تداعيات العدوان على غزة.. لهذا تعتبر القاهرة تطورات الحرب تهديدا وجوديا

الخميس 8 فبراير 2024 07:20 ص

سلط الزميل غير المقيم في المركز العربي بواشنطن، تشارلز دن، الضوء على انعكاسات الحرب في غزة على مصر، في ظل مؤشرات استمرارها بعد أكثر من 4 أشهر دون أفق سياسي، مشيرا إلى أن تلك الانعكاسات لم تتسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق على حدود مصر فحسب، بل تسببت أيضا في تدمير محتمل للنظام الإقليمي الذي استفادت منه مصر سياسياً واقتصادياً منذ التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل في عام 1978.

وذكر دن، في تحليل نشره موقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن مصر أصيبت، كأغلب الدول العربية، بالذهول إزاء عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتخشى من الاحتمال المتزايد لتدفق النازحين من غزة إلى مصر، والذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، وتراه "تهديدًا وجوديًا" لها.

ومع تزايد احتمالات نشوب حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، اضطرت القاهرة إلى لعب دور دبلوماسي أكثر بروزا، ولم يكن الأمر صعبا، فعلى مدى عقود من الزمن وضعت مصر نفسها كدولة ذات ثقل دبلوماسي في العالم العربي، ويرى دن أن ذلك يرجع إلى "دورها القيادي في عملية صنع السلام العربي الإسرائيلي" بحد تعبيره.

وأوضح أن هذا الدور أكسب جهود مصر تأييد الولايات المتحدة من خلال استخدام مساعيها بشكل متكرر للتوصل إلى هدنة للاشتباكات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، كما حافظت مصر على إيمانها الرسمي بمنطق التسوية السياسية النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين، وهو السمة المميزة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ رئاسة بيل كلينتون.

ولفترة طويلة، كان لهذا الدور هو الذي تحصد منه القاهرة المكاسب دون الأعباء الثقيلة والمخاطر السياسية اللازمة لتحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية نهائية، لكن "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، غير كل شيء بالنسبة للقاهرة.

التهجير القسري

ومنذ بداية العدوان يجتاح مصر شعور متزايد بالأزمة، وما يترتب على ذلك من عواقب سياسية إقليمية، إضافة إلى العواقب التي قد تهدد أمنها واستقرارها، خاصة بعد اقتراح مسؤولين إسرائيليين مبكرا بضرورة السماح للفلسطينيين بعبور الحدود إلى مصر مؤقتا، "لأسباب إنسانية".

وهنا يشير دن إلى أن مصر تتمتع بذاكرة تاريخية طويلة، كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين، ويخشى كلاهما من أن يصبح تهجير أعداد كبيرة من سكان غزة وضعا دائما، وهو تكرار آخر لنكبة عام 1948 التي شهدت طرد ما بين 750 ألف إلى مليون فلسطيني من منازلهم خلال حرب عام 1948.

وإزاء ذلك، فالقلق في القاهرة حقيقي، خاصة أن وجهات النظر المؤيدة لتهجير الفلسطينيين داخل إسرائيل ليست جديدة، وآخذة في الارتفاع، إذ كرر عضوا الحكومة الإسرائيلية، اليمينيان المتطرفان، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، تأييدهما لفكرة طرد الفلسطينيين من غزة.

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، على هذا التأييد بخطاب ندد فيه بأي خطط إسرائيلية لترحيل سكان غزة إلى مصر، وقال إن النقل القسري للسكان في القطاع من شأنه أن ينهي إمكانية إقامة دولة فلسطينية ولن ينجح إلا في "تحويل سيناء إلى مركز للتشدد المناهض لإسرائيل"، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على أمن مصر.

ويلفت دن، في هذا الصدد، إلى أن مصر تخشى من أن يتسلل مقاتلو حماس إليها ويدفعون المدنيين إلى سيناء ويقيموا "قاعدة جديدة" هناك لمهاجمة إسرائيل، مع ما يترتب على ذلك من إمكانية قيام إسرائيل بضرب حماس داخل الأراضي المصرية، وبالتالي تعريض معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية للخطر.

كما يرى دن أن مصر تخشى من استخدام حماس لسيناء كمنصة لتحدي النظام المصري، باعتبارها فرعا لجماعة الإخوان المسلمين، التي جرى التنكيل بها بلا رحمة منذ أطاح انقلاب عسكري بها من السلطة عام 2013.

ولم تنجح إسرائيل في تهدئة مخاوف مصر، فبعد وقت قصير من خطاب السيسي، تسربت "ورقة مفاهيمية" لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية حول تهجير سكان غزة إلى موقع إخباري إسرائيلي، واقترحت الورقة نقل النازحين إلى مخيمات في سيناء قبل بناء مدن جديدة لإيوائهم وإنشاء "منطقة أمنية" على طول الحدود بين غزة ومصر لمنع الفلسطينيين من العودة.

