ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا إسرائيل اندلاع "حرب أوسع" في الشرق الأوسط، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن يخاطر بالانزلاق إلى هذا "السيناريو الكابوس"؛ برفضه كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المواجهة مع حركة "حماس"، ما يعكس سوء تصرف أخلاقي واستراتيجي.
تلك القراءة خلص إليها تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لـ"فن الحكم المسؤول" (مركز أبحاث أمريكي)، في تحليل بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأمريكي (Responsible Statecraft) ترجمه "الخليج الجديد".
ولليوم التاسع على التوالي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غارات مكثفة على قطاع غزة، ضمن مواجهة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال بارسي إن هذه المواجهة "كانت سببا في وضع العالم أجمع على حافة الهاوية"، مضيفا أنه "بعيدا عن المخاوف بشأن مصير 2.2 مليون فلسطيني محاصرين في غزة، يوجد خوف واضح من تصاعد الصراع إلى حرب تشمل المنطقة بالكامل".
وأضاف أنه "لا يرغب أي من اللاعبين الرئيسيين، باستثناء حماس المحتمل، في مثل هذه الحرب أو الاستفادة منها، ومع ذلك فإن جميع الأطراف تتصرف بطريقة تزيد من مخاطرها يوما بعد آخر".
ومشيرا إلى أوضاع سياسية واقتصادية غير مواتية، اعتبر بارسي أن الحرب ليست في مصلحة كل من إسرائيل ومصر والسعودية وسوريا وإيران وحليفتها جماعة "حزب الله" اللبنانية. ومنذ حرب 1967، تواصل إسرائيل احتلال أراضٍ في لبنان وسوريا وفلسطين.
حزب الله وإيران
لكن "إذا أثبت الغزو الإسرائيلي لغزة نجاحه من حيث القضاء على حماس، فقد يشعر حزب الله بأنه مضطر إلى التدخل، ليس بالضرورة لإنقاذ حماس، بل لإنقاذ نفسه (من إسرائيل)"، وفقا لبارسي.
وأردف أن "أي هجوم (على إسرائيل) من الشمال، من جانب حزب الله، قد لا ينقذ حماس بقدر ما سيجعل الأمر مكلفا للغاية بالنسبة لحكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو لتوسيع الحرب إلى لبنان بعد هزيمة حماس".
وزاد بأنه "قد لا يكون حزب الله قادرا على منع النصر الإسرائيلي، ولكن ستكون له مصلحة في تحويل هذا النصر إلى انتصار باهظ الثمن. وتورط حزب الله سيُدخل إيران بشكل مباشر أكثر في الصراع".
وفي حين أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان معارضته لحرب أوسع نطاقا، فقد حذر من أنه ما لم توقف إسرائيل هجماتها، فإن الحرب ستتسع وستعاني إسرائيل من "زلزال ضخم".
حرب أوسع
"وإذا كانت توجد أي عقلانية في سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط، فإنها أيضا ستعارض المزيد من تصعيد القتال، فبين الحرب (الروسية المستمرة) في أوكرانيا (منذ 2022)، والأزمة المحتملة مع الصين بشأن تايوان، لا تستطيع الإدارة ببساطة تحمل حرب أوسع نطاقا في المنطقة"، كما تابع بارسي.
وأضاف أنه "مع جر إيران وحزب الله إلى الصراع، ستتعرض إدارة بايدن لضغوط هائلة للتدخل عسكريا، على الرغم من الاهتمام الأمريكي الواضح بالبقاء خارج القتال.. وليس هناك الكثير في سلوك بايدن حتى الآن يشير إلى أنه، في هذا السيناريو، سيعطي الأولوية لمصالح بلاده الاستراتيجية".
و"من المؤكد أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في غزة أو ضد حزب الله وإيران، سيؤدي إلى هجمات كبيرة ضد القوات والمصالح الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط من جانب الجماعات المسلحة المدعومة من طهران"، كما زاد بارسي.
وتابع: "وفي اجتماع في وقت سابق من العام الجاري بين اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين وممثل رفيع المستوى للحكومة الإيرانية، حذر أحد الأمريكيين طهران من أنها إذا خصبت اليورانيوم إلى درجة نقاء 90%، فإن الولايات المتحدة ستضرب إيران عسكريا".
وأردف بارسي: "بدون تردد، رد المسؤول الإيراني بأن إيران سترد على الفور بتدمير 14 قاعدة أمريكية في المنطقة بإمطارها بآلاف الصواريخ خلال 24 ساعة".
مشكلة كبيرة
"في هذا السياق، فإن رفض إدارة بايدن الدعوة إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار، أو الضغط عمليا على إسرائيل لممارسة حقها في الدفاع عن نفسها ضمن حدود القانون الدولي، يمثل مشكلة كبيرة"، كما أضاف بارسي.
وأردف: "لا يقتصر الأمر على الإفلاس الأخلاقي للبيت الأبيض في عهد بايدن، الذي يقف في طريق جهود إنهاء الأزمة، إذ يوجد أيضا تجاهل صارخ للحياة البشرية".
واستطرد: "إنه أيضا سوء ممارسة استراتيجي يتمثل في إعطاء إسرائيل تفويضا مطلقا للتصرف كما يحلو لها، على الرغم من إدراك الخطر الهائل المتمثل في أن تصرفات إسرائيل غير المقيدة في غزة يمكن أن تجر واشنطن إلى حرب إقليمية أوسع لا تخدم مصلحة الولايات المتحدة ولا إسرائيل".
بارسي زاد بأنه "قد يكون الجمع بين إصدار تحذيرات لحزب الله وإيران لضبط النفس، مع مطالبة إسرائيل بعدم ضبط النفس، مفيدا سياسيا لبايدن، لكن من المرجح أن يتجه الوضع إلى السيناريو الكابوس الذي يسعى بايدن إلى تجنبه (حرب أوسع)".