استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاستيطان والبروباغندا

الجمعة 1 ديسمبر 2023 01:08 م

الاستيطان والبروباغندا

لم تكن مصادفة أن يخرج الأمريكيون الأصليون مؤخرًا فى التظاهرات الداعمة لفلسطين!

بينما يعتبر «عيد الشكر» عطلة رسمية للاحتفال فإن مجتمعات السكان الأصليين تعتبره «يوم حداد»، وتطالب بتغيير الحكاية الرسمية فى الكتب المدرسية.

سفينة «الحجيج» لم تكن بحال بداية الاستيطان الأوروبى بأمريكا الشمالية. فقد سبقهم الإسبان بقرون. والثابت أن الإنجليز استوطنوا فيرجينيا قبل ماساتشوستس.

أسطورة عيد الشكر تسدل ستارًا سميكًا على ما تعرض له السكان الأصليون بعد 1621 من مذابح وتهجير قسرى على يد المستوطنين من أوروبا عبر حروب مستمرة بدأت أواخر القرن 18 واستمرت قرنا حتى نهايات القرن 19.

* * *

احتفلت الولايات المتحدة الأسبوع الماضى «بعيد الشكر»، وفى تلك الليلة تُعد الأسر الأمريكية وليمة من الديكة الرومية والقرع العسلى احتفالًا بالمناسبة. وعيد الشكر ليس احتفالًا دينيًا ولا علاقة له بالمسيحية، وإنما حكاية تنطوى على جملة من الأساطير تروج لأمريكا باعتبارها الأمة «الاستثنائية» التى تتصف بـ«الكرم» والجود.

فالرواية الرسمية التى يدرسها أطفال المدارس تصف المستوطنين الأوروبيين بـ«الحجيج». فالإنجليز البروتستانت أبحروا هربًا من الاضطهاد الدينى، وبحثًا عن «أرض جديدة» يقيمون فيها «مملكة الله على الأرض»، واعتبروها «أرض الميعاد»، واعتبروا أنفسهم كالحجيج.

وهم وصلوا عام 1620 بليموث بولاية ماساتشوستس، فاحتفى بهم أهل الأرض الأصليون. ومن بينهم شاب يدعى سكوانتو كان قد تعلم الإنجليزية من الصيادين والتجار الذين كانوا يأتون فى السابق، فعلَّم المستوطنين فنون الزراعة فزرعوا الأرض. وعندما حل موعد الحصاد على «أرضهم الجديدة» أقاموا وليمة عام 1621 ليشكروا الرب، ودعوا لها السكان الأصليين فاحتفلوا معًا فى وئام!

تلك هى الرواية الرسمية للحكاية التى يتعلمها الصغار فيحتفلون بالمدارس، مرتدين ملابس الطرفين. فـ«الحجيج» يرتدون الملابس الثقيلة والقبعات، بينما «الهنود الحمر» (كما يطلقون عليهم لتجريحهم) شبه عرايا بملابس بدائية كلها من الريش! لذلك، فهى ليست مصادفة أن يصف إعلان الاستقلال الأمريكى الصادر عام 1776 الأمريكيين الأصليين بـ«الهمج».

غير أن المؤرخين فندوا تلك الحكاية. فسفينة «الحجيج» لم تكن بحال بداية الاستيطان الأوروبى فى أمريكا الشمالية. فقد سبقهم الإسبان بقرون. وحتى الإنجليز، فمن الثابت أنهم استوطنوا فيرجينيا قبل ماساتشوستس.

لكن قصة فيرجينيا لا تصلح «للأمة الاستثنائية». فقد أثبتت البحوث أنهم أتوا بحثًا عن الذهب، وظلوا يحفرون الأرض وينبشون القبور وينهبون كل ما يقع فى طريقهم، ثم أجبروا السكان الأصليين إجبارًا على تعليمهم الزراعة. حتى قصة ماساتشوستس نفسها حافلة بالمغالطات.

فلا سكوانتو تعلم الإنجليزية من الصيادين والتجار، ولا المستوطنون بادروا بدعوة السكان الأصليين للوليمة! فالثابت أن سكوانتو أسره التجار حين كان طفلًا وباعوه كعبد فى إسبانيا فهرب لاحقًا لبريطانيا وهناك تعلم الإنجليزية، ثم نجح فى إقناع إنجليزى بأن يصحبه معه للعودة لبلاده.

وحين وصل بليموث، موطن رأسه، وجدها خالية عقب وباء أتى على سكانها، بمن فيهم أهله، فبقى فيها، وعلَّم المستوطنين الزراعة فعلًا. وحين جاء موسم الحصاد أقام المستوطنون احتفالًا.

لكن مدن السكان الأصليين المجاورة سمعت أصوات طلقات صادرة من الاحتفال، فهرع تسعون مسلحًا منهم نحو المكان لاستطلاع الأمر. غير أن هناك غموضًا تاريخيًا حول ما إذا كان المستوطنون وقت أن رأوهم دعوهم لتناول الطعام، وما إذا كان الجنود شاركوهم الطعام أم حطموا الاحتفال. لكن القدر المتيقن هو أن الصورة لم تكن وردية مثلما تروج لها الكتب المدرسية الأمريكية.

وبينما يعتبر «عيد الشكر» عطلة رسمية للاحتفال فإن مجتمعات السكان الأصليين تعتبره «يوم حداد»، وتطالب بتغيير الحكاية الرسمية فى الكتب المدرسية. ويقولون إن تلك الحكاية لا تسمح للأطفال بإدراك أن السكان الأصليين كانوا أممًا وممالك لها حضارتها قبل قدوم المستوطنين.

كما أنها أسطورة تسدل ستارًا سميكًا على ما تعرض له السكان الأصليون بعد 1621 من مذابح وتهجير قسرى على يد المستوطنين «المهاجرين» من أوروبا عبر حروب مستمرة بدأت فى أواخر القرن الثامن عشر واستمرت مائة عام كاملة حتى نهايات القرن التاسع عشر.

لكل ما تقدم، لم تكن مصادفة أن يخرج الأمريكيون الأصليون مؤخرًا فى التظاهرات الداعمة لفلسطين!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

الاستيطان أوروبا الانجليز المستوطنين البروباغندا الحجيج أمريكا الشمالية الأمريكيون الأصليون عيد الشكر السكان الأصليون

مؤتمر الاستيطان في القدس يثير خلافات داخل حكومة نتنياهو.. كيف علقت المعارضة؟