فايننشال تايمز: هل تقترب لحظة الحقيقة بين بايدن ونتنياهو بشأن حرب غزة؟  

الخميس 14 ديسمبر 2023 06:38 م

سلطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الضوء على الانتقادات العلنية وغير المسبوقة التي وجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. معتبرة أنها جسدت مخاوف إدارة البيت الأبيض من تداعيات عدوان جيش الاحتلال المتواصل منذ 7 أكتوبر/ على قطاع غزة، وتنذر باقتراب لحظة الحقيقة بين الحلفيين.   

وذكرت الصحيفة أنه على مدار أكثر من شهرين، أجرى بايدن العديد من المحادثات الصعبة بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة مع نتنياهو لكن خلافاتهما ظلت خلف الكواليس في هذا السياق، لكن إحباط الرئيس الأمريكي من نتنياهو وحكومته ظهر إلى العلن الثلاثاء.  

وأوضحت أن بايدن اعترض على "القصف العشوائي" الإسرائيلي لغزة وعداء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.  

واعتبرت الصحيفة أن تصريحات بايدن العلنية وغير الاعتيادية ضد نتنياهو وحكومته تعد أيضا أقوى علامة حتى الآن على التوترات بين الحليفين، وتزايد عدم ارتياح الولايات المتحدة تجاه العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.   

والثلاثاء أفصح بايدن للمرة الأولى، بصورة علنية، عن خلافات بينه وبين القيادة الإسرائيلية، بشأن الحرب الدائرة في غزة، قائلا: إن الحكومة الإسرائيلية وخلافا لموقف واشنطن، ترفض حل الدولتين مع الفلسطينيين. 

وأوضح أنه حث نتنياهو على ضرورة تغيير حكومته (اليمنية المتطرفة)، قائلا "هذه الحكومة في إسرائيل، وهي أكثر حكومة محافظة في تاريخ البلاد، تجعل من الصعب عليه التحرك. هم لا يريدون أي شيء يشبه حل الدولتين، لا من قريب ولا من بعيد ".  

 وفي اليوم السابق لتلك التصريحات، كان بايدن، قد شدّد خلال احتفال في البيت الأبيض، بمناسبة "عيد الأنوار" اليهودي، على وجوب أن يتوخى الإسرائيليون "الحذر" لأن "الرأي العام العالمي يمكن أن يتغيّر في أي وقت".  

 عناق الدب 

ودعم بايدن بقوة وبشكل علني الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة حتى تحقيق هدفيها المعلنين وهما القضاء على حماس وتحرير أسراها من يد المقاومة في قطاع غزة، مخاطرا باحتمال غضب حلفاء في المنطقة.   

لكن بحسب مسؤولين أمريكيين فإن تصريحات بايدن الثلاثاء تشير إلى وصول ما وصفوه بإستراتيجية "عناق الدب" التي يتبعها مع نتنياهو وإسرائيل إلى حدودها القصوى، الأمر الذي سيجعل من الصعب عليه في نهاية المطاف أن يحافظ على مخاوفه خلف الكواليس.    

وتشير إستراتيجية "عناق الدب" إلى محاولة بايدن استخدام العلاقات الودية كوسيلة لتجنب المواجهة وتخفيف التوترات مع حكومة نتنياهو، لكن لا يمكن لتلك الاستراتيجية أن تكون ناجعة إذا كان خلافات جوهرية تحديات كبيرة تتطلب معالجة مباشرة ومستقبلية.   

ولفتت الصحيفة إلى أن خلافات بايدن ونتنياهو بشأن حكومته المتطرفة سبقت الحرب على غزة.  

وذكرت أن بايدن ومسؤولون أمريكيون آخرون أعربوا عن مخاوفهم بشأن وجود شخصيات متطرفة - مثل الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش - في حكومة نتنياهو، وكذلك العنف الذي يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.  

وأضافت أن عنف المستوطنين المدعوم من المسؤولين المتطرفين بالحكومة الإسرائيلية تزايد منذ اندلاع الحرب، ووفقا للأمم المتحدة وقع 336 هجوما من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال تلك الفترة.  

وبعد الحرب، اختلف بايدن ونتنياهو حول مستقبل غزة. وقال مسؤولون أمريكيون علنا إن السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية، يجب أن يكون لها دور في حكم القطاع بعد الحرب، وأصروا على أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تعيد احتلال غزة أو تقليص أراضيها.  

لكن في المقابل رفض نتنياهو هذا المقترح، وقال مرارًا وتكرارًا إنه لن يقبل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة.  

وشعر المسؤولون الأمريكيون بالإحباط إزاء عدم رغبة حكومته في مناقشة السيناريوهات الواقعية لـ"اليوم التالي" في غزة، وعدائها لحل الدولتين على المدى الطويل.  

 ضوء أصفر  

ونقلت الصحيفة البريطانية عن شخص مطلع على المباحثات الأمريكية الإسرائيلية قوله إن "المنطقة تتطلع إلى الولايات المتحدة لحمل إسرائيل على طرح موقف إيجابي لكن واشنطن لا تحرز تقدما كبيرا."  

واعتبر آرون ديفيد ميلر، محلل شؤون الشرق الأوسط والزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تصريحات بايدن بشأن نتنياهو وحكومته بمثابة ضوء أصفر ينذر بتزايد الخلافات بين واشنطن وتل أبيب بشأن حرب غزة وتداعياتها.   

