بين رفض التهجير ومواصلة للحصار.. مصر عالقة في "التخبط" إزاء حرب غزة

الخميس 7 ديسمبر 2023 11:03 ص

سلط مدير البحث والتحليل في المركز العربي بواشنطن، عماد حرب، الضوء على ما وصفه بـ "التخبط" الذي تعاني منه مصر منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أن القاهرة لطالما اعتبرت القطاع "نقطة ضعف" منذ أن حكمته قبل عام 1967، وحتى بعد استعادتها السيطرة على شبه جزيرة سيناء من إسرائيل في عام 1982.

وذكر حرب، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن مخاوف مصر تصاعدت منذ أن بدأ حكم حماس لغزة في عام 2007، إذ ظلت تنظر إلى التطورات داخل غزة أو الناتجة عن علاقات إسرائيل مع القطاع من منظور العلاقات المصرية الإسرائيلية التي بدأت عام 1979.

فمنذ عام 2007، كانت مصر حريصة على عدم الظهور بمظهر المتسامح للغاية مع حماس أو المتناقض للغاية مع السياسة الإسرائيلية تجاه الحركة أو الإقليم، وفي مناسبات عديدة، تم استكمال المطرقة الإسرائيلية المتمثلة في حصار غزة ومهاجمة سكانها ومنشآتها بسندان مصري يتمثل في الإغلاق المتكرر لمعبر رفح الحدودي، وتدمير الأنفاق المستخدمة لتهريب المواد، وبناء التحصينات على الحدود.

واليوم، أصبحت مصر مدعوة لتكون لاعباً لا غنى عنه في غزة، ومع ذلك، فإن لعب مثل هذا الدور يتناسب بشكل مباشر مع سجل علاقات القاهرة مع حماس منذ عام 2007، فضلاً عن تاريخ علاقاتها مع الدولة الصهيونية.

ويرى حرب أن تجاوز الخط الفاصل بين العلاقتين يعد مهمة صعبة لأنه "لا يمكن التوفيق بينهما"، إذ لا يمكن الحفاظ على العلاقات الودية مع إسرائيل في ظل سياسة الأخيرة الواضحة المتمثلة في ممارسة لعبة محصلتها صفر مع الفلسطينيين.

 وفي النهاية، من المرجح أن تتمكن مصر من التعامل مع الأزمة المستمرة في غزة، ولكن من دون الإذعان للمطالب الإسرائيلية بقبول تدفق الفلسطينيين أو لطلبات الولايات المتحدة بدور أمني مصري في القطاع ما بعد الحرب، حسب ترجيح حرب.

السخط العام

ومثل معظم دول العالم العربي، شهدت مصر نصيبها من الغضب الشعبي بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن المعارضة الشعبية يتم التعبير عنها في الغالب من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

فقانون التظاهر الصارم في مصر، والذي صدر عام 2013 في أعقاب الانقلاب العسكري ضد الرئيس الإسلامي، محمد مرسي، يحد بشدة من قدرة المصريين على التجمع السلمي، وخاصة في ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية عام 2011.

ومع ذلك، تجرأ المواطنون على تنظيم احتجاج شعبي نادر، وفي ميدان التحرير، بعد أسبوعين تقريبًا من بدء الحرب، ومع معاناة غزة من وطأة الهجوم الإسرائيلي الكامل، وجدت السلطات المصرية صعوبة في قمع هذا التعبير عن التضامن العام مع الفلسطينيين.

ونظم النظام الحاكم في مصر مظاهراته الخاصة التي كانت مخصصة لدعم السيسي أكثر من التعبير عن رفض سلوك إسرائيل، كما لو كان الرئيس يحتاج ذلك قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول، والتي "سيفوز فيها بسهولة من خلال القمع والتلاعب الانتخابي، ليبقى في منصبه حتى عام 2030"، بحسب حرب.