ولا تعكس هذه الخطة، على الأقل في هذه المرحلة، السياسة الإسرائيلية الرسمية، لكن المؤتمر الذي نظمه المستوطنون الإسرائيليون في أواخر يناير/كانون الثاني، والذي طالب فيه المشاركون بإعادة التوطين في غزة بحضور أكثر من 12 وزيراً في الحكومة، يوفر مؤشراً آخر على أن التطهير العرقي في غزة قد يكون له بعض الزخم السياسي.

كما أثارت حكومة نتنياهو المتشددة شكوك مصر بشأن أهداف الحرب الإسرائيلية من خلال أهدافها الغامضة بشكل مثير للقلق في غزة، فبينما يصف نتنياهو "النصر الكامل" على حماس باعتباره هدفه النهائي المنشود لم يقدم سوى تفاصيل قليلة حول كيفية تحقيق ذلك أو كيف سيبدو.

أما كيفية إدارة غزة بعد الحرب فهي نقطة فراغ أيضًا، ورفض نتنياهو اقتراح إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالسماح للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها بتولي المسؤولية، وتعهد بالحفاظ على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة في المستقبل المنظور.

ومن الواضح، بحسب دن، أن ذلك يتضمن فرض سيطرة إسرائيلية على محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وهي المنطقة العازلة على طول الحدود الجنوبية لغزة والتي تديرها حالياً مصر وحركة حماس على جانبي الحدود.

وحذر متحدث باسم الحكومة المصرية من أن سيطرة إسرائيل على الممر يمكن أن تشكل "انتهاكًا للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بين القاهرة وتل أبيب" وأن "أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد جدي وخطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية".

 ويعتقد المسؤولون المصريون أن العملية الإسرائيلية للسيطرة المنطقة يمكن أن تؤدي إلى هروب جماعي لسكان غزة إلى سيناء، وهذا مؤشر آخر، كما تخشى مصر، على نوايا إسرائيل الحقيقية.

تدمير غزة

وفي السياق، لم يؤد حجم الدمار على الأرض في غزة إلا إلى تعزيز وجهة النظر السائدة في مصر بأن إسرائيل تعتزم جعل القطاع غير صالح للسكن من أجل إجبار الفلسطينيين على الخروج منه.

وتشير تقديرات البنك الدولي، التي أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن الحرب دمرت، حتى 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، 77% من المرافق الصحية، و72% من الخدمات البلدية مثل المتنزهات والمحاكم والمكتبات، و68% من البنية التحتية للاتصالات، و76% من المواقع التجارية، بالإضافة إلى 20% من الأراضي الزراعية، و70% من المنازل، ونصف مباني غزة بشكل عام.

وتوصل تحقيق أجرته مجلة "+972" الإخبارية الإسرائيلية إلى أن القوات الإسرائيلية، المدعومة ببرنامج للذكاء الاصطناعي يُعرف باسم "حبسورا"، تستخدم "تفويضًا موسعًا لقصف أهداف غير عسكرية ولتخفيف القيود المتعلقة بالتوقعات الخاصة بالضحايا المدنيين"، ما ساهم بشكل كبير في عدد الوفيات الفلسطينية، والتي تجاوزت 27 ألف شخص.

ويرى دن أن إسرائيل تنفذ ما يسمى بعقيدة الضاحية، التي تم تطويرها رداً على حرب عام 2006 مع حزب الله، وهو ما سبق أن عبر عنه قائد الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، عضو حكومة نتنياهو الحربية الحالي، في عام 2008، قائلا: "سنمارس قوة غير متناسبة ضد كل قرية يتم إطلاق النار منها على إسرائيل، وسنتسبب في أضرار ودمار هائلين. من وجهة نظرنا: هذه قواعد عسكرية.. هذه خطة تمت الموافقة عليها بالفعل".

إن هذه الأعمال المدمرة هي بمثابة تحذير بأن الأسوأ قد يأتي، ليس فقط في غزة، ولذا فإن الأردن يراقب بقلق تزايد عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بتحريض من الجيش الإسرائيلي، الذي زاد بشكل كبير من هجماته على المسلحين الفلسطينيين المزعومين وكذلك المدنيين، بما في ذلك من خلال استخدام القوة الجوية.

المخاوف الداخلية

وهنا يلفت دن إلى أن الاضطرابات في غزة لها آثار داخلية على القاهرة أيضاً، فقد تعامل السيسي مع الوضع السياسي الداخلي لمصر بعناية، مدركاً أن عدم السماح بالتعبير الشعبي عن الغضب بشأن تدمير إسرائيل لغزة يمكن أن يعيد تركيز السخط تجاه النظام، في حين يدرك أن الاحتجاجات السياسية يمكن أن تخرج عن السيطرة.

