محققة أممية: إبادة إسرائيل في غزة أنهت نظام القانون الدولي

الجمعة 16 فبراير 2024 11:48 ص

سلطت محققة الأمم المتحدة في شؤون حقوق الإنسان، أجنيس كالامار، الضوء على ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على قطاع غزة، واصفة إياها بأنها عملية إنهاء لفكرة وجود نظام القانون الدولي.

وذكرت أجنيس، في مقال نشرته بموقع "فورين أفيرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن إسرائيل هجرت الفلسطينيين قسراً، وفرضت ظروفاً تركت مئات الآلاف من دون الضروريات الإنسانية الأساسية، ونفذت هجمات عشوائية وغير متناسبة ومباشرة على المدنيين و"الأعيان المدنية"، مثل المدارس والمستشفيات.

وأضافت أن إسرائيل قتلت أكثر من 28 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وسحقت أجزاء واسعة من غزة، التي تعرض خمس بنيتها التحتية ومعظم منازلها للضرر أو الدمار، ما جعل القطاع غير صالحة للسكن إلى حد كبير.

وأشارت أجنيس إلى أن إسرائيل فرضت حصارًا طويل الأمد على غزة، وحرمت الفلسطينيين من الغذاء الكافي، ومياه الشرب، والوقود، والوصول إلى الإنترنت، والمأوى، والرعاية الطبية: وهو الإجراء الذي يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.

وتحتجز إسرائيل سكان غزة في ظروف غير إنسانية ومهينة، وتعترف بأن بعض المعتقلين قد ماتوا بالفعل، وفي الضفة الغربية تزايدت أعمال العنف ضد الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية والمستوطنين بشكل ملحوظ.

واعتبرت المحققة الأممية أن دعم الولايات المتحدة والدول الغربية هو ما مثل الإسناد الرئيسي لإسرائيل عبر تزويدها بالمساعدات العسكرية، ورفضها دعوات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وتعليقها الدعم عن وكالة الأونروا ومعارضتها دعوى جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، حتى مع تواصل ذبح الفلسطينيين.

وأضافت أن التواطؤ الدبلوماسي في كارثة حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في غزة، هو تتويج لسنوات من تآكل حكم القانون ونظام حقوق الإنسان العالمي، إذ بدأ الانهيار بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عندما مضت الولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب"، وهي حملة أدت لتطبيع فكرة أن كل شيء مباح في ملاحقة "الإرهابيين".

واعتبرت أجنيس أن إسرائيل استعارت المبادئ والاستراتيجية والأساليب من "الحرب على الإرهاب" الأمريكية كي تنفذ حربها في غزة، وبدعم من الولايات المتحدة.

وتابعت: "يبدو أن كل الدروس الأخلاقية الخطيرة من الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية نسيت تماما، ومعها ذهب مبدأ جوهري قديم مفاده أن ذلك لن يحدث مرة أخرى، وحقيقة أنه إما أن يحمينا جميعا أو لا يحمي أحدا".

عالمية الحقوق

ونوهت أجنيس إلى أن أساسي: ميثاق الإبادة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كانا مصدرا للمحاسبة الدولية عبر منظومات شملت محكمة الجنايات الدولية، التي أنشئت عام 2002، وساعد هذا البناء القانوني على التأكد من التزام الدول بـ "عالمية" حقوق الإنسان، كما أسهم في تحديد وتعريف حركة حقوق الإنسان عالميا، وكان أساسا لإنجازات حقوق الإنسان في القرن العشرين.

لكن المنتقدون يقولون الآن إن الدول لم تعد تهتم بهذه العالمية إلا خطابيا، لأن القرن العشرين حافل بالأمثلة عن عدم الالتزام بالكرامة المتساوية.

ومن هذه الأمثلة: العنف الذي استخدم ضد من حاولوا التصدي لآثار الاستعمار، والحرب في فيتنام، والإبادة في كمبوديا ورواندا، والحرب التي تبعت انهيار يوغسلافيا، ما يؤشر إلى نظام متجذر لعدم المساواة وليس عالمية حقوق الإنسان.

وفي السياق ذاته، لم يطبق مبدأ عالمية حقوق الإنسان على الفلسطينيين، الذين كانوا منذ عام 1948 "ضحايا الضحايا ولاجئو اللاجئين"، حسب تعبير الناقد الفلسطيني الأمريكي، إدوارد سعيد.

وترى أجنيس أن مصير عالمية حقوق الإنسان بات في يد من يقومون بخيانتها، فعوضا عن كونه مشروعا طموحا ودائما للبشرية وتقوم سلطته أولا وأخيرا على إعلانه والدفاع المستمر عنه، فقد واجه طوال القرن العشرين العديد من النكسات.

11 سبتمبر

فمنذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول نشرت الولايات المتحدة عقيدة لتوسيع مبدأ حق الدولة في الدفاع عن نفسها، ونشر تدابير للملاحقة دون قيود لأشخاص أو سلطات تعتبر بالعرف الفضفاض "تهديدا إرهابيا".

وأضافت: "العدد الذي لا يصدق من المدنيين الذين قتلوا في غزة باسم الدفاع عن النفس ومواجهة الإرهاب، هو التداعي المنطقي لهذه العقيدة".

وذكرت أجنيس أن الغارات الأمريكية على الصومال والعراق وسوريا وأفغانستان وباكستان، تسببت في قتل أعداد لا تحصى من المدنيين، لكن الولايات المتحدة كانت تدعي أنها اتخذت كل الإجراءات الضرورية لحمايتهم، مع أنها لم تقدم أي دليل بشأن الطريقة التي فرقت فيها بين المدنيين والمقاتلين، ولماذا قتلت العديد منهم عندما قامت بالتمييز بينهم كما تدعي.