وهكذا عانت التعبيرات العامة عن التضامن مع غزة في مصر من قمع النظام، حيث تم اعتقال وإخفاء العشرات من الناشطين في العديد من مدن البلاد.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول، حجبت السلطات المصرية موقع "مدى مصر" الإلكتروني المستقل لمدة 6 أشهر، بزعم "نشر أخبار كاذبة دون التحقق من مصادرها"، وذلك بعد أن نشر الموقع تقارير تفيد بأن مصر تستعد لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين حال طردتهم إسرائيل من غزة.

وفي بداية ديسمبر/كانون الأول، اعتقلت السلطات المصرية 4 نشطاء أجانب في القاهرة لتنظيمهم احتجاجًا لدعم غزة أمام وزارة الخارجية.

قضية اللاجئين

وهنا يشير حرب إلى أن "الجغرافيا هي لعنة مصر في الأزمة الحالية في غزة"، باعتبارها الدولة العربية الوحيدة المتاخمة للقطاع، وبالتالي فهي المرشح الرئيسي لاستقبال وإعادة توطين اللاجئين الفارين من الحرب أو الذين طردوا منه بسبب حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد المدنيين الأبرياء.

ويؤكد حرب إن نية إسرائيل لإخلاء القطاع من سكانه في إطار جهود التطهير العرقي كانت واضحة منذ بداية الحرب، ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أمر الجيش الإسرائيلي 1.1 مليون فلسطيني في شمال غزة بالانتقال إلى جنوب مدينة غزة، بدعوى سلامتهم من العمليات العسكرية وفصل أنفسهم عن نشطاء حماس.

ولا يمكن فهم هكذا أمر إلا كجزء من محاولة محتملة لدفع بعض سكان غزة الفارين على الأقل إلى سيناء، إذ من المتوقع أن تستقبلهم مصر وتأويهم.

وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول، اعترفت وزارة المخابرات الإسرائيلية بوجود خطة جديدة، وردت أيضاً في وثيقة مؤرخة في 13 أكتوبر/تشرين الأول، لنقل 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى مخيمات للاجئين في شمال سيناء، يمكن أن تصبح فيما بعد مدناً.

وفي حين نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن تكون الخطة سياسة مقصودة، واصفا الوثيقة بأنها "ورقة مفاهيمية"، يبدو أن المقترحات الرامية إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء تحت ستار إجراء "مؤقت" في زمن الحرب تحظى بدعم واسع النطاق في أوساط المؤسسة الإسرائيلية، حتى أن تقارير إعلامية كشفت أن إسرائيل أثارت مع العديد من الحكومات الأجنبية فكرة نقل سكان غزة إلى مصر "خلال مدة الحرب".

وأدان المسؤولون المصريون والفلسطينيون مثل هذا الاقتراح باعتباره استمرارًا لسياسة إسرائيل التاريخية المتمثلة في تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم على حساب جيرانها.

ويؤكد حرب أن التطورات التي حدثت منذ ذلك الحين، وتهجير نحو 1.8 مليون من سكان غزة داخل القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا يمكن فصلها عن خطط إسرائيل المحتملة للطرد إلى شمال سيناء.

ويضيف أن معارضة خطط التهجير الإسرائيلية الواضحة، والمخاوف من موافقة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى عليها، دفعت السيسي، خلال مؤتمر صحفي عقده في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع المستشار الألماني الزائر أولاف شولتز، إلى إدانة أي حديث عن توطين اللاجئين في مصر.

وبعبارات وصفها حرب بأنها "غير حكيمة وغير تاريخية"، حذر السيسي من أن هذا الاحتمال "قد يؤدي إلى زيادة الإرهاب ضد إسرائيل واقترح نقل اللاجئين إلى صحراء النقب الإسرائيلية"، فمن خلال السماح لنفسه باتهام الفلسطينيين بالإرهاب المحتمل ضد إسرائيل، أطلق الرئيس المصري خطاباً إسرائيلياً نموذجياً في الوقت الذي كان فيه جيش الاحتلال يرتكب فظائع ضد المدنيين الأبرياء.

وبدا أيضًا أن السيسي يقبل احتمال تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم مرة أخرى، وينسى حقيقة أساسية حول طرد الفلسطينيين، وهي أن إسرائيل التي رفضت السماح للاجئي عام 1948 بالعودة إلى فلسطين التاريخية، ستمنع الفارين من غزة من العودة إليها.

