تقدير أمريكي: دور إداري لمصر في غزة هو الحل لنظام "ما بعد حماس"

الخميس 9 نوفمبر 2023 12:52 م

سلط الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد "نيو لاينز" في واشنطن، قمران بخاري، الضوء على الدور المحتمل لمصر بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى أن القاهرة ربما تستعد للعب أكبر دور لها بالقطاع منذ أكثر من 50 عاماً.

وذكر بخاري، في تحليل نشره بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن مصر تمثل النقطة المحورية للجهود التي تشمل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وقطر وتركيا، سواء شاءت أم أبت، وهي أمام مسؤولية ستقدم لها فرصا بقدر ما ستواجه بها مخاطر.

وأوضح أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال في 8 نوفمبر/تشرين الثاني إن قطاع غزة لا يمكن أن يستمر تحت إدارة حماس، ولا يمكن لإسرائيل إعادة احتلاله بعد فترة انتقالية بعد انتهاء الهجوم العسكري، كما ذكر أن الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة تهدف إلى ضمان عدم تهجير السكان الفلسطينيين وإعادة "وحدة الحكم" بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ووصف بخاري تصريحات بلينكن بأنها تقدم "خريطة طريق يصعب اتباعها"، ويتمثل التحدي الرئيسي فيها تقليص مدة الاحتلال الإسرائيلي لغزة وإدارتها، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الدولية والمحلية على إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لوقف إطلاق النار.

وينطوي هذا الضغط ضمنياً على الجدل الدائر حول الاحتلال الأوسع للأراضي الفلسطينية، وفي ظل هذه الظروف، ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا إسرائيل إعادة احتلال غزة، حسبما يرى بخاري، لافتا إلى أن الإطاحة بحكومة حماس في غزة من شأنه أن يقلب ترتيبا دام 16 عاماً رأساً على عقب، وهو الترتيب الذي سمح لمصر بالتراجع عن تعميق الانخراط في شأن القطاع، بخلاف إدارة تدفق البضائع والأشخاص من وإلى غزة.

حقبتان لمصر وغزة

ويشير بخاري، في هذا الصدد، إلى أن موقف مصر من غزة محدد بفترتين مختلفتين، بدأت الأولى بالحرب في عام 1948، عندما سعت مصر وسوريا والأردن إلى السيطرة على فلسطين الخاضعة آنذاك للحكم البريطاني، والتي أصبحت أجزاء كبيرة منها دولة إسرائيل الحالية في نفس العام، ورغم أن العرب خسروا الحرب، إلا أن مصر سيطرت على قطاع غزة.

وبعد انقلاب عام 1952، الذي أدى إلى إنشاء النظام الذي يهيمن عليه الجيش المصري والذي يحكم مصر حتى اليوم، واصلت القاهرة الدفع بأجندة هزيمة إسرائيل وتحرير فلسطين، وهو ما وقف وراء حرب مصر وسوريا والأردن عام 1967 وخسارتهم لها، وفقدان القاهرة السيطرة على غزة وكذلك شبه جزيرة سيناء.

أما الحرب الأخيرة بين مصر وإسرائيل في عام 1973 فلم تعد تدور حول فلسطين بقدر ما كانت تدور حول سيناء، التي استعادها المصريون في نهاية المطاف بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1978، بمعنى أن الوضع الجديد لم تعد فيه القاهرة تعتبر فلسطين قضية استراتيجية، بحسب بخاري.

وعندما قررت منظمة التحرير الفلسطينية، بعد عقد من هذه الحقبة الثانية، التخلي عن الكفاح المسلح من أجل متابعة قضيتها دبلوماسياً، أصبحت القضية الفلسطينية، من وجهة نظر القاهرة، مصدر قلق لإسرائيل وليس لمصر.

ورغم ذلك فإن صعود حماس كان يمثل مشكلة كبرى بالنسبة للقاهرة، لأن حماس فرع مسلح من الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركة معارضة في مصر.

ومع ذلك، فقد شعرت مصر بالارتياح إزاء حقيقة مفادها أن حماس سيتم احتواؤها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. لكن الأمر لم يكن كذلك، وأجبر استيلاء الحركة على غزة القاهرة على القيام بدور أكثر نشاطا في القطاع.

وكانت الاستراتيجية المصرية الجديدة ذات شقين: التنسيق مع إسرائيل بشأن الحصار المفروض على غزة وإقامة علاقة عمل مع حماس حتى تتمكن القاهرة من العمل كوسيط مع إسرائيل، وهو ما فعلته خلال الحروب في الأعوام 2008، و2012، و2014، و2021.