ولفتت إلى أن الحكومات حول العالم استخدمت على مدى العشرين عاما الماضية الأساليب نفسها؛ فعندما قصفت روسيا المستشفيات والمدارس والبنى المدنية في سوريا، زعمت أنها تضرب بنى إرهابية.

 كما ارتكبت روسيا الجرائم نفسها بعد غزوها أوكرانيا في 2022؛ بناء على مبرر مشكوك فيه هو الدفاع عن النفس، مع أن الغزو اشتمل على تدمير البنى المدنية والترحيل القسري والتعذيب والعنف الجنسي. وفي السياق ذاته، بررت الصين حملتها ضد المسلمين الإيجور بأنها "قتال ضد الإرهاب".

 واعتبرت المحققة الأممية أن قصف إسرائيل لغزة متجذر في التاريخ وأعمق من الحرب المستمرة على الإرهاب، بما في ذلك تهجير حوالي 750 ألف فلسطيني عام 1948 فيما عرف بالنكبة، كما أنه متجذر بالتآكل الواضح في القرن الحادي والعشرين للقانون الدولي، الذي لم يتم فيه احترام القيود التي وضعت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمشمولة في ميثاق الأمم المتحدة وقانون حقوق الإنسان الدولي، وفي ميثاق الإبادة الذي استندت عليه دعوى جنوب أفريقيا.

وأشارت أجنيس إلى أن الحكومات الغربية عبرت عن دعم غير مشروط لإسرائيل رغم قتل القصف الإسرائيلي آلاف المدنيين، مضيفة: "كان على كل الدول وبخاصة ذات التأثير منها على إسرائيل، شجب الأفعال غير القانونية الإسرائيلية والمطالبة بوقف فوري للنار مقابل تحرير الأسرى، لكن ذلك لم يحدث".

وتابعت: "لم تعترف الإدارة (الأمريكية) بسياق النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وباحتلال عمره 56 عاما، وصدقت بدلا من ذلك تأطير إسرائيل حربها في غزة ضمن مكافحة الإرهاب. ومع استمرار الحرب، دافعت إدارة بايدن عن تكتيكات إسرائيل وقلدت مثل الببغاء مزاعم إسرائيلية غير مثبتة وثبت كذبها لاحقا، كتلك التي اتهمت حماس بارتكاب مذابح".

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة رفعت صوتها بضرورة حماية المدنيين، إلا أنها رفضت دعم الخطوات الرئيسية الكفيلة بحمايتهم، واستخدمت حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع قرار يدعو لتوقف إنساني للحرب في غزة.

 وبعد أيام من قرار محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية في غزة، أعلنت الولايات المتحدة والدول الغربية تعليق الدعم عن وكالة الأونروا التي توفر الدعم والإغاثة الإنسانية للاجئين في غزة، وهو ما لم يتجاهل القرار المخاطر الواضحة للإبادة فحسب، بل وساهم في تسريعها وتفاقمها.

وترى المحققة الأممية أن الولايات المتحدة، لديها، كقوة عظمى، القدرة على ممارسة التأثير على إسرائيل وتغيير الواقع على الأرض في غزة، ويمكنها منع حليفتها من مواصلة ارتكاب المذابح، لكنها اختارت عدم فعل ذلك.

وأشارت إلى أن كل أشكال الدعم للعدوان الإسرائيلي أدت لثمن باهظ على الغرب، ونقلت عن دبلوماسي من مجموعة الدول السبع قوله: "لقد خسرنا بالتأكيد المعركة على عالم الجنوب. وخسرنا كل العمل الذي قمنا به في عالم الجنوب [من أجل أوكرانيا]، ولا تتحدث عن القواعد وانس النظام العالمي، فلن يستمعوا إلى ذلك مرة أخرى".

وشددت أجنيس على أن الإبادة في غزة وخطورة الانتهاكات التي ارتكبت والتبريرات التي قدمها قادة منتخبون في الديمقراطيات الغربية، تعطي صورة عن "نهاية مرحلة" النظام القائم على القواعد، الذي حكم الشؤون الدولية منذ الحرب العالمية الثانية.

ومن التداعيات الواضحة للتخلي عن هذا النظام، بحسب المحققة الأممية: عدم استقرار والمزيد من العنف، وغضب واسع داخل قطاعات المجتمع وفي كل أركان الأرض، "باستثناء الذين سيحصدون ثمار تدمير النظام الدولي"، حسب تعبيرها.

وترى أجنيس أن هناك طريقا لمنع هذا السيناريو الأسوأ، من خلال وقف الحرب والإفراج عن المحتجزين المدنيين والفلسطينيين الذين اعتقلوا ظلما، ورفع الحصار عن غزة، وتطبيق القرارات الأولية لمحكمة العدل الدولية القاضية بمنع الإبادة في القطاع.

وأضافت: "على إسرائيل وداعمتها الولايات المتحدة، الاعتراف بأن هدف تدمير حماس قد جلب الدمار على السكان والبنى التحتية في القطاع، وهو ما لا يمكن تبريره بناء على القانون الدولي"0.

وأردفت المحققة الأممية: "لن تتم معالجة المظالم التاريخية، ولا يمكن تحقيق سلام في الشرق وأبعد منه دون عملية دولية شاملة، تحدد وتفكك نظام التمييز العنصري الإسرائيلي ومنح الأمن وحقوق الحماية لكل السكان"، مشيرة إلى أن "القانون الدولي بات على سرير الموت ودون بديل له، سