استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

دورات الزمن في العالم الشرق أوسطي

السبت 30 سبتمبر 2023 01:01 م

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

صارت الحاجة مطروحة لنظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة.

ضرورة خلق دوافع للأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوي فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والفكر العسكرى والأمنى؟ المشوار طويل لكن ضرورى.

لا استقرار ونهوض بالشرق الأوسط إلا بإنهاء الارتباك وبؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى ودول مشروع الشرق الأوسط الجديد.

اجتمعت على منطقتنا كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد.

ينبغي توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من 70 عاما.

شعب سوريا الخلاق فى تاريخه الممتد عبر حضارات شتى هو ضحية طائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبداد وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة ومصادر القوة والهيبة.

إنهاء الارتباك السائد والإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث روح «قومية» فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية.

* * *

بأى حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة فى التاريخ الحديث للمنطقة التى نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جدا تحديد نقطة بداية هذه المرحلة وبطبيعة الحال يصعب أيضا وربما أكثر التنبؤ بلحظة نهايتها.

اجتمعت على منطقتنا وشعوبها فى هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد.

يواكبها فى أحسن الظروف انحسار فى الديموقراطية وفى احترام الحقوق الإنسانية وإنكار متعمد أو رخيص لمبادئ سيادة القانون وانتشار البطالة بكل أشكالها. يلحق بها التضخم بكل صوره ودرجاته وينتشر الفساد. أفلتت دول أو قطاعات فيها وغطست دول أخرى بكاملها أو انفرطت.

* * *

اهتزت الأرض تحت مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المغرب، سبقها فى تركيا وسوريا زلزال أشد عنفا وتدميرا، والزلزالان خلفا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد فى البلدين.

مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالا مماثلة، أى لم تولد بعد، فى دول فى المنطقة تهاونت فى إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية وبعضها استمر يشجع لأغراض جيوسياسية لم تكن خافية.

* * *

فى ليبيا شن إعصار قادم من الشمال هجوما بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضاريا لم تنج منه مسؤولية الفوضى السياسية الناشبة فى ليبيا.

اتهم حكام الغرب فى طرابلس حكام الشرق فى بنغازى، بالتقصير واتهموا معهم الفساد وظهر من خارج ليبيا من اتهم المؤامرة الدولية التى دبرت وخططت لنشوب إعصار توراتى مكمل بشكل ما لإعصار أبراهام.

وكما هى العادة فى هذا الإقليم العابر للحضارات العظمى يسرع البعض ليلقى بالمسئولية عن كارثة أو مصيبة على نصوص تاريخية أو دينية أو أسطورية قابلة لتفسيرات شتى.

* * *

لم تقتصر أوجاع الشعوب فى الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك فى انتسابه بالكامل إلى الطبيعة فللإنسان دور فى الإساءة إلى المناخ ودفعه نحو ارتكاب الكوارث الواحدة بعد الأخرى.

الإنسان أيضا مسئول عن كارثة سوريا والسوريين. شعب خلاق فى تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة وفى مصادر القوة والهيبة.

الإنسان مسئول أيضا عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره وهجرة خير زهراته وتهريب ثروته النقدية وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة وإعادة بعض كراسى السلطة إلى رجال الدين أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وفقدت مكانتها عروسا للشرق الأوسط.

* * *

كان الأمل أن ينشأ السودان واحدا مكتملا ويبقى واحدا مكتملا. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين وهو الآن مرشح ليزداد عددا وضعفا. ثرواته مثل كل ثروات أفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه على دول الجوار وفى معسكرات لاجئين أو تبعثر فى الصحارى وعلى الحدود.

يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة فى شمال السودان ترث أرضا سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة.

مرة أخرى يتدخل التاريخ ليعيد لنا صراعات نشبت بين شعوب تاريخية كان الظن أن القرون العديدة والحضارات الجديدة طوتها أو على الأقل كتمت صوتها.

* * *

أذكر، وفى ظنى أننى سجلت فى مكان ما بعضا من حديث جرى أمامى قرب نهاية عقد التسعينيات فى ندوة أقيمت فى بيروت. كان طرفا في الحديث رجل عرفت فيما بعد أنه فى حقيقة أمره خبير فى شؤون الشرق الأوسط لدى جهاز استخبارات غربى.

يومها طرح اعتقاده أن الشرق الأوسط، الإقليم الفريد فى تكويناته الطبقية والعرقية والطائفية، عاجز بنفسه عن تحقيق عدالة في توزيع مقاليد السلطة على جميع تشكيلات ومكونات المجتمعات الشرق أوسطية.

وأنه لا بد من تدخل «جراحي» من الخارج يعيد حقوق السلطة إلى أصحابها بحجة أن الطائفة التى احتكرت السلطة لقرون عديدة لن تسمح لطوائف أو أى قوى داخلية تغيير واقع الحياة السياسية والاجتماعية فى دول المنطقة.

فهم المجتمعون القصد ودخلوا فى حوار ممتد كشف في نهايته أن قوة خارجية تسعى للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذرى في بعض مجتمعات الشرق الأوسط.

مرت سنوات معدودة وفى أثرها قامت قوى عسكرية مزودة بخبراء سياسيين، وبينهم الرجل الذى نقل فكرة التدخل الخارجى، بترتيب عملية غزو للعراق لتحقيق التغيير المنشود، وبالفعل ما يزال العراق يحاول التأقلم مع ظروف ومكونات مختلفة، سواء فى داخله أو على جميع حدوده الخارجية، جميعها بدون استثناء.

* * *

لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث فى نظام توازن المكانة والهيبة والقوة فى النظام العربى، صارت الحاجة مطروحة لنظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة.

المواكبة التى أتحدث عنها أقصد بها توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع هذه الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من سبعين عاما.

المواكبة يمكن أيضا أن تأخذ شكل إقامة نظام إقليمى آخر، شرق أوسط جديد مثلا تجتمع فى ظله جميع التفاعلات القائمة بين جميع دول الشرق الأوسط، أى الدول العربية ودول جوارها كتركيا وإيران وما يستجد بتدخل قوى دولية.

* * *

لا أمل في استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعى إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.

إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث أو إعادة بث روح «قومية» فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوى فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا وفى الفكر العسكرى والأمنى، فيها جميعا أو فى واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضرورى.

*جميل مطر كاتب ومحلل سياسي

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العرب العنف الإرهاب جوع عطش الشرق الأوسط النظام العربي روح «قومية» تكامل إقليمي كوارث طبيعية حروب أهلية قمع واستبداد