قادة الخليج وحرب غزة.. تصاعد للمخاوف الوجودية وإحباط من الولايات المتحدة

الخميس 14 ديسمبر 2023 08:03 ص

سلط موقع "كريستيان ساينس مونيتور" الضوء على موقف شيوخ الخليج من طول أمد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى أن هؤلاء الشيوخ "قد يكونون سعداء برؤية واشنطن تولي اهتماما أكبر للشرق الأوسط مما كانت عليه في السنوات الأخيرة، لكنهم يشعرون بإحباط شديد بسبب الطريقة التي أثبتت بها الإدارة الأمريكية عدم قدرتها أو عدم رغبتها في استخدام نفوذها لدى إسرائيل لوقف الحرب".

وذكر الموقع، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن زعماء الخليج يرون أن هذه الحرب تشكل تهديدا وجوديا محتملا، ويخشون أن تشعل موجة جديدة من التطرف والعنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، تماما كما فعل الغزو الأمريكي للعراق، ما قد يهدد مستقبلهم.

وأضاف أن دول الخليج حاولت ممارسة المزيد من النفوذ، بتحالف دبلوماسي يركز، في البداية، على وقف إطلاق النار، وقدمت الإمارات العربية المتحدة قرارا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده، ما جعل أمريكا "مسؤولة عن مواصلة الحرب"، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين العرب.

لكن المنطقة تواجه مفارقة الآن، كما يقول أحد المسؤولين السعوديين، موضحا: "أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة التي لديها القدرة على حمايتنا من التهديدات الخارجية، ولكن ماذا يحدث عندما تكون القوة الوحيدة التي يمكنها ضمان أمنكم غير مستعدة لفعل أي شيء لوقف الحرب التي تهدد ذلك؟".

ومن طرف الخليج إلى الطرف الآخر من العالم العربي، أصبح الإحباط في العواصم العربية واضحا، واكتست الروح الإيجابية للتعاون الإقليمي، التي سادت المنطقة قبل شهرين فقط، بالإحباط تجاه الولايات المتحدة.

وسعياً للحد من تلك الحرب، التي يُنظر إليها الآن على أنها تهديد وجودي محتمل، تتعاون مشيخات الخليج مع مصر والأردن للعمل ككتلة موحدة، على أمل أن يؤدي نفوذها المشترك إلى وضع حد للصراع قبل أن يشعل موجة جديدة من التطرف والعنف.

وفي السياق، ينقل "كريستيان ساينس مونيتور" عن دبلوماسي خليجي (لم يسمه) قوله: "لا نريد أن يسقط الوسط المعتدل. إن هذه الحرب لا تهدد فقط كل التقدم الذي أحرزناه في العامين الماضيين. إنها تهدد بأن تكون حربًا أخرى في العراق وتخلق دائرة من العنف وعدم الاستقرار تنتشر في جميع أنحاء المنطقة".

وحذر ولي العهد البحريني، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، قائلاً: "فكروا فيما سيخلقه هذا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي"، مذكراً كيف مهد الغزو الأمريكي للعراق الطريق لصعود تنظيم الدولة.

وقال آل خلفية للمشاركين في مؤتمر أمني دولي: "أعتقد أننا سننظر إلى السنوات العشرين المقبلة الأكثر صعوبة بكثير"، مشيرا إلى أن الحرب في غزة أعادت الصراع من جديد إلى منطقة كان فيها الانفراج والتعاون يترسخان.

وهنا يشير التقرير إلى أن حرب غزة كانت تمثل لدول الخليج، في البداية، "إزعاجا"، لكنها تحولت إلى "تهديد أمني"، إذ يرى قادة تلك الدول أن الحرب بين إسرائيل وحماس تعمل على تقويض فكرة الاعتدال ذاتها، وتعزيز "المتطرفين الإسلاميين المتعاطفين" مع حماس، حسب توصيفهم.

ويضيف التقرير أن قادة الخليج خلصوا إلى أنه "كلما طال أمد الحرب، زادت احتمالية تهديدها للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي والنظام الملكي الأردني"، وانهيار كلا النظامين سيمثل "كارثة"، وفقا لعدد من كبار المسؤولين الخليجيين.

كتلة جديدة

كما تشعر دول الخليج بالقلق من الضغط الذي تفرضه الحرب على الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل، والتي يطالب الرأي العام فيها بالتحرك، ومنها مصر، التي تزايدت الاحتجاجات التي تستهدف الرئيس عبدالفتاح السيسي فيها.

 وفي الأردن، دعت المظاهرات شبه اليومية إلى إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان.

وفي البحرين، تستمر الاحتجاجات على نطاق صغير، في حين أثارت الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل حملات قمع عنيفة من قبل السلطات في المغرب.

