استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حول ما قبل غزة وما بعدها

الجمعة 9 فبراير 2024 01:05 ص

حول ما قبل غزة وما بعدها

فهمت الدول المطبعة مع إسرائيل أن خطة موضوعة بالفعل قبل الحرب أو أثنائها تهدف لوضع منظومة إقليمية جديدة تضمن تسريع إدماج إسرائيل فى الإقليم.

حكومتا أمريكا وإسرائيل، بدعم بريطانيا وألمانيا، قررتا استخدام صيغة الإبادة الجماعية لتفريغ غزة من أهلها الفلسطينيين، ثم يأتى الدور على الضفة الغربية.

تُستغَل أوقات الأزمات في الاستعداد للخروج من الأزمة وصنع بدائل فكرية لما بعد الأزمة وجس نبض الأطراف حول البدائل جملة واحدة أو بديلا بعد آخر.

الصدامات قد تتفاقم بين مستوطنين يهود قادمين من أمريكا وبعضهم، حسب روايات صحفية، هاربون من أحكام أو مشتبه بقيامهم بأنشطة إجرامية، وبين أهل الضفة.

يبدو أن الأمريكيين توصلوا متأثرين بموقف الرأى العام الغربى ثم العالمى إلى قناعة بأن نتنياهو وحكومته حققا فشلا ذريعا فى خطة تفريغ غزة تمهيدا لتهويدها.

المؤكد أن جهاز صنع السياسة الخارجية بواشنطن كان متواطئا منذ لحظة الأمر بتحريك قطع من الأسطول الأمريكى إلى شرق البحر المتوسط لحماية عدوان إسرائيل.

دول الطوق اشتبكت فى حروب ومقاطعة ثم تطبيع سمى سلام بارد، وفى الغالب بقيت تفاصيل هذا السلام ونواياه محاطة بقدر كبير من السرية والشكوك والشائعات.

دولة فلسطين المستقلة عنوان شديد الإغراء لكن الحقيقة شديدة الكذب والنفاق كعادة الاستعمار الغربى فالدولة ستكون منزوعة السلاح وناقصة السيادة و«ضامنة لأمن إسرائيل» يعنى لا دولة.

خرجت أمريكا من الشرق الأوسط لأن الحاجة إليها بالشرق الأقصى تفوق حاجة الشرق الأوسط. وعادت لما شعرت أن الشرق الأوسط عاد لطبيعته المشاكسة. عاد إلى رفض وضعه وشكله وميوعة دوره.

* * *

علمونا فى فصول الدراسة أنه لا يستحسن صنع قرار أو اتخاذه فى أوقات الأزمات، إنما يمكن استغلال هذه الأوقات فى الاستعداد للخروج من وضع الأزمة وصنع بدائل فكرية لما بعد الأزمة وجس نبض مختلف الأطراف حول هذه البدائل جملة واحدة أو بديلا بعد الآخر.

* * *

نحن، وأقصد مختلف أطراف قضية فلسطين وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، نمر الآن فى وقت أزمة. لسنا كلنا شركاء فى الأزمة بنفس القدر.

بعضنا عاش فى قلب القضية أو الموضوع إن صح التعبير، وبعض آخر اقترب من هذا القلب وابتعد عنه خلال مسيرة عاشت معنا لأكثر من خمسة وسبعين عاما. بعض ثالث شارك بالتعاطف فى أحيان وبالابتعاد فى معظمها وهو محسوب عليها فاستحق صفة «الدول الأرجوحة».

من البعض الأول فلسطين وإسرائيل بطبيعة الحال ودول سماها العرب فى إحدى مراحل القضية بدول الطوق وهى الدول التى اشتبكت فى حروب ومقاطعة ثم تطبيع سمى فى حينه أو بعد حين سلام بارد، وفى الغالب بقيت تفاصيل هذا السلام ونواياه محاطة بقدر كبير من السرية والشكوك والشائعات.

ضمن هذا البعض الأول وجدت دائما ومنذ اليوم الأول الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. وفى مراحل تالية وبخاصة خلال الأزمة الراهنة انضمت ألمانيا بشكل ومحتوى أثارا من القلق والغضب أكثر مما أثارا من اهتمام واندهاش. وفى مرحلة متأخرة انضمت إيران إلى هذا البعض الأول فاتسع الطوق، مجبرا فيما يبدو، ليحتويها وقد تعددت شقوقه وتكسرت حوافه بفعل فاعل أو أكثر.

* * *

تابعت بمزيد القلق والاهتمام خلال الأزمة الجهود الخارجية نحو العثور على صيغة جديدة للوضع فى مرحلة ما بعد غزة. كلاهما، وأقصد القلق والاهتمام، نابعان من شبهة تواطؤ أو تآمر طرفاه حكومة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو.

الحكومتان، بدعم من حكومتي بريطانيا العظمى وألمانيا وحكومات غربية أخرى، قررتا استخدام، أو الموافقة على استخدام، صيغة الإبادة الجماعية على أمل أن تفرغ غزة كلية أو معظمها من أهلها الفلسطينيين، ثم يأتى الدور على الضفة الغربية لتفريغها هى الأخرى من خلال الصدامات الجارية، والتى يمكن أن تزداد، بين المستوطنين اليهود القادمين من أمريكا وبعضهم، حسب الروايات الصحفية، هاربون من أحكام أو مشتبه قيامهم بأنشطة إجرامية.

* * *

تسربت أخبار تفيد بأن الأمريكيين توصلوا متأثرين بموقف الرأى العام الغربى ثم العالمى إلى قناعة بأن نتنياهو وحكومته حققا فشلا ذريعا فى خطة تفريغ غزة تمهيدا لتهويدها. المؤكد الآن أن جهاز صنع السياسة الخارجية فى واشنطن كان متواطئا منذ اللحظة التى نصح فيها أو أمر بتحريك قطع من الأسطول الأمريكى إلى شرق البحر المتوسط لحماية عدوان إسرائيل.

