استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحاجة للابتعاد عن صراع الثنائيات المتضادة

السبت 30 سبتمبر 2023 12:33 م

الحاجة للابتعاد عن صراع الثنائيات المتضادة

هل حقاً أن الحل العربي يكمن في العيش مع الدولة القطرية الفاشلة مهما كانت نواقصها؟

هل حقاً أن واحدة من المجتمعات الأخرى قد حسمت تلك الثنائيات، بالمعنى الذي نريده في بلاد العرب؟

قوة ومكانة أمريكا والصين وروسيا وألمانيا والهند والاتحاد الأوروبي، أحد أسبابهما الرئيسية هو اتحاد مكوناتها وأممها في وحدة سياسية لدولة واحدة.

موضوع الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية يجب أن يخرج من عبث الثنائيات المتصارعة، ويدخل في حوار التناغم والفعل والتقوية لكلا المكونين حالياً.

مر أكثر من قرنين والمثقفون والإصلاحيون يدورون في حلقة مفرغة. ولا أعرف أمة أنهكت قواها العقلية والتحاورية في الصراعات حول الثنائيات، كما فُعل بأمتنا.

القوى السياسية الثلاث التي طرحت الوحدة العربية لم توفق في إيصال مشاريعهم إلى بر الأمان، لأسباب خارجية وداخلية كثيرة فصلت في مئات الكتب والمؤتمرات.

عن أية دولة وطنية قطرية عربية يتحدثون؟ ألم يمرّ على وجودها قرن وفشلت فشلاً ذريعاً في تنمية إنسانية مستدامة، والانتقال إلى الديمقراطية والتخلص من الاستبداد؟

هل تعيش الثنائيات جنباً إلى جنب بجميع المجتمعات البشرية، وأن الذي حسم هو وجود نظامي تحاور وتنافس متسامحين، بين كل ضدين، وترك الأمر للزمن ولتبدل الأحوال ليقررا حياة هذا أو موت ذاك.

* * *

لا يتعب المثقفون العرب من الرجوع المتكرر لثنائيات الأفكار، ومسالك الفعل الضروري مع ما يرافقه من ذرف دموعهم بسبب عدم قدرتهم على حسم موضوع تلك الثنائيات.

وفي الأغلب يرجعون أسباب عدم الحسم إلى عجز الأمة الفكري والثقافي والسلوكي التاريخي، وإلى بلادة الفرد العربي في التعامل مع الفكر والواقع مع كثير من التحامل الجارح.

وقد مر أكثر من قرنين والمثقفون والإصلاحيون يدورون في هذه الحلقة المفرغة. ولا أعرف أمة أنهكت كل قواها العقلية والتحاورية في الصراعات حول الثنائيات، مثل ما فُعل بأمتنا ومثلما فعلت بنفسها.

منذ طفولتنا ونحن نسمع الصراخ والعويل حول ثنائية الإيمان والعقل، الأصالة والحداثة، الدين والعلمانية، الفرد والجماعة، القطر العربي والوطن العربي، العروبة القومية والإسلام، الرجل والمرأة، الولد والبنت، العلوم والآداب، وغيرها من الثنائيات المتواجهة المتصارعة التي يراد، بإصرار طفولي عجيب، لأحدها أن يزحزح الآخر ويعلو عليه وفي النهاية يعلن انتصاره كمبدأ أو شعار، أو فكر، أو استراتيجية، أو أيديولوجية تتبناها غالبية الناس.

ولا يعرف الإنسان سبب عدم قبول تعايش وتحاور وتنافس تلك الثنائيات، من دون أن يعلن الحكم بانتصار هذه أو تلك، بل يسأل الإنسان نفسه:

هل حقاً أن إحدى المجتمعات الأخرى قد حسمت تلك الثنائيات، بالمعنى الذي نريده في بلاد العرب؟ أم أن جميع المجتمعات البشرية، من دون استثناء، تعيش فيها كل أنواع الثنائيات جنباً إلى جنب، وأن الذي حسم هو وجود نظامي تحاور وتنافس متسامحين، بين كل ضدين، وترك الأمر للزمن ولتبدل الأحوال لكي يقررا في النهاية حياة هذا أو موت ذاك.

دعنا نأخذ مثال ثنائية الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية، لقد طرح الموضوع منذ خروج العرب أولاً من تحت عباءة الحكم العثماني، ثم طرح بعد أن أمعن الاستعمار الغربي في تمزيق الوطن العربي إلى دول وطنية متباعدة.

