استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

الأحد 3 ديسمبر 2023 04:13 ص

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ، ولا الآخرية otherness، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً.

الدراسات النقدية للكولونيالية تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى.

إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

بين إدوارد سعيد أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع في الكونية الإنسانية التي هي براديغم الحداثة الغربية.

* * *

بعد أحداث غزة الأخيرة التي اصطف فيها بعض كبار مفكري الغرب وكتابه مع العدوان الإسرائيلي، تساءل صديقي الفيلسوف التونسي صالح مصباح:

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

الصديق صالح مصباح من أوائل فلاسفة العرب اطلاعاً على الدراسات النقدية للكولونيالية، وقد خصص كثيراً من جهده لكتابات توني نغري ومايكل هاردت وجورجيو أغامبن.. وهي في عمومها تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى. لقد بدأ هذا التوجه في الفلسفة الغربية المعاصرة مع ميشال فوكو وريتشارد رورتي.

أولهما فرنسي تمحورت دراساتُه حول العلاقة المركبة بين المعرفة والسلطة في الخطابات المعرفية وأنظمة العقاب والرغبة، مبيِّناً أن إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

وثانيهما أميركي رفض بشدة التصور الموضوعي للوجود من منظور تداولي يكرس أولوية التضامن على الحقيقة الوجودية، بما يفسح المجال أمام أخلاقية مفتوحة للنقاش العمومي دون مرجعيات أنطولوجية ثابتة أو محددة.

ومع أن الفيلسوفين المذكورين لم يخرجا من مدونة الفكر الغربي، إلا أن أعمالهما وُظِّفت على نطاق واسع في الدراسات النقدية لما سماه الكاتب المصري سمير أمين «الكولونيالية الإبستمية»، وهو يعني بالعبارة الخلفيةَ الاستعمارية للمقولات والنظريات الفلسفية والعلمية التي تتناول الإنسان غير الغربي.

ولعل أهم ممارسة نظرية جدية للنقد الكولونيالي برزت في البداية في كتابي المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية».

لم يكن قصد سعيد كما يستشف من كتابه الأول نقد الدراسات الاستشراقية التي تعرضت للإسلام الوسيط والثقافة العربية الكلاسيكية، وإنما كان غرضه أن يبين كيف أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا يمكن أن ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع من منظور الكونية الإنسانية التي هي برادايم الحداثة الغربية.

لم يكن إدوارد سعيد فيلسوفاً، وإنما كان ناقداً وأديباً وناشطاً سياسياً ومدنياً فاعلاً، إلا أنه دشَّن مسلكاً منهجياً هاماً في الفكر الفلسفي والدراسات الإنسانية عرف بـ«ما بعد الكولونيالية» و«دراسات التابع» (subaltern studies).

وقد انتشر هذا المسلك لدى مفكرين بارزين من آسيا وأفريقيا وداخل الجامعات الأميركية. الإشكال الذي ظل مطروحاً بالنسبة لهؤلاء الباحثين هو إلى أي حد تمكن الاستعانة بمناهج وأدوات المفكرين الغربيين الذين نقدوا سردية الكونية الأوروبية في البحث عن ما سماه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، تبعاً لأنطونيو غرامشي، «الاستقلال الحضاري للذات»، أي بناء قاعدة صلبة للهوية المختلفة عن المركزية الغربية وسلطتها المطلقة؟

لقد بدا للبعض من مفكرينا أن الحل هو اعتماد فلسفات المغايرة والاختلاف بديلاً عن فلسفات الوعي والذات، لتأكيد حقوقنا في التميز والانفصال، بيد أن هذا الطريق قاد إلى أفق مسدود، بعد أن ظهر جلياً للعيان أن برادايم الاختلاف هو آخر قلاع المركزية الغربية وأصعبها على الاختراق والتجاوز.

لقد تساءل مرة الفيلسوف السوري غانم هنا: ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

لا محيد عن الإقرار بأن الذين راهنوا من بيننا على فلسفة الاختلاف والمغايرة بحثوا عن قاعدة نظرية صلبة لحقوق التميز الثقافي والحوار الحضاري المتكافئ، لكنهم لم يقيموا شأناً لما سماه كانط «سياسات الحقيقة» التي تحيل إلى رهانات قوة وهيمنة خارج الإطار المعرفي نفسه. وعلى العموم لا خطر على المركزية الغربية من تجاور لا أثر له على توازنات القوة، ومِن حقوقٍ شكلية مجردةٍ لا تأثيرَ لها في الواقع العملي.

وكما يقول الفيلسوف الكاميروني آشيل بمبة، فإن التحدي المطروح راهناً ليس الدفاع عن الاختلاف الذي هو في نهاية المطاف ضربٌ من الانكفاء والانعزال، بل الدفاع عن الكونية المشتركة المتكافئة التي تجمع بين متشابهين في الإنسانية.

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ كما يقول هايدغر، ولا الآخرية كما يقول لفيناس، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً، بما يعني ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

الغرب المركزية غزة العدوان الإسرائيلي الكولونيالية الكونية الدراسات النقدية المركزية الغربية الخلفيةَ الاستعمارية النزعة الإقصائية خطاب الهوية الفكر الأوروبي