«ستراتفور»: نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية الروسية في سوريا

الثلاثاء 16 فبراير 2016 02:02 ص

في أكتوبر/تشرين أول الماضي، حينما كانت روسيا قد بدأت للتو تدخلها العسكري في سوريا، رفض الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» فكرة أن روسيا يمكن أن تتحدى قيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد صرح «أوباما» في مقابلة تليفزيونية بالقول: «السيد بوتين يكرس قواته وجيشه من أجل أن يربط بالكاد حليفه الوحيد بخيط رفيع. حقيقة أنه اضطر إلى القيام بذلك لا تدل على قوة، ولكنها تدل ببساطة أن استراتيجيته لم تعمل». بعد شهرين، كان الوجود العسكري الروسي في سوريا قد تعمق بشكل أكبر، في حين ظل «أوباما» رافضا لاستراتيجية «بوتين» مشيرا إلى أنه «مع بقاء أفغانستان حاضرة في الذاكرة، فإن التورط في صراع أهلي ليس بالتأكيد هو النتيجة التي يبحث عنها بوتين».

يمكن لواشنطن أن تستمر في التقليل من الخطر الذي تشكله روسيا. ضخت روسيا بالفعل الكثير من الموارد في صراع مجنون وغير حاسم، ولكن الولايات المتحدة قد فعلت ذلك أيضا، وكذلك فعلت سائر القوى التي لم تستطع أن تنأى بنفسها عن الصراع بالوكالة الذي ازداد تعقيدا بسبب وجود الجهاديين. المشكلة هي أن طبقات الاستراتيجية الروسية تبدو كثيفة جدا بالنسبة إلى أعين الغرب. بالنسبة لروسيا، فإن المعركة في سوريا لا تدور حول مجرد دعم حليف من خلال الإنفاق الطائش، كما أنها لا تدور ببساطة حول استراتيجية بديلة لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». سوريا هي أرض الفرص بالنسبة لروسيا. سوريا هي ساحة لضبط النفس والصبر وتحديد نقاط القوة والضعف لخصومها واستغلالها بشكل جيد في إطار منافستها مع الغرب.

الواقعية السياسية على الطراز الروسي

يعاني الاقتصاد الروسي وسط انخفاض أسعار النفط، بينما يتكثف الصراع على السلطة في الكرملين، وتزداد الاضطرابات الاجتماعية على الصعيد الوطني. تقوم الولايات المتحدة بتعزيز حلفائها الأوروبيين على امتداد طول الجهة الغربية لروسيا. لا يوحي هذا المشهد بسجل مثالي بالنسبة إلى زعيم روسي، ولكن «بوتين» مشتهر أيضا بممارسة الواقعية السياسية. موسكو لديها رصيد واضح من الجرأة والحيلة لكي تستخدمهما في محاولة للتعويض عن ضعفها الواضح.

في السياسة الواقعية: فإن المؤرخ «جون بيو» قد أعطى الجدارة السياسية لسياسي ألماني يغفل عنه كثيرا وهو «أغسطس فون روشو» لتصور البراغماتية وراء هذه الفلسفة السياسية. في أسس السياسة الواقعية، التي كتب عنها «روشو» خلال منتصف القرن التاسع عشر خلال السنوات التكوينية للدولة الألمانية فقد قال: «إن السياسة الواقعية لا تتحرك في مستقبل ضبابي ولكن في المجال الحاضر من الرؤية، ولذا فإنه لا يمكن النظر في مهمتها على أساس كونها تسعى إلى تحقيق المثل العليا بقدر سعيها إلى بلوغ الغايات الملموسة، وهي تكتفي في بعض الأحيان بالحصول على نتائج جزئية إذا لم يكن من الممكن تحقيق نتائج كاملة في الوقت الراهن. في نهاية المطاف، فإن الواقعية السياسية هي عدو لجميع أشكال خداع الذات».

نصائح «روشو» حول الدولة التي تحكمها سياسات واقعية هي عينها ما يطبقه «بوتين» في روسيا. ورثت روسيا الكثير من نقاط الضعف الكامنة ناهيك عن قدرتها المحدودة على كبح الزحف الغربي. وقد كانت موسكو سريعة في تصالحها مع هذه الحقائق غير المريحة، على أن تقتنص ما يمكنها الحصول عليه حينما تسنح الفرصة.

الانتهازي الماهر هو شخص قادر على خلق الفرصة التي يسعى إلى استغلالها. سوريا هي المحور المعاصر للصراع الجيوسياسي. من خلال تمكين حصار الموالين في حلب، فقد لفتت روسيا انتباه برلين وواشنطن وأنقرة دفعة واحدة. وقد فر نحو 100 ألف من السوريين من حلب خلال الأسبوعين الماضيين، ويبدو هذا الرقم مرشحا للزيادة بشكل كبير في حال تمت محاصرة المدينة.

بالنسبة إلى المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل»، فإن هذا قد يعني موجة أخرى من اللاجئين من شأنها أن تدفع نحو تفاقم الأزمة في أوروبا، في ظل تزايد نفوذ القوى السياسية القومية التي تسعى إلى استغلال من الخوف والاضطرابات التي تدفعها تدفقات المهاجرين وفي ظل تزايد الاتهامات من قبل الدول المدينة في الجنوب تجاه بروكسل وبرلين بإثقال كاهلهم بأزمات اللاجئين، في الوقت الذي يتم سحقهم بواسطة تدابير التقشف. وليس من قبيل المصادفة أن روسيا تستخدم كل فرصة لتأييد وتضخيم وجهات نظر تلك القوى التي تسبب صداما يوميا في رأس «ميركل» وغيرها من السياسيين في أوروبا.

لا يمكن لـ«بوتين» وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا ولكن تدخله العسكري في سوريا قد أعطاهم القدرة على تسبيب المزيد من الألم للجسد الأوروبي. تمثل هذه الضغوط رافعة مثالية بالنسبة إلى موسكو، وهي تستغلها بنجاح من أجل تقسيم مواقف القارة وربما انتزاع حق الفيتو من داخل الكتلة حول قضايا مثل استمرار العقوبات الروسية والاستجابة لطلب بولندا بإقامة قواعد دائمة على الحدود الشرقية لأوروبا.

بالنسبة للرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، فإن الحصار على حلب يمثل هجوما من جميع الاتجاهات. محاولة روسيا لتسريع تجزئة أوروبا تقوض الشبكة الحرجة من حلفاء الولايات المتحدة مما يتيح فرصا لأزمات أكبر بكثير في القارة التي لا تبدو محصنة ضد الصراع الوحشي. كما قال وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» الأسبوع الماضي في مؤتمر الأمن في ميونيخ: «نحن في الولايات المتحدة لسنا جالسين على شاطئ بحيرة نفكر على أساس كوننا بمأمن من الأمر. أمريكا تتفاهم الطبيعة الوجودية لهذا التهديد على السياسة ونسيج الحياة في أوروبا». البيت الأبيض يفهم جيدا مكمن الخطر في التقاطع بين الأزمة الأوربية والحرب الأهلية السورية، ولكنه أيضا يبدو أقل استعدادا لتحجيم دور روسيا في هذا الصراع.

ومن المعروف جيدا أن روسيا قد قامت بقصف العديد من المتمردين التي تتخذهم الولايات المتحدة كوكلاء على الأرض في معركتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». حتى في نقاط المفاوضات الفاترة، مثل إعلان وقف إطلاق النار الذي انبثق عن المحادثات بين كيري ونظيره الروسي، «سيرجي لافروف»، في ميونيخ الأسبوع الماضي، فقد تم أخذ جميع المحاذير الروسية في الاعتبار. وفي الوقت الذي يتنقل فيه كيري بين عواصم العالم من أجل تنظيم محادثات السلام المكوكية حول سوريا، فإن روسيا تواصل عمليات القصف على الأرض مدعية أنها تستهدف جبهة النصرة وغيرها من الأهداف المدرجة ضمن قائمتها السوداء. وطالما أن روسيا سوف تستمر في إفساد الأمور، فإن الولايات المتحدة سوف تستمر في جمع الأخشاب جنبا إلى جنب ببطء شديد وبشكل محبط في خربها ضد «الدولة الإسلامية» في سوريا.

اللعب بالورقة الكردية

بالنسبة إلى الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، فإن هجوم قوات النظام المدعومة من الطائرات الروسية في حلب يجلب مجموعة من التحديات الجيوسياسية إلى الواجهة. الضغوطات الأكثر وضوحا في تركيا تتعلق باحتمال تواصل تدفق عشرات من اللاجئين إلى حدودها في الوقت الذي تتخذ فيه أوروبا تدابير للحد من تدفق اللاجئين إلى القارة. طالما قدمت تركيا حلا لهذه المعضلة قد لا تكون أوروبا خلاله مضطرة لاستيعاب اللاجئين على أراضيها وذلك من خلال خلق «منطقة آمنة» في شمال سوريا لإقامة اللاجئين من ناحية، وتشكيل محيط آمن لتركيا من ناحية أخرى، مع بصمتها الأمنية في شمال العراق، فإن تركيا ترغب أيضا في وقف تقدم الأكراد في شمال سوريا.

ومع تدهور علاقاتها مع تركيا، فإن اتصالات روسيا المتنامية مع المتمردين الأكراد في سوريا الذين ينتمون إلى وحدات حماية الشعب لم تعد سرية. هذه هي لعبة قديمة في الكتيب الروسي. وكما ناقشت صحيفة أسبوعية في وقت سابق، فإن أحداث العام 1946 تعد محورا أساسيا لفهم التوتر الأساسي الذي استمر بين تركيا وروسيا لعدة قرون. وكان هذا هو الوقت الذي بدا فيه السوفييت حذرين من تنامي العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، في الوقت الذي لم تكن خلاله أعينهم تغفل عن المضايق التي تسيطر عليها تركيا والتي تؤمن التواصل بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.

قامت السفارة السوفيتية في أنقرة برفع تقارير إلى وزارة الخارجية السوفيتية حول المسألة الكردية، وقد سربت الدعاية السوفيتية أجزاء مختارة بعناية من ذلك التقرير في الصحافة للتأكد من أن الأتراك، فضلا عن الأميركيين، كانوا على علم أن موسكو تدرس المسألة الكردية، وأنها على استعداد للعمل على إشعال النزعة الانفصالية الكردية في الجمهورية التركية الوليدة. أحد هذه التقارير التي يعود تاريخها إلى ديسمبر/كانون الأول من عام 1946 حيث يشير إلى أن الحكومة القيصرية قد لعبت باستخدام الورقة الكردية بشكل منتظم لإضعاف الإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الـ19 عندما قامت بإثارة السخط بين الحكومة التركية وبين الأكراد عبر شراء دعمهم بالمال والوعود البراقة.

الوعد الأكبر الذي يمكن أن توفره روسيا للأكراد اليوم هو احتمال قيام دولة كردية موحدة ومستقلة تمتد من كردستان السورية إلى شمال العراق. في الواقع، فإن هجوم الموالين الذي دعمته روسيا في حلب قد مكن الأكراد من التقدم من الشمال الغربي شرقا نحو عزاز على طول الحدود التركية. من وجهة نظر تركيا، فإنه كلما تباطأت أكثر في البقاء على الجانب التركي من الحدود كلما زاد ذلك من فرصة انضمام عفرين إلى المساحات الشاسعة من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد غربي نهر الفرات، وخلق دولة كردية بحكم الأمر الواقع على الحدود التركية للذهاب جنبا إلى جنب مع حكومة إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. وعلى الرغم من وجود بعض العقبات التي تجعل تحقق هذا السيناريو على أرض المعركة غير محتمل على المدى القريب، فإن تركيا تعمل بشكل ملحوظ في ظل هذه الافتراضات.