وفي غياب موقف أمريكي واضح، اتحدت الدول العربية في كتلة، ونسقت جهودها الدبلوماسية وتجمعت حول 3 "لاءات"، هي: لا تهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة، ولا قوات عربية في غزة، ولا إعادة احتلال إسرائيلي للقطاع.

ووصف العديد من المسؤولين العرب هذا التعاون بأنه التنسيق الأقرب بين الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية منذ أجيال، وتلعب كل دولة فيه وفق نقاط قوتها النسبية، إذ تحتفظ قطر بقنوات دبلوماسية وقنوات اتصال مع حماس للتوسط في محادثات وقف إطلاق النار واحتجاز الرهائن، وتحتفظ الإمارات العربية المتحدة بعلاقاتها مع إسرائيل، ويوفر النفوذ الأردني في الضفة الغربية صوتاً دبلوماسياً للفلسطينيين، فيما تشكل مصر، المتاخمة لغزة، ممرا للمساعدات الإنسانية.

ووضعت الكتلة العربية خططًا لليوم التالي في غزة، بما في ذلك الحكم الفلسطيني الجديد في غزة ليحل محل حماس، وخطة إعادة الإعمار الممولة من الخليج بقيمة مليارات الدولارات.

أين الصين؟

وكثفت الكتلة العربية، بقيادة خليجية، جهودها الدبلوماسية الجماعية للضغط على إدارة بايدن للدعوة إلى وقف القتال أو إنهائه في غزة، وأدى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، والذي قدمته الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة الماضي، إلى استخدام الولايات المتحدة حق النقض الذي كان متوقعًا، ما "جعل أمريكا تتولى مسؤولية مواصلة الحرب"، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين العرب.

وتمت الموافقة بأغلبية ساحقة على قرار متابعة غير ملزم للجمعية الأممية العامة يدعو إلى وقف إطلاق النار، والذي قدمته مصر يوم الثلاثاء. وكانت الولايات المتحدة واحدة من 10 دول فقط صوتت ضد القرار، ما زاد من عزلة واشنطن على الساحة العالمية.

وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في بيان نشره على منصة إكس، إن "التصويت ضد القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم يرقى إلى مستوى التغاضي عن جرائم الحرب".

وإذا كان اهتمام الولايات المتحدة المتجدد بالشرق الأوسط لم يكن كافياً لفرض وقف إطلاق النار، فإنه مع ذلك يشكل لغزاً للدول العربية.

فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قامت دول الخليج العربية وحلفاؤها ببناء تحالفات واتصالات مع الصين حيث شعرت بتحول واشنطن بعيدًا عن الشرق الأوسط نحو آسيا، بما يعني أنها لم تعد ضامنًا موثوقًا للأمن.

وفي الآونة الأخيرة، عززت دول الخليج علاقاتها مع الصين، التي يُنظر إليها على أنها منافس للنفوذ الأمريكي في المنطقة، كما عززت علاقاتها مع روسيا.

ومع ذلك، ومنذ اندلاع الحرب في غزة، لم يكن لا للصين ولا لروسيا وجود فاعل أو مؤثر، ما دفع أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبد الله، إلى التساؤل: "بعد كل الحديث عن التدخل الصيني في المنطقة، أين المسؤولون الصينيون؟".

ولم يقم أي مسؤول صيني رفيع المستوى بزيارة أي عاصمة عربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ وكانت روسيا، التي أنهكتها حربها في أوكرانيا، غائبة إلى حد كبير.

وفي المقابل، يتناوب وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، أوستن لويد، ومدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ومسؤول شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغورك، زيارة العواصم العربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وكان التزام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، العسكري تجاه إسرائيل وحشده السريع للسفن الحربية إلى المنطقة سببا في تعزيز موقف أمريكا المهيمن مرة أخرى وأعاد إشعال رغبة دول الخليج في تأمين اتفاقيات أمنية مع الولايات المتحدة.

ووصف مسؤول سعودي هذا الوضع بأنه "مفارقة"، قائلا: "أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة التي لديها القدرة على حمايتنا من التهديدات الخارجية. ولكن ماذا يحدث عندما تكون القوة الوحيدة التي يمكنها ضمان الأمن غير مستعدة لفعل أي شيء لوقف الحرب التي تهدد ذلك؟"

المصدر | كريستيان ساينس مونيتور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج إسرائيل غزة الولايات المتحدة واشنطن الشرق الأوسط سلمان بن حمد آل خليفة المنامة محمد بن عبد الرحمن آل ثاني

هكذا اتسعت دائرة النار من غزة إلى البحر الأحمر (تسلسل زمني)

تقدير أوروبي: هكذا نستغل في الخليج انحياز أمريكا لإسرائيل