وساعدت الحكومة المصرية نفسها في تنظيم عدد من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، والتي قال منتقدوها إنها محاولة ساخرة لتوجيه الغضب الشعبي بشأن غزة إلى دعم النظام والسيسي شخصيًا في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ومع ذلك، تعلم الحكومة المصرية أن قضية تحظى بهذا القدر من الدعم الشعبي يمكن أن تتحول بسرعة إلى غضب واسع النطاق بشأن قمع السيسي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وغيرها من مصادر السخط المتصاعد.

وفي الخريف الماضي، تم اعتقال العشرات من المتظاهرين في المظاهرات المؤيدة لغزة بعد أن بدأوا يرددون شعارات مناهضة للسيسي.

ولدى الحكومة المصرية كل النية للحفاظ على قبضتها المشددة المعتادة على الاحتجاجات العامة بجميع أنواعها، لكن هذا قد يصبح أكثر صعوبة كلما طال أمد الحرب في غزة.

تدافع الحل

ووجدت مصر نفسها مضطرة لمواجهة هذه التطورات المثيرة للقلق بخطة سلام تأمل أن تخدم كأساس لوقف دائم لإطلاق النار وربما مفاوضات للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وجرى تقديم الخطة، التي تم تطويرها بشكل مشترك من قبل مصر وقطر، إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس في يوم عيد الميلاد، وتتضمن وقفاً مؤقتاً للقتال لتمكين إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حماس (حوالي 130 شخصاً)، فضلاً عن أعداد غير محددة من السجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل.

وطوال فترات الهدنة والإفراج عن السجناء، ستجري مصر مفاوضات لتوحيد الفصائل السياسية الفلسطينية، بهدف تعيين "حكومة تكنوقراط" يمكنها أن تحكم غزة والضفة الغربية قبل إجراء انتخابات لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة.

ولا يبدو أن إسرائيل ولا حماس حريصتان على المضي قدماً على هذا الأساس، فحماس ليست حريصة على التخلي عن الأسرى مقابل أي شيء أقل من وقف دائم لإطلاق النار؛ كما أنها لا تريد أن ترى احتمالية إضعاف سلطتها السياسية من خلال الاتحاد مع السلطة الفلسطينية القائمة بشكل ما، حسب تقدير دن.

ومن جانبه، يبدو نتنياهو كارها للموافقة على وقف لإطلاق النار من أي نوع أو إنهاء الحرب مقابل إعادة الأسرى، في غياب "هزيمة" حماس، وقد رفض بشكل قاطع التكرار الأخير لهذه الفكرة في 22 يناير/كانون الثاني الماضي.

ماذا بعد؟

ويخلص دن إلى أن الحرب في غزة أدت إلى توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية بشكل خطير، إذ تشعر مصر بالانزعاج من رفض إسرائيل لمحاولات القاهرة لحملها على معالجة مخاوفها، وخاصة تلك المتعلقة بالنقل القسري المحتمل للفلسطينيين.

ونتيجة لذلك، رفض السيسي مرارا وتكرارا تلقي مكالمات من نتنياهو في الأسابيع القليلة الماضية، ما زاد من التوتر بين الزعيمين.

ومن شأن ذلك أن يزيد الأمور سوءاً، خاصة في ظل الهجوم الإسرائيلي المتوقع على رفح واحتمال أن يؤدي ذلك إلى إجبار أعداد كبيرة من الفلسطينيين على عبور الحدود إلى سيناء، ما يخلق أمراً واقعاً بالنسبة لمصر.

وفي حين أنه من المرجح أن تحافظ مصر وإسرائيل على "السلام البارد" الحالي، فإن حدوث صدع بينهما لا يزال ممكنا، وربما يكون أكثر قابلية الآن بعد أن أصبحت كل التطورات، مثل تهجير سكان غزة والصراع الإقليمي الأوسع وانتهاكات السيادة، مطروحة على الطاولة.

المصدر | تشارلز دن/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر غزة إسرائيل حماس سيناء تهجير الفلسطينيين الأردن

إيكونوميست: حرب غزة تفاقم الانهيار الاقتصادي في مصر رغم تمويل صندوق النقد

بسبب دعم إسرائيل.. تراجع شعبية حزب العمال البريطاني بين المسلمين

127 يوما من حرب غزة.. القصف يتواصل وجيش الاحتلال يصدق على اقتحام رفح

هل أحدث اجتماع القاهرة بشأن غزة أي انفراجة للتهدئة وتبادل الأسرى؟