أفريقيا بأولوية الاستثمار السعودي.. الرياض تنتهز فرصة تراجع طهران

الخميس 30 نوفمبر 2023 12:49 م

سلط المحلل الجيوسياسي، رونان وردزورث، الضوء على تركيز المملكة العربية السعودية لتوجيه استثماراتها نحو أفريقيا مؤخرا، مشيرا إلى أن القارة السمراء لم تكن قريبة من الأولوية في أجندة السياسة الخارجية والاستثمار لولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، لكن ذلك تغير الآن، في ظل تراجع نفوذ إيران بالقارة.

وذكر وردزورث، في تحليل نشره بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الرياض قامت بمحاولات متعددة لزيادة نفوذها خلال العام الماضي من خلال التوسع في أسواق المال والطاقة الأفريقية، وفي وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري استضافت قمة مع قادة 50 دولة من جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط، في أول تجمع من نوعه لكبار الشخصيات العربية والأفريقية منذ عام 2013.

وتعد السعودية جزءًا من قائمة متزايدة من الدول التي تقدم للدول الأفريقية بدائل للشركاء التقليديين مثل روسيا والولايات المتحدة وأوروبا والصين، ويوجد أيضًا في هذه القائمة منافسي السعودية في الشرق الأوسط: تركيا والإمارات العربية المتحدة، اللتين أقامتا علاقات قوية في السنوات الأخيرة في مناطق مختلفة من القارة السمراء.

وركزت تركيا جهودها على الأعضاء السابقين في الإمبراطورية العثمانية في شمال أفريقيا، على الرغم من أنها كانت تتطلع إلى التوسع في القرن الأفريقي أيضًا.

وفي المقابل، تتمتع الإمارات تاريخياً بعلاقات قوية مع معظم دول شرق إفريقيا، بما في ذلك السودان وكينيا وتنزانيا والصومال.

وفي الوقت نفسه، تتمتع إيران بعلاقات قوية مع أنظمة في المنطقة، على الرغم من تقلص فرص الاستثمار لديها بسبب مشكلاتها الداخلية.

تحول بطيء

وكانت الرياض بطيئة في الرد على هذه التحولات، وجاءت القمة الأخيرة، والتركيز المتزايد لمبادرة رؤية 2030 على الاستثمار في أفريقيا، بمثابة اعتراف بضرورة الإسراع نحو التوجه لأفريقيا.

كما عقدت روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان مؤتمرات قمة مؤخرا مع زعماء القارة، ما يسلط الضوء على الرغبة المتزايدة في الثروة المعدنية في أفريقيا والعلاقات التجارية وفرص الاستثمار.

 ومع ذلك، تتمتع السعودية بميزة على الدول الأخرى بالنظر إلى حجم الاستثمار وتمويل التنمية الذي ترغب في تقديمه، إذ يتضمن جزء من رؤية بن سلمان الاستراتيجية تنويع اقتصاد المملكة وتقليل اعتماده على الثروة النفطية، وهي الأولويات التي تم تحديدها في الاستراتيجية الصناعية الوطنية للبلاد.

وتشمل تلك الاستراتيجية تطوير الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء، الأمر الذي سيتطلب معادن يسهل الحصول عليها من الشركاء في أفريقيا.

وفي القمة، أعلن بن سلمان أن الصندوق السعودي للتنمية سيقدم 5 مليارات دولار لمشاريع التنمية في البلدان الأفريقية بحلول عام 2030، وتعهد المستثمرون بما مجموعه 25 مليار دولار للقارة كجزء من رؤية 2030، الخطة السعودية الضخمة لإصلاح اقتصادها.

وركزت المبادرة بشكل كبير على الاستثمار في مشاريع الطاقة غير النفطية ولكنها توسعت مؤخرًا لتشمل مجالات أخرى بما في ذلك بناء المستشفيات وغيرها من البنية التحتية.