 وهنا يشير حرب إلى عدة مخاوف تثير المعارضة المصرية لقبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة، الأولى أنه من الصعب على النظام المصري أن يتجاهل المشاعر السائدة بين المصريين الذين يرفضون نكبة جديدة للفلسطينيين.

كما أن قبول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للدولة المصرية، ومن شأن إيواء اللاجئين في مخيمات بشمال سيناء أن يشكل معضلة تتعلق بالقانون والنظام بالنسبة للسلطات المصرية التي تقاتل تمردًا جهاديًا مستمرًا منذ عقد من الزمن في سيناء.

والقيام باستقبال لاجئين فلسطينيين من شأنه أيضاً أن يسبب كابوساً لوجستياً ومالياً هائلاً لمصر، بالنظر إلى الاحتياجات الإنسانية الواسعة لهم، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري بالفعل من أزمة كبرى، تتسم بتضخم قياسي، وصل إلى ما يقرب من 40% في أغسطس/آب، وانخفاض قيمة العملة بعدما فقد الجنيه 50% من قيمته على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، ودين عام ضخم يمثل 93% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ودين خارجي يبلغ 163 مليار دولار.

وفي حين يمكن للمساعدات الدولية أن تساعد في إعادة توطين اللاجئين، ستكون هناك دائما تكاليف خفية لن تتمكن مصر من تغطيتها، بحسب حرب، الذي لفت إلى خطر آخر يتمثل في تسبب وجود لاجئين فلسطينيين بمصر في إعادة مصر إلى لعب دور مباشر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الدور الذي حاول الرؤساء منذ أنور السادات جاهدين تجنبه.

فمصر كانت ولا تزال تشارك في المناقشات والمفاوضات والترتيبات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بغزة، ولكن منذ معاهدة السلام مع إسرائيل أصبحت القاهرة منفصلة عن التبني الكامل للمطالب الفلسطينية الأساسية، حسب تقدير حرب.

 وإنشاء معسكرات لتوطين الفلسطينيين في سيناء من شأنه أن يعيد مصر إلى دائرة المصالح التي انسحبت منها منذ عقود.

الموقف الأمريكي

وأثارت الإشارة في وثيقة ميزانية البيت الأبيض، الصادرة في 20 أكتوبر/تشرين الأول، إلى المساعدات الخارجية الأمريكية "للاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة" و"التهجير عبر الحدود"، مخاوف من أن إدارة بايدن قبلت بهدوء فكرة إسرائيل المتمثلة في دفع الفلسطينيين إلى سيناء.

وهنا يشير حرب إلى أن الإدارة الأمريكية ربما كانت مقتنعة بأن الفكرة ستحافظ على حياة الفلسطينيين، من دون التفكير الضروري بأن أولئك الذين يغادرون غزة قد لا يُسمح لهم بالعودة أبداً.

ومع ذلك، فإن التطورات في إدارة العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة والضغط الشعبي محليًا وعالميا، والذي تجلى في احتجاجات ومظاهرات كبيرة، دفعت إدارة بايدن إلى توضيح معارضتها لأي تطور يتعلق بتهجير الفلسطينيين.

وفي أعقاب المزيد من الغضب بشأن أمر إسرائيل لسكان غزة بالفرار إلى الجنوب، تخلى المسؤولون الأمريكيون تمامًا عن أي تلميح لدعم نقل المدنيين، على الرغم من أنهم يواصلون الدعوة إلى فتح ممرات آمنة وإقامة هدنة إنسانية في غزة.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، أعربت إدارة بايدن عن موقف ضد أي تهجير قسري للفلسطينيين وكذلك ضد إعادة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع.

ورداً على تصريحات نتنياهو حول دور إسرائيلي محتمل إلى أجل غير مسمى في غزة، حذر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، من احتلال إسرائيلي آخر للقطاع، قائلاً إن الفلسطينيين وحدهم هم من سيقررون حكمهم.

وفي حديثه خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في طوكيو، رفض بلينكن أي نقل للفلسطينيين أو تقليص لحدود غزة.