وصلت قطع الأسطول تحت الادعاء بأنها ستكون موجودة لمنع توسيع الحرب، وبكلمات أخرى منع الدول العربية وأى دول أخرى فى الشرق الأوسط من التدخل للوقوف بجانب المقاومة الفلسطينية أو لحماية سكان غزة.

* * *

لم يخف السيد بلينكن حقيقة ما كانت أمريكا تأمل فى تحقيقه من خلال هذه الحرب عندما أدلى بتصريحاته فى دافوس. وقتها تحدث عن ضرورة إصلاح منظمة التحرير وإصلاح أخطاء التطبيع وتشجيع المرشحين الجدد له، الأمر الذى فهمته الدول المطبعة مع إسرائيل على أن خطة موضوعة بالفعل قبل الحرب أو أثنائها تهدف لوضع منظومة إقليمية جديدة تضمن تسريع إدماج إسرائيل فى الإقليم.

كان مفهوما أيضا أن المقاومة الفلسطينية للعدوان، إلى جانب الأثر الهائل عالميا فى حجمه لبشاعة عمليات الإبادة البشرية، فضلا عن تقاعس معظم دول التطبيع عن دعم إسرائيل، وعن تراجع بعض الدول الأعضاء فى الحلف الغربى عن موقفها الداعم لإسرائيل، كلها عناصر ساهمت فى اكتمال عودة واشنطن للتدخل السياسى المكثف فى المنطقة.

هذه العودة ذات مضمون مهم ومعنى كبير. خرجت أمريكا من الشرق الأوسط عندما شعرت أن الحاجة إليها فى الشرق الأقصى تفوق حاجة الشرق الأوسط. عادت عندما شعرت أن الشرق الأوسط عاد إلى طبيعته المشاكسة، كما يقول المثل المصرى «عادت ريما إلى عادتها القديمة». عاد إلى رفض وضعه وشكله وميوعة دوره.

إسرائيل عازمة على التوسع، وإيران مستعدة لتغيير الوضع القائم، والصين وصلت وتدخلت تصلح بين إيران والسعودية وتعقد اتفاقيات تمس مصالح أمريكا وإن بقيت أنشطتها داخل المجموعة الخليجية غير مستقرة، وروسيا تغازل السعودية وتنسق معها فى إدارة بعض شؤون النفط.

* * *

مرة أخرى تعود أمريكا لتهيمن فى الشرق الأوسط وفى نيتها أن تصلح ما فلت عياره وتنقذ إسرائيل من «عالم جنوبى» يتربص بها. بدأت بالكشف عن «العين الحمرا» كما توصف الشدة فى تربية الأطفال. لن نوقف القتل والقتال. وإمعانا فى التشدد كشف بلينكن عن يهوديته، وشكل جهاز مبعوثين للشرق الأوسط غالبيته العظمى من اليهود، وكأن الخارجية الأمريكية ومراكز البحث خلت جميعها من غير اليهود.

وبكل الصلافة الممكنة جاء الرئيس جو بايدن بنفسه ليحضر فى انعقاد مجلس الحرب فى إسرائيل، وكأنه يقول «الحرب حربنا ولن نترك إسرائيل إلا وهى منتصرة على جحافل (العماليق) الجدد»، الاسم الذى استعاره نتنياهو من الكتاب المقدس ليطلقه على الفلسطينيين وخصوم إسرائيل.

بعد قليل ومع ضراوة المقاومة وتوسع جبهة الاشتباكات إلى جنوب البحر الأحمر وصعود مبهر لمكانة واسم فلسطين في العالم، انتقل الحديث إلى الصالونات المغلقة مع تسريب هنا أو هناك. تكرر ذكر عبارة شرق أوسط مختلف ودولة فلسطينية مستقلة.

سمعنا عن تقارب عاجل بين السعودية وإسرائيل كشرط أول ورئيس لتشكيل هذا الشرق الأوسط الجديد. سنحت لأمريكا الفرصة لربما أفلح رسلها فى استعادة المملكة من براثن الصين وإيران بينما يبقى الهدف ماثلا وهو تحقيق بناء المؤسسة الأبراهامية كنواة للإقليم الجديد.

فى مرحلة أخرى ظهرت تلميحات بأن يدير أمور غزة بعد الوقف المؤقت للقتل والتدمير كل من مصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية تحت عنوان دولة فلسطين المستقلة. العنوان شديد الإغراء ولكن الحقيقة شديدة الكذب والنفاق تماما كعادة دول الاستعمار الغربى.

فالدولة لن تكون إلا منزوعة السلاح وناقصة السيادة و«ضامنة لأمن دولة إسرائيل». يعنى لا دولة. أضيف إلى ما سبق قناعتى بأن مصر، لأسباب عديدة، لن تقبل أن تعود إلى قطاع غزة حاكمة أو ضمن جهاز حاكم. لقد جربت وعانت ولن تجرب مرة أخرى عرضا مغلفا بالحرير وفى باطنه شر أثيم.

* * *

هكذا وبكل تعالٍ وجسارة أطل النفاق والغرور والشر الأكيد من ثنايا مشروع سلام جديد فى شرق أوسط جديد.

*جميل مطر كاتب ومفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

أمريكا إسرائيل ألمانيا بريطانيا غزة قضية فلسطين الضفة الغربية الاستعمار الغربي المستوطنين اليهود الإبادة الجماعية دولة فلسطين المستقلة