استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«تشعل مواقع التواصل»

الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 12:29 م

«تشعل مواقع التواصل»

«كل الحوادث مبدؤها من النظر/ ومعظم النار من مستصغر الشرر/ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها/ فتك السهام بلا قوس ولا وتر»؟

كيف لأخبار زواج أو طلاق مشاهير أو صورة نجمات الفن على الشاطئ أو انتقال لاعب عالمي من فريق لآخر، وهي أخبار «ناعمة» أن «تشعل» مواقع التواصل؟

إذا كانت نوادر وطرائف الماضي أصبحت أدباً حوته كتب قيمة، ففي كثير مما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يدلل على صحة وصف زمننا الراهن بأنه «زمن التفاهة».

لم تجد وسائل الإعلام والصحافة مفردة أبلغ من «تشعل» لوصف ما تحدثه تلك الأخبار بمواقع التواصل الاجتماعي، المنافس الجدي الأخطر للإعلام التقليدي، وهذا مدهش فعلا.

* * *

جربوا أن تضعوا عبارة «تشعل مواقع التواصل» في خانة البحث، لتتوالى عليكم عشرات العناوين عن «أخبار» ليست هي الأهم في الأوطان ولا في العالم، فهي لا تحدد مصائر الأمم، ولا مسار التطورات الحاسمة، لكنها، رغم ذلك، «تشعل مواقع التواصل»، وتحقق ما بات يطلق عليه «ترند»، المفردة التي يدور سجال حول إيجاد مقابل لغوي عربي لها.

وباتت محطات التلفزة العربية تخصص برامج لاستعراض أخبار الـ«ترند»، وهي أخبار متنوعة، ففيها الطريف والمضحك، وفيها المحزن والمبكي، لكنها في المجمل أبعد ما تكون عن شؤون السياسة والاقتصاد وغيرها من الأمور المفصلية والجوهرية، بل إن بعضها قد يتسم بالتفاهة.

ومع ذلك لم تجد وسائل الإعلام والصحافة مفردة أبلغ من مفردة «تشعل» لوصف ما تحدثه تلك الأخبار من آثار في مواقع التواصل الاجتماعي، المنافس الجدي الأخطر للإعلام التقليدي، وهذا مدهش فعلاً.

فإذا ما استثنينا استخدامات قليلة للمفردة تحمل معنى إيجابياً، كالقول: «أشعل شمعة في الظلام»، أو «أشعل المصباح»، فإن غالبية استخدامات مفردة «أشعل» في لغتنا العربية، تثير الرعب والخوف في النفس، خاصة وأنها قرينة النار، ونعوذ بالله من النار، فيقال:

«أشعل حرباً، أي تسبّب في اندلاعها»، «أشعل النار في الحطب، أي أضرمها وألهبها»، «أشعل المتظاهرون النار»، «أشعل قذيفة، أي وضع النارَ في الفتيل، وأطلق النار»، «أشعل الفتنة، أي أثارها وتسبّب في حدوثها وانتشارها».

كيف لأخبار تتصل بحفل زواج أو طلاق لمشاهير، أو صورة لنجمة من نجوم الفن على ساحل البحر، أو انتقال لاعب كرة قدم عالمي من فريق إلى آخر، وهي، كما نرى، أخبار «ناعمة» أن «تشعل» مواقع التواصل؟

وألا يذكّرنا ذلك بالقول الشهير: «معظم النار من مستصغر الشرر»، المنسوب إلى ابن قيّم الجوزية، والوارد في قصيدة تقول بعض أبياتها: «كل الحوادث مبدؤها من النظر/ ومعظم النار من مستصغر الشرر/ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها/ فتك السهام بلا قوس ولا وتر»؟

الحق أن أدبنا العربي عرف ما كان يطلق عليه النوادر والطرائف والمُلح، المتسمة بالطرافة والظُرف والفكاهة، والكثير منها ليس متخيلاً أو من بنات أفكار من كتبها أو دوّنها، فهي حدثت بالفعل.

ومع الأخذ بعين الاعتبار تغيّر الزمن وأوجه العيش، فإن هذا النوع من الطرائف، أو بعضه، قريب من الحكايات التي «تشعل» مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، لكن علينا الاستدراك بالقول إنه إذا كانت نوادر وطرائف الماضي أصبحت أدباً حوته كتب قيمة، فإن على الكثير مما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يدلل على صحة وصف زمننا الراهن بأنه «زمن التفاهة».

*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

«ترند» زمن التفاهة مواقع التواصل مستصغر الشرر «تشعل مواقع التواصل»