وبشكل عام، كانت استثمارات المبادرة خارج السعودية في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا ناجحة.

وتنمو التجارة السعودية الأفريقية بشكل مطرد، مع زيادة الصادرات السعودية غير النفطية بمتوسط سنوي يبلغ 6% منذ عام 2018.

كما وقعت الرياض 14 اتفاقية قرض بقيمة 533 مليون دولار مع 12 دولة لمشاريع تشمل الرعاية الصحية والمياه والتعليم والنقل. وشملت هذه القروض قروضاً لبوركينا فاسو والنيجر وغينيا، وجميعها خاضعة حالياً لعقوبات الاتحاد الأفريقي.

ولا تتمتع هذه البلدان إلا بآفاق قليلة للغاية عندما يتعلق الأمر بالمستثمرين إلى جانب روسيا، التي لم تضع تقليدياً أي شروط سياسية على استثماراتها.

فرص جذابة

ومع ذلك، فقد اعتمد السعوديون أيضًا نهجًا عمليًا في التمويل، ولم يفرضوا سوى القليل من القيود على التمويل الذي يقدمونه. وبالنسبة للرياض، فإن موارد هذه الدول وحاجتها إلى الدعم المالي والخيارات المحدودة تجعلها فرصًا استثمارية جذابة، فالعديد منها مثقلة بالديون للصين، ما يجعلها حذرة من قبول أي مساعدات إضافية من بكين.

وشملت الصفقات الأخرى مشاريع النفط والغاز، وهو مجال تتمتع فيه الرياض بخبرة كبيرة. وعلى هامش القمة، وقع الزعيمان السعودي والنيجيري على سلسلة من اتفاقيات الاستثمار والتعاون الكبيرة بما في ذلك إصلاح 4 مصافي نفط نيجيرية متوقفة.

وقال السعوديون إنهم سيقدمون وديعة "كبيرة" من النقد الأجنبي للمساعدة في دعم العملة النيجيرية المتعثرة. وقبل القمة، وقع البلدان مذكرة تفاهم تعهدا فيها بتعزيز التعاون في صناعات النفط والغاز.

كما جرى التوصل إلى اتفاقيات على نطاق أصغر مع دول أخرى منتجة للنفط بما في ذلك تشاد وإثيوبيا ورواندا والسنغال، في حين تلقت غانا ودائع بالعملة الأجنبية للمساعدة في سداد ديونها.

وتضمنت بعض هذه الصفقات استثمارات في التكنولوجيا الخضراء، وهي جزء من جهود السعودية لتوسيع محفظتها لتشمل الطاقة البديلة.

وفي العام الماضي، وقعت السعودية اتفاقيات لاستثمار ما يقرب من 15 مليار دولار في جنوب أفريقيا للتعاون طويل الأمد في مجالات الطاقة المتجددة والصناعة والتعدين والسياحة والزراعة.

ويشير وردزورث، في هذا الصدد، إلى عدد من العوامل التي تدفع هذه المشاركة السعودية في أفريقيا، ففي الماضي، كان الدافع وراء التدخل السعودي بالقارة السمراء هو المكاسب السياسية والأهداف الاقتصادية قصيرة المدى، لكن السعوديين لديهم اليوم رؤية أوسع، إذ يعتقدون أن التعامل مع القارة وخارجها سيسهل صعودهم كلاعب مهيمن في الشرق الأوسط وفي عالم ناشئ متعدد الأقطاب.

كما ستساعد التجارة مع أفريقيا المملكة على تنمية إيراداتها غير النفطية، والتي تعتقد أنها يمكن أن تزيد بشكل كبير خلال العقد المقبل.

ويريد السعوديون أن يصبحوا روادًا في قطاع الطاقة المتجددة من أجل الحفاظ على مكانتهم المهيمنة في سوق الطاقة الأوسع. ولتحقيق هذه الغاية، تتمتع أفريقيا بالقدرة على توفير المدخلات اللازمة لإنتاج التكنولوجيا الخضراء داخل السعودية.