ويلفت بخاري إلى أن هذا الترتيب جرى اختباره في أعقاب انتفاضة الربيع العربي، عندما وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة لفترة وجيزة في عام 2012، ورغم أن الجماعة اتبعت نهجا عمليا في التعامل مع غزة، إلا أن المؤسسة المصرية لم تجازف؛ وكانت قلقة للغاية بشأن احتمال تشكيل حكومة للإخوان المسلمين في القاهرة، ونظام تقوده حماس في غزة.

تهديد لمعاهدة السلام

فبالنسبة للدولة المصرية، كان هذا تهديدًا ليس فقط لاستقرار مصر، بل أيضًا لمعاهدة السلام مع إسرائيل، حسب تقدير بخاري، مشيرا إلى أن ذلك أحد أسباب انقلاب عام 2013 الذي أطاح بجماعة الإخوان المسلمين من السلطة ونصب القائد العسكري، عبدالفتاح السيسي، رئيساً للبلاد.

وفي حين قامت الحكومة المصرية الجديدة بقمع الإخوان المسلمين في الداخل، فقد واصلت تعاملها العملي المحدود مع حماس، وفي الوقت نفسه كان لدى السيسي قضايا رئيسية أخرى يتعين عليه التعامل معها، بما في ذلك الاقتصاد المتعثر الذي ظل صامدا بفضل مساعدات بمليارات الدولارات من دول الخليج العربية.

وكان استقرار النظام أولوية معلنة للسيسي عندما أكد أنه سيسعى لولاية ثالثة، وهو إعلان أدلى به قبل 4 أيام فقط من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي غيرت البيئة الاستراتيجية لمصر بشكل جذري، بحسب بخاري، مؤكدا أن "القاهرة سيتعين عليها الآن أن تقوم بالكثير من العمل الثقيل".

ويضيف بخاري أنه من غير الواضح كيف ستتعامل الحكومة المصرية مع العملية الفوضوية لتغيير النظام في غزة مع الحفاظ على استقرار النظام في الداخل، خاصة أن الجمهور المصري حساس للغاية لمعاناة الفلسطينيين في القطاع.

ويوضح الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد "نيو لاينز": "إنه أمر حساس للغاية في الواقع، لدرجة أن الحكومة اتخذت خطوة غير عادية بالسماح بتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في القاهرة يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، والتي انتقد خلالها المتظاهرون طريقة تعامل مصر مع الاقتصاد".

ومع ذلك، يرى بخاري أن تفكيك إسرائيل لحماس لا يخلو من الفرص بالنسبة للقاهرة، فمصر حريصة على إضعاف الحركة الإسلامية، كما هو الحال مع الدول المانحة لها، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، اللتين تعارضان الإسلام السياسي، وتريدان أيضًا حرمان إيران من القدرة على استغلال قضية غزة.

ولذلك فمن المرجح أن تكون الرياض وأبو ظبي على استعداد للاستثمار في الجهود الرامية إلى إعادة تأسيس "نظام ما بعد حماس" في غزة، و"لن تستفيد أي دولة أخرى غير مصر من هذا الترتيب"، حسبما يرى بخاري، لافتا إلى أن هذا الوضع قد يفيد مصر في معالجة إعلان السعودية مؤخرًا أنها ستتوقف عن منح الأموال لدول مثل مصر دون أي شروط.

لكن هذه المهمة لا تزال صعبة، بحسب بخاري، الذي توقع أن يؤدي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى إضعاف حماس لكن دون أن يتم القضاء عليها، وسيتعين على السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، في هذه الحالة، أن تستعيد سلطتها على غزة، "لكن هذه المجموعة مشهورة بالفساد وتقترب من مرحلة انتقالية فوضوية"، حسب تقديره.  

ويخلص بخاري إلى أن "إسرائيل قادرة على إسقاط نظام حماس في غزة، لكن سيكون لزاما على مصر أن تأخذ زمام المبادرة في تأسيس نظام جديد هناك وبسرعة، من أجل تجنب الفوضى التي قد تترتب على إعادة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع".

المصدر | قمران بخاري/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر غزة إسرائيل حماس الإخوان المسلمين

السلطة الفلسطينية تبلغ أمريكا استعدادها لدور في غزة بمرحلة ما بعد حماس.. بشرط

كاتب إسرائيلي يدعو الولايات المتحدة إلى "إجبار" مصر على استيعاب سكان غزة

غزة الكبرى.. مشروع إسرائيلي يثير قلق مصر