استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاستباحة والمقاومة

الخميس 8 فبراير 2024 01:36 ص

الاستباحة والمقاومة

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه.

الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة لمن يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

تعرية المعتقلين من أدوات الاستعمار التقليدية، كالتعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، وتهدف لتظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ ويقاوم.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. لكنها قواعد وأعراف وضوابط لم تكن سارية المفعول في حروب «مكافحة التمرّد» بالمستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، كان عمليا (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم تاريخ الغرب الاستعماري ومنظوره التراتبي العنصري لشعوب العالم.

* * *

يتوارث المستعمرون وسائل وأدوات السيطرة، بعضهم عن بعض. قبل مدة، نشرت وسائل إعلام صهيونية صوراً لعشرات من رجال غزة، وقد جُمعوا شبه عراة في أرض جرفها جيش الاحتلال، الذي ادّعى بأنهم من مقاتلي المقاومة في غزة.

وأمس انتشرت صورة (ثم اختفت عن المواقع) لمعتقل فلسطيني عارٍ ومقيّد اليدين أمام الجندي الصهيوني. ليست في الواقع سوى تكرار لصور مماثلة لمعتقلين عراقيين، وقبلهم لفيتناميين، عراة أمام جلّاديهم الأميركيين، أو لمعتقلين جزائريين، أمام الغزاة الفرنسيين.

تعرية المعتقلين هي أداة من أدوات ترسانة الاستعمار التقليدية، شأنها في ذلك شأن التعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، للمثال لا الحصر، الهادفة إلى تظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ على مقاومته.

لم نرَ ممارسات شبيهة، وتحديداً تعرية للمعتقلين، خلال الحروب الكثيرة والدامية، التي وقعت بين دول أوروبا في القرنيْن 19 و20. راعت هذه البلدان، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، القواعد والأعراف والضوابط السائدة في ما بينها حيال كيفية معاملة أسرى الحرب.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. غير أن مثل هذه القواعد والأعراف والضوابط لم تكن سارية المفعول خلال حروب «مكافحة التمرّد» في المستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، هو كان عملياً (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم كل التاريخ الاستعماري للغرب الجماعي ومنظوره التراتبي لشعوب العالم.

تحمل عملية تعرية المعتقلين بصمات كل الأيديولوجيا العنصرية للاستعمار، وربطها لإذلال أبناء «المجتمعات التقليدية»، أي المتخلّفة في عرفهم، بانتهاك تقاليدها وأعرافها ومعتقداتها، خاصة تلك المرتبطة بالحشمة.

نزع ملابس أسير، وتصويره في وضعيات مهينة، كما جرى في معتقل أبو غريب على أيدي قوات الاحتلال الأميركي للعراق مثلاً، والتسريب المتعمّد للصور، كلّ ذلك كان جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجية مكافحة التمرّد الأميركية لكسر شوكة المقاومة العراقية عبر ترويع حاضنتها الاجتماعية من خلال التلويح بالاستباحة الكاملة.

لم يلتفت العديد من المعلّقين إلى أن أولى عمليات القتل المشهدي لرهائن أميركيين أو غربيين في العراق، عبر قطع رقابهم، تمّت بعد انتشار صور وأفلام الانتهاكات والإذلال المنهجي للمعتقلين العراقيين في أبو غريب وغيره من معتقلات الاحتلال الأميركي، وكردّ فعل انفعالي عليها.

التنكيل بشعوب المستعمرات وارتكاب أفظع الجرائم بحقّها، هما ممارستان من ممارسات الاستعمار القديمة، لكن إدراج هذه الممارسات في إطار عقيدة متكاملة عسكرية وسياسية، تهدف إلى مجابهة حركات التحرر، جرى في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد هزيمة الجيش الفرنسي في حرب فيتنام الأولى.

عكف روجيه ترنكيي، وهو كولونيل فرنسي شارك في هذه الحرب، على دراسة نظريات حرب الشعب (التي بلورها الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ والجنرال الفيتنامي فو نجوين جياب) والتجربة الميدانية لثوار الفييتكونغ، وبلور عقيدة حول كيفية مواجهة هذا النمط من القتال في كتاب أصدره آنذاك لحساب الجيش الفرنسي بعنوان: «عن الحرب الثورية».

شكّل هذا الكتاب الأساس النظري لعقيدة مكافحة التمرّد التي اعتمدها الجيش الفرنسي في الجزائر في السنوات التي تلت.

وقد شرحت ماري مورييل روبان، الصحافية والباحثة الفرنسية، في كتابها «فرق الموت: المدرسة الفرنسية»، بإسهاب السياسات والتكتيكات التي اتّبعها الجيش الفرنسي بغية ترويع الحاضنة الاجتماعية للثورة الجزائرية، وفي مقدّمتها اعتماد أساليب كالإذلال المتعمّد للمعتقلين والمعتقلات عبر تعريتهم، وإخضاعهم لشتّى صنوف التعذيب والاغتصاب.

هذا الصنف من الإذلال كان منهجياً وبمثابة سلاح حرب. بات من المسلّم به اليوم أن حرب الجزائر كانت بالنسبة إلى قوى الاستعمار، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، نموذجاً إرشادياً، وأن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين، رفائيل إيتان، رئيس الأركان الصهيوني خلال اجتياح لبنان في 1982، قاتل مع الجيش الفرنسي خلالها إلى جانب ضباط إسرائيليين آخرين.

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه. الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه في مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة إلى من يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

*وليد شرارة باحث في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

  كلمات مفتاحية

إسرائيل الاستعمار الغرب الاستباحة المقاومة الإبادة فلسطين تعرية المعتقلين أسرى الحرب معتقل أبو غريب مكافحة التمرد حرب الشعب