توظف روسيا هذه الورقة بشكل جيد إلى الآن. أعلنت روسيا على الملأ في الأسبوع الماضي أن حزب الاتحاد الديمقراطي يعتزم فتح مكتب له في موسكو. منح الشرعية للجماعات المتمردة الكردية التي تحاول تركيا بشق الأنفس استبعادها من على طاولة المفاوضات في سوريا، مع تمكين التقدم للمتمردين الأكراد في ساحة المعركة السورية كان ببساطة أكثر مما يمكن لـ«أردوغان» أن يتحمله. ونتيجة لذلك، فقد بدأت المدفعية التركية في قصف مكثف لوحدات حماية الشعب الكردي في الشمال حول أعزاز وتل رفعت، وكررت رسالتها إلى البيت الأبيض بأن واشنطن وأنقرة لا يمكنهما مواصلة الخلاف بشأن المسألة الكردية في سوريا.

في توقعاتنا السنوية لعام 2016، أشرنا إلى أن روسيا سوف تكثف عملياتها الجوية في سوريا في محاولة لشل يد أنقرة، ولكن التقاعس ليس خيارا مطروحا بالنسبة إلى تركيا. بدلا من ذلك، مدفوعة بالتهديد الكردي من بين عوامل أخرى، فإن تركيا سوف تحشد ائتلافا يضم المملكة العربية السعودية من أجل إزالة العقبات في ساحة المعركة السورية. هذا هو السيناريو المطروح بقوة على الساحة الآن مع استعدادات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتنفيذ عمليات من قاعدة إنجرليك التركية. تركيا لن تسمح أن يتم تحجيمها بواسطة الروس، وسوف تفعل كل ما في وسعها من أجل إجبار الولايات المتحدة على تمكينها من تحرك عسكري في شمال سوريا. الرسالة التركية إلى واشنطن هي أن الحكومة التركية لا يمكن اعتباره مجرد مجموعة أخرى أو فصيل على أرض المعركة السورية. بدلا من ذلك فإنها دولة قومية ذات مصالح وطنية تبدو على المحك. كما قال نائب رئيس الوزراء التركي «يالجين أكدوجان»، فإنه لا يمكنك أن تعلب مدافعا في جميع الأوقات، ومع ذلك تتوقع كسب المباراة.

الولايات المتحدة لا تمانع من التدخل التركي في شمال سوريا إذا كان ذلك يشمل اتخاذ إجراءات أقوى ضد الدولة الإسلامية، ولكن لا يزال هناك مسألة التعامل مع موسكو. تركيا، ناهيك عن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ليسوا على وشك اتخاذ خطوة متهورة في شمال سوريا. جميع الدول الثلاث تعي بشكل واضح المخاطر المرتبطة بمواجهة روسيا برا وجوا. انتشار اللاعبين في ساحة المعركة أمر لا مفر منه، ولكن مهمة التخفيف من احتمالات المناوشات تقع على عاتق واشنطن.

عودة المفاوضات إلى واشنطن

مع دخول حلب إلى ساحة اللعب، فقد كان «بوتين» في انتظار مكالمة هاتفية من واشنطن. يوم 13 فبراير/شباط، قال البيت الأبيض في وسائل الإعلام أن «أوباما» قام بالاتصال بـ«بوتين» وحثه على إنهاء الحملة الروسية في سوريا. يمكننا أن نفترض أن هذه المحادثة قد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك. روسيا، بعد كل شيء، قد صممت تدخلها العسكري بغية الوصول إلى تفهم مع الولايات المتحدة. سوريا هي أحد أوراق المصلحة الاستراتيجية بالنسبة إلى الروس، لكن أهميتها يتم حجبها تحت وطأة رغبة روسيا في إبطاء زحف القوات العسكرية الغربية في محيطها السوفييتي السابق. ومع استمرار الأزمة السياسية في أوكرانيا في ظل وجود حكومة هشة على نحو متزايد في كييف، فإن هناك كتلة متماسكة تنشأ من البلدان في أوروبا الشرقية يتشكل حول مجموعة فيزيغراد (بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا). بولندا، على وجه الخصوص، تسعى إلى وجود قوة من حلف الشمال الأطلسي في أوروبا الشرقية على الحدود مع روسيا. ومن أجل تحسين فرصها في إقناع حلف شمال الأطلسي بتحصين موقفها، فإن بولندا قد أرسلت طائرات «إف - 16» للمشاركة في دعم التحالف الدولي في سوريا من أجل إظهار حسن النية. تتواصل المناقشات في هذه الأثناء ما بين واشنطن وبوخارست من أجل تعزيز انتشار حلف شمال الأطلسي على البحر الأسود، مع استعداد أكبر لدى تركيا في البت في هذه المناقشات الآن مع توتر علاقاتها مع روسيا.

