولة للحد من تأثير مثل هذه الهيئات.

ويتابع: "لا يمكن فهم استثمارات الصين الاقتصادية في الشرق الأوسط دون النظر إلى أهدافها الجيوسياسية ضمن النظام الدولي الأوسع".

ويزيد: "في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، سعت الصين بنشاط إلى إنشاء نظام موازٍ لمنافسة كل من منصبي الولايات المتحدة، القيادة المهيمنة للحرب، وكذلك المنتديات الدولية مثل مجموعة السبع".

ووفق التحليل، فإن لدى الصين أيضاً أسباب تتعلق بمصلحتها الذاتية لتعزيز هذه الرؤية للسيادة المائية.

ويصف سوين الصين بأنها "دولة المنبع"، مما يعني أنها قادرة على استخدام أو تحويل موارد المياه قبل أن تصل إلى بلدان أبعد عن المصدر.

وقد قامت الصين ببناء العديد من السدود داخل حدودها لتحويل المياه بعيدا عن البلدان المجاورة.

وعلى سبيل المثال، منذ 2021 تعمل الصين على بناء سد جديد على نهر مابجا زانجبو يمكن استخدامه لتقليل تدفق المياه إلى كل من الهند ونيبال.

ويشير سوين، إلى أن "الصين لا تؤمن حقًا بإخضاع دول المنبع للقيود. لقد كانت الصين منفتحة للغاية بشأن ذلك، وعندما كانت هناك تصويتات في اتفاقيات المياه التابعة للأمم المتحدة، فقد صوتوا علنًا ضد القيود".

أما هاول، فيشير إلى وجود تناقض محتمل في سياسة الصين الخارجية في الشرق الأوسط.

ويقول: "في الوقت نفسه الذي تتخذ فيه بكين نهجا حازما تجاه قضايا المياه، تحاول أيضا وضع نفسها كوسيط للسلام في الشرق الأوسط".

ويضيف: "قد ظهر هذا الدور بشكل كامل عندما توسطت بكين في اتفاق سلام بين إيران والمملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا العام".

ويتابع: "تسعى بكين إلى تجاوز مجرد القيام بدور اقتصادي في المنطقة.. إنها ستسعى إلى تصوير مشاركتها على أنها مفيدة للسلام والاستقرار في المنطقة على نطاق أوسع".

ويختتم التحليل بالقول: "على الرغم من إعرابها عن اهتمامها بلعب دور وسيط السلام في الشرق الأوسط، فإن إصرار الصين على تحقيق مصلحتها الذاتية في التأكيد على حقوق دول المنبع في استخدام الموارد المائية على النحو الذي تراه مناسباً من شأنه أن يساعد في تأجيج التوترات حول إمدادات المياه المتناقصة في المنطقة".

المصدر | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصين مياه أمريكا نفوذ الشرق الأوسط المياه

الصين والشرق الأوسط.. تعميق العلاقات محبط لبكين ولن تستطيع تقليد واشنطن وموسكو