وذكرت الصحيفة أن أحد مصادر الاحتكاك الكبيرة بين بايدن ونتنياهو هي التكلفة الإنسانية المرتفعة للغزو الإسرائيلي لغزة، الذي أودى بحياة أكثر من 18 ألف شخص، بينما أدى إلى نزوح الغالبية العظمى من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وجعل معظم الأراضي غير صالحة للسكن.  

 

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على إسرائيل؛ للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، خاصة مع قيامها بتوسيع هجومها البري إلى جنوب قطاع غزة، حيث فر معظم السكان، لكن عدد الشهداء الفلسطينيين استمر في الارتفاع منذ استئناف القتال هذا الشهر بعد هدنة قصيرة لوقف إطلاق النار في غزة.  

ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الغربيين قوله: "من الواضح جدًا أن إسرائيل تريد مواصلة العملية العسكرية في الجنوب، وتحرير أسراها من غزة، وتدمير البنية التحتية لحماس وقتل أو أسر قيادتها.. وسيستمرون في ذلك حتى ينتهوا من الثلاثة."  

 حسابات داخلية  

ويرى محللون إسرائيليون أن موقف نتنياهو الرافض لأي مقترحات أمريكية مدفوعا جزئيا بحسابات سياسية داخلية، مع تزايد التوقعات بإجراء انتخابات العام المقبل.  

وكتب أنشيل فيفر، كاتب العمود وكاتب سيرة نتنياهو، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية: "يعلم نتنياهو أنه بمجرد تقليص إسرائيل هجومها البري في غزة - ففي غضون بضعة أسابيع، لن يتمكن من كبح الطوفان السياسي ضده، وفي المستقبل غير البعيد، سيفقد ائتلافه الحاكم قوته (الأغلبية البرلمانية)". 

وأضاف "سيحاول نتنياهو تأخير تلك اللحظة، لكن غرائزه السياسية تخبره أنه سيتعين عليه خوض انتخابات قريبا – وجميع استطلاعات الرأي تقول إنه سيخسر بفارق كبير.. لذلك فهو يحاول رسم خطوط المعركة للحملة."  

 ووفق الصحيفة فإن نتنياهو ليس وحده الذي يعتبر الحرب قضية سياسية داخلية. 

وأشارت إلى أن تصريحات بايدن ضد نتنياهو جاءت في وقت بدأ يدفع فيه الأول ثمنا سياسيا داخل الولايات المتحدة لدعمه القوي لإسرائيل.  

وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته "فايننشيال تايمز" نُشر هذا الأسبوع، أن 40% من الناخبين الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات مالية وعسكرية "أكثر مما ينبغي" لإسرائيل في حربها ضد حماس.  

 انخفضت معدلات تأييد بايدن، وفقًا لمعدل استطلاعات الرأي على موقع 538.com، بشكل أكبر منذ اندلاع الحرب، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه يتخلف عن منافسه الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقبلة.   

ولطالما شعر بايدن بعلاقات شخصية عميقة ووثيقة مع إسرائيل، الأمر الذي ساعد في تحديد نهجه الحالي، لكن مسؤولين آخرين صعّدوا من رفضهم لهذا النهج.  

وحذر وزير الدفاع لويد أوستن هذا الشهر من أن إسرائيل تخاطر بـ "هزيمة استراتيجية" ما لم تفعل المزيد لحماية المدنيين في غزة.  

 لحظة الحقيقة  

وفي إسرائيل يخشى بعض المراقبين أن يكون الخلاف الأمريكي نذيراً لتمزق قوى للعلاقات بين واشنطن وتل أبيب. 

وفي هذا الصدد، قال عامي أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي: "أعتقد أن لحظة الحقيقة قادمة، وقريباً". 

وقارن أيالون الضغوط الأمريكية الحالية بنظيرتها إبان فترة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر والتي كانت تستهدف "إعادة تقييم" العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في السبعينيات والتي أثارت أزمة في العلاقات.  

وقال أيالون: يمكن لبايدن أن يفعل شيئاً مماثلاً. يمكنه أن يقول: على أن أفكر في العلاقات مع تل أبيب"، وسيعرف الجميع حينها ما يعنيه ذلك: وهي نهاية محتملة للمساعدات العسكرية وعدم استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". 

ويقول آخرون إنه في حين أن انتقادات بايدن لنتنياهو أصبحت أكثر وضوحا، فإن إدارته لا تزال بعيدة عن الانفصال عن إسرائيل بشأن الحرب. 

وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين يقولون سراً وعلناً إنهم بينما يريدون نهاية سريعة للحرب، فإنهم يتفقون مع هدف إسرائيل المتمثل في تفكيك حماس. 

وأثناء انتقاده لإسرائيل، قال بايدن الثلاثاء إن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء سوى حماية إسرائيل خلال أزمتها الحالية مع حماس أم الأخيرة فيجب القضاء عليها.   

ووصف ميلر موقف بايدن بأنه جزء من "الإحباط المتزايد" تجاه حليف الولايات المتحدة.  

وعقب "لكنني لن أفسر هذا على أنه أننا نسارع نحو لحظة الحقيقة. . . وأن الرئيس على وشك أن يقول لنتنياهو كفى”. 

 

المصدر | فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جو بايدن بنيامين نتنياهو انتقادات بايدن لإسرائيل الحرب على غزة

يسعى لبقائه السياسي فقط.. هآرتس لبايدن: المشكلة هي نتنياهو نفسه

بسبب غزة وما بعدها.. كاتب أمريكي: هل تتصادم واشنطن وتل أبيب قريبا؟

فاتورة الهزيمة في غزة.. من يدفعها أولا: بايدن أم نتنياهو؟