كل هذه التدابير بإمكان الولايات المتحدة أن تقوم بتصعيدها أو تهدئتها اعتمادا على الطريقة التي تريد بها توجيه المفاوضات التي تجريها مع موسكو. يمكن للولايات المتحدة أن تؤكد لموسكو أنه سوف يتم تحجيم خطط الناتو في أوروبا على الرغم من أن هذه التأكيدات يمكن أن تتبخر مع قدوم رئيس جديد إلى البيت الأبيض في عام 2017. وقد حاولت الولايات المتحدة أيضا دفع كييف نحو تقديم تنازلات سياسية بخصوص المناطق الشرقية المتمردة في أوكرانيا، إلا أن الحكومة هناك تبدو مفتتة وضعيفة بشكل بالغ، كما أنها لا تمتلك الإرادة السياسية من أجل تقديم التنازلات التي قد ترضي موسكو

في البحث عن كعب أخيل الروسي

وقد لعبت روسيا بالورقة الكردية بشكل فعال في مواجهة تركيا، ولكن من الممكن لموسكو أن تتجرع مثل السم الذي صنعته في نهاية الأمر. ارتفع حجم وانتشار الاحتجاجات الروسية في جميع أنحاء البلاد بشكل كبير خلال العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية المتعمقة، حتى إن الحكومة الروسية قد شرعت في شن حملات أمنية وقائية ضد جماعات المعارضة والعمال الساخطين والمنظمات غير الحكومية التي يمكن أن يتم استغلالها من قبل القوى الخارجية من أجل زعزعة استقرار روسيا من الداخل، إلا أنه سوف يكون من الصعب على الحكومة القيام بمواجهة كل هذه الشقوق.

ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في سبتمبر/أيلول المقبل، وهي الانتخابات التي سوف تختبر ما إذا كان هذا العدد الكبير من الاحتجاجات المتفرقة يمكن أن يتلاحم إلى تهديد أكثر جوهرية في الشوارع. وفي الوقت الذي يهدد فيه الكريملين بنصب صواريخ في كالينينغراد، فإن قوات الأمن الروسية تقوم بتضييق الخناق بشدة على قوات المعارضة في الإقليم المنعزل على بحر البلطيق من أجل رصد أي تلميحات للانفصال بشكل سريع من قبل الكريملين.

نقاط الضعف الرئيسية في روسيا تميل إلى التركز في شمال القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، حيث بنى «بوتين» إرثه هناك على أنقاض الحرب الأهلية في الشيشان. لدعم هذا الإرث، فإن «بوتين» قد خرج عن إرثه بتقديم الدعم إلى الزعيم الشيشاني المتشدد «رمضان قديروف» الذي يظهر الولاء لـ«بوتين» مع خطاب له تأثير استقطابي على المعارضة الروسية والقوميين المتشددين والأعضاء الأقوياء في مكتب الأمن الفيدرالي الروسي. ومع ذلك، فإن «قديروف» هو أداة لاحتواء الشيشان قد لا يكون «بوتين» راغبا في التضحية بها في الوقت الراهن. ربما يكون التحدي الأكثر صعوبة بالنسبة إلى «بوتين» هو صعود السلفية والنفوذ المحافظ المتشدد في داغستان، حيث تزداد معدلات القمع في الوقت الذي يزداد فيه نشاط المتشددين وفي الوقت الذي يستخدم فيه «قديروف» بثقة عدم الاستقرار في داغستان من أجل توسيع سيطرته الإقليمية.