ثمة عنصر أيديولوجي في التوجه السعودي أيضا، فالمملكة تضع نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي، وأفريقيا تعد موطنًا لأكثر من ثلث السكان المسلمين في العالم، إذ أن ديانة 40% من سكان القارة هي الإسلام.

ومن المقرر أن تنضم السعودية أيضًا إلى جنوب إفريقيا لتصبح عضوًا في مجموعة بريكس العام المقبل.

تعزيز المنافسة

وفي محاولتها للعب دور قيادي، تتنافس السعودية بشكل مباشر مع تركيا والإمارات العربية المتحدة، اللتين عززتا مواقعهما في أفريقيا على مدى العقدين الماضيين.

ومنذ عام 2006، زادت أنقرة عدد سفاراتها في القارة من 11 إلى 44، وركزت استثماراتها على دول إسلامية معينة مثل الصومال ونيجيريا والمغرب وليبيا والجزائر. وتتمتع تركيا أيضًا بتجارة كبيرة مع إفريقيا، يبلغ إجماليها 34 مليار دولار في عام 2021، وفي الوقت نفسه وسعت أبو ظبي دورها في إفريقيا منذ أوائل عام 2010 من خلال التحالفات السياسية والمساعدات والاستثمار والتعاون الدفاعي.

وفي الشهر الماضي فقط، وقعت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية اتفاقية بقيمة 250 مليون دولار لتشغيل ميناء في تنزانيا لمدة 30 عامًا. كما ركزت الإمارات على القرن الأفريقي، حيث حافظت على قاعدة في جيبوتي وعلاقات جيدة مع كل من إثيوبيا وإريتريا.

وعلى نحو مماثل، كانت لإيران منذ فترة طويلة مصالح في أفريقيا، لكن موقفها ظل راكداً، إذ ظلت تجارتها منخفضة مقارنة بمنافسيها في الشرق الأوسط، وبقيمة أقل من 2 مليار دولار في عام 2022.

لكن قبل ذلك، وعلى مدى عقدين على الأقل، قدمت إيران الدعم المالي والعسكري لدول في شرق أفريقيا، بما في ذلك تمويل مشاريع البناء في السودان وإريتريا، كما ضخت استثمارات في كينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية كوسيلة لتوليد رأس المال على الرغم من العقوبات الشديدة التي يتعرض لها اقتصادها.

وترى الرياض في تراجع إيران فرصة، فحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى المملكة على أنها لاعب أصغر بكثير في المجتمعات الإسلامية بأفريقيا، لكن بن سلمان يأمل في قلب هذا الاتجاه كجزء من مشروعه الأوسع المتمثل في إنشاء دور قيادي للرياض في العالم الإسلامي.

ولتحقيق هذه الغاية، دعا إعلان الرياض، الذي وقعه المشاركون في ختام القمة العربية الإفريقية، إلى وقف الأعمال العدائية في الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وحماية المدنيين المتضررين من القتال، ما يعزز أوراق اعتماد السعودية كقوة عالمية.

وفي تعاملها مع أفريقيا، ترى السعودية إمكانية توسيع نفوذها الثقافي والسياسي وتحقيق فوائد اقتصادية، فضلا عن تعزيز أمنها من خلال بناء شراكات مع الدول الساحلية على البحر الأحمر.

وتتمتع السعودية الآن بالوسائل الاقتصادية والإرادة السياسية للقيام بذلك، وقد أشارت القمة إلى اعتزامها زيادة تواجدها بالقارة السمراء، بما يرسخ اقتصادها ومكانتها الدولية.

المصدر | رونان وردزورث/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية أفريقيا محمد بن سلمان إيران طهران الرياض تركيا الإمارات جيبوتي كينيا جنوب أفريقيا بريكس

كيف أصبحت السعودية بمثابة الصين الجديدة في استقطاب الاسثمارات؟