وكان طبيعياً أن يكون رد فعل البعض هو طرح شعار وحدة الأمة في دولة اندماجية واحدة، خصوصاً بعد أن زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، وبدأ يشكل خطراً وجودياً على كل العرب.

لكن القوى السياسية الثلاث التي طرحت شعار الوحدة العربية، وهي حزب البعث العربي، والحركة الجماهيرية الهائلة التي قادها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ونظام الحكم في مصر، وحركة القوميين العرب، لم يوفقوا في إيصال مشاريعهم إلى بر الأمان، لأسباب خارجية وداخلية كثيرة فصلت في مئات الكتب والمؤتمرات.

لكن ما إن تعثّر ذلك المشروع العربي الكبير، حتى أطل علينا البعض، بالعقلية الثنائية إياها، لا بالمناداة لإصلاح ما تعثر في الماضي، وإنما بإعلان انتصار الدولة القطرية التي أصبحت قدراً لا راد له عند هؤلاء.

والواقع أن الموضوع برمته يطرح بشكل خاطئ، إذ ما المشكلة في التعامل مع وجود الدولة الوطنية القطرية، والعمل على أن تقوم بواجباتها التنموية، والانتقال بها إلى مرحلة ديمقراطية متقدمة وحقيقية، وفي الوقت نفسه، ومن دون تضاد أو صراع أو الدخول في معركة الثنائيات، العمل على أن تتوجه الدولة الوطنية نحو تحقيق وحدة عربية متدرجة تضامنية وتعاونية في البداية، إلى أن تنضج شروط قيام وحدة أكثر اقتراباً من الاندماج والانصهار المتفق عليه بتراض ٍ ديمقراطي شعبي في المستقبل؟

ما الذي تجنيه الحملة التي تعتبر أن الإيمان بوحدة الأمة العربية يوتوبيا خيالية، وصلت إلى مرحلة الموت، وأنها أيديولوجية من مخلفات القرن الماضي العربي المتعثر، وبالتالي آن أوان إغلاق ملفها، وأننا لم نعد بحاجة إلى تجذيرها ونشرها بين صفوف الشابات والشباب العرب؟ ثم عن أية دولة وطنية قطرية عربية يتحدثون؟

أليست هي الدولة العربية الحديثة، التي مرّ على وجودها قرابة القرن ومع ذلك فشلت فشلاً ذريعاً في بناء تنمية إنسانية مستدامة، وفي الانتقال إلى الديمقراطية والتخلص من الاستبداد، وفي تقديم مشروع تجديد ثقافي وحضاري، وفي استقلال وطني حقيقي بعد أن أصبحت مستباحة من قبل كل من هب ودب من دول الاستعمار، وفشلت في الدخول في عصر العلم والتكنولوجيا، وفي ألف ساحة وساحة أخرى؟ هل حقاً أن الحل العربي يكمن في العيش مع الدولة القطرية الفاشلة مهما كانت نواقصها؟

ثم ألا يرى هؤلاء أن قوة ومكانة بلدان مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا والهند، بل قوة ومكانة تكتل مثل الاتحاد الأوروبي، أحد أسبابها الرئيسية هو اتحاد مكوناتها وأممها في وحدة سياسية لدولة واحدة؟ أو في تكتل تضامني تعاوني قائم على أسس متينة؟

ما نحتاج أن نعلمه لشباب الأمة هو أنهم في الوقت الذي يتعايشون حالياً مع الدولة القطرية ويسعون إلى تحسين أوضاعها الكلية، عليهم، وفي الوقت نفسه، أن يطالبوا هذه الدولة الوطنية بالسير في طريق خطوات وحدوية تنتهي بقيام وحدة الأمة العربية في كيان وحدوي قوي يساعدها على أن تكون في مصاف الأمم القوية سياسياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً ومعرفياً، أي إنسانياً بكل معنى الكلمة، وأن تخرج من جحيم مشاكلها الحالية.

موضوع الدولة القطرية ودولة الوحدة القومية يجب أن يخرج من عبث الثنائيات المتصارعة، ويدخل في حوار التناغم والفعل والتقوية لكلا المكونين حالياً، مع الأمل أن لا يطلب أحد التضحية بأحلام هذه الأمة في وحدتها الوجودية الشاملة التامة في المستقبل.

*علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، وكاتب قومي عربي

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العرب فلسطين صراع الثنائيات الدولة القطرية دولة الوحدة القومية الوحدة العربية الكيان الصهيوني الدولة العربية الحديثة