سوف يكون من الأهمية بمكان مراقبة نقاط الضعف هذه في الأشهر المقبلة بينما تتنقل روسيا بين المرتفعات والمنخفضات في التفاوض مع واشنطن وأنقرة وبرلين ودول الخليج. وفي الوقت نفسه، فإنه سيكون من الخطأ ببساطة أن نفترض أن تلك الاضطرابات في روسيا سوف تتضخم عضويا إلى النقطة التي تطغى فيها على اهتمامات الحكومة الروسية وتدفعها نحو تخفيض الأنشطة العسكرية في الخارج. تمتلك روسيا مقدرة عالية على تحمل الألم الاقتصادي مقارنة بمعظم الدول، كما أن قرار مواصلة العمليات في أماكن مثل سوريا وأوكرانيا يعتمد على ما هو أكثر بكثير من الاعتبارات المالية.

اعرف عدوك

في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بحساب تحركاتها المقبلة، فإنها يجب أن تفهم بشكل جيد طبقات الاستراتيجية الروسية وتتجنب السقوط في أسر الأوصاف التبسيطية. من السهل أن نقوم بوصف «بوتين» بممارسة البلطجة والفتوة، ولكن «بوتين» يدرك جيدا حدود القوة الغاشمة، والأهم من ذلك، فإنه يدرك حدود أعدائه في استخدام القوة في مواجهته. وينعكس هذا في حبه للجودو الذي كثيرا ما يصفه بأنه فلسفة وأسلوب للحياة. كما يقول «بوتين»، فإن الجودو يعلمنا أن الخصم الذي يبدو ضعيفا قد لا يكون قادرا فقط على إبداء مقاومة قوية ولكن قد يفوز آخر إذا قرر خصمه أن يسترخي وينظر إلى الانتصار على أنه قد صار مضمونا. بالعودة إلى أكتوبر/تشرين الأول، فإن البيت الأبيض وغيره قد سخروا من الروس لكونهم لم يستوعبوا درس أفغانستان متوقعين أن الركود الاقتصادي والحرب الأهلية الكثيفة الاستهلاك للموارد سوف يلدغان روسيا سريعا. ربما يأتي هذا اليوم في وقت ما، لكن الغرب عليه أن يفعل شيئا سوى الانتظار.

هناك قدر كبير من المرونة بخصوص ما يمكن أن تحققه الاستراتجية الروسية في التفاعل مع الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية ، والأزمة الأوروبية ومعركة تركيا الوجودية مع الأكراد. أنفق «بوتين» بالفعل قدرا كبيرا من الوقت والطاقة والموارد في إقامة هذه المرحلة من التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنه أيضا لن يكون مخدوعا من قبل فكرة أنه يمكنه تحقيق كامل أهدافه الجيوسياسية. الواقعية السياسية التي ينتهجها الكريملين لا تمانع في الاكتفاء بتحقيق بعض النتائج الجزئية ويمكن أن تظهر تلك النتائج نفسها على ساحة المعركة السورية، أو في شرق أوكرانيا أو قد لا تظهر على الإطلاق في حال فشل المفاوضات. في الحالة الأخيرة، فإن المرحلة المقبلة من الأزمة سوف تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من المدينة المحاصرة في حلب.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

روسيا سوريا الولايات المتحدة التحالف الدولي تركيا الأكراد

التدخل السعودي التركي في سوريا .. الضرورات والتحديات والبدائل المحدودة

حسابات المخاطر والتحديات: آفاق التدخل العسكري التركي في شمال سوريا

المغامرة الخطرة: ما الذي يعنيه تدخل سعودي تركي محتمل في سوريا؟

التدخل البري السعودي في سوريا

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «2-2»

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»

الوطن العربي يحترق والخلق يتفرجون

خطة تقسيم سوريا .. ماذا بعد أن ينهار وقف إطلاق النار؟