وفي 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفي اجتماع مؤتمر قمة المناخ "كوب 28" في دبي، كررت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، ما أصبح دليلًا لسياسة الولايات المتحدة تجاه غزة، مشددة على أنه في فترة ما بعد الحرب، لن يكون هناك "تهجير قسري، ولا إعادة احتلال، ولا حصار، ولا تقليص للأراضي، ولا استخدام غزة كمنصة للإرهاب".

ويرى حرب أن هذه التأكيدات من جانب الحكومة الأمريكية ربما تكون أفضل الضمانات التي كانت مصر تنتظرها للاستغناء نهائيًا عن فكرة استضافة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في شمال سيناء، لكن ما يتبقى هو أن توجه إدارة بايدن دعوة واضحة لوقف إطلاق النار في غزة، حيث أن رفض الولايات المتحدة القيام بذلك يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة القتل الجماعي في القطاع.

حالة التخبط

وبالنظر إلى موقفها الضعيف نسبياً تجاه إسرائيل، واعتمادها على الدعم الأمريكي، فضلاً عن مواجهة الضغوط المحلية والإقليمية لتقديم موقف متعاطف تجاه الفلسطينيين وتجاه غزة على وجه الخصوص، فقد تبنت مصر موقفاً وصفه حرب بأنه "أقل من المتوقع".

فقد كان رفض مصر قبول اللاجئين على أراضيها مصحوباً بإحجامها عن الحد من حرية الحركة عبر معبر رفح، وهو القرار الذي كان متفقاً إلى حد كبير مع سياسة القاهرة القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالحصار المفروض على غزة.

وبعد أسابيع من المفاوضات حول تقديم المساعدات الإنسانية لشعب غزة، سُمح بمرور مئات الشاحنات عبر معبر رفح، على الرغم من أن هذا العدد لا يقترب بأي حال من الأحوال من تغطية الاحتياجات المعلنة.

وسمحت مصر أيضًا بخروج عدد من مزدوجي الجنسية والأجانب من غزة، وبنقل عدد صغير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية.

وإضافة لذلك، لعبت مصر دوراً هاماً في التوصل إلى وقف القتال في غزة لمدة 7 أيام والذي شهد إطلاق سراح حوالي 200 سجين إسرائيلي وفلسطيني، كما أعلنت أن نية إسرائيل للقضاء على حركة حماس في غزة هي ببساطة غير واقعية وأنها لن تلعب دورا بعد الحرب في إدارة الأمن في القطاع.

كما تعارض مصر، إلى جانب دول عربية أخرى، خطة إسرائيلية لإنشاء منطقة أمنية عازلة داخل قطاع غزة على طول حدودها مع القطاع.

ومن المؤكد أن مصر لا تقبل بإسناد دور أمني لها في غزة، وهو الدور الذي من شأنه أن يلبي مطالب إسرائيل بإخضاع القطاع.

فالقيام بأي دور من هذا القبيل من شأنه أن يعيد مصر إلى مركز المداولات والمفاوضات والترتيبات المتعلقة بمستقبل قضية فلسطين، وهو ما أرادت مصر الانفصال عنه منذ عقود بسبب الأعباء الأمنية والسياسية والاقتصادية المرتبطة به.

وبدلاً من ذلك، فما يمكن لمصر فعله هو اتباع مسار المهام المخصصة، مثل التفاوض على هدنة قصيرة المدى وإدارة معبر رفح، دون تقديم مبادرات كبرى.

وإزاء ذلك، يخلص حرب إلى أن مصر ستستمر، بالمستقبل المنظور، في حالة من التخبط بطريقة "تحمي مصالح نظامها العسكري، وكذلك مصالح رؤسائه".

المصدر | عماد حرب/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر غزة إسرائيل حماس سيناء معبر رفح اللاجئين الفلسطينيين

أوكسفام: الاحتلال ينفذ عقابا جماعيا في غزة ومناطقه الآمنة غير محمية

أوضاع الفلسطينيين في رفح كارثية.. "لعنة الله على هذا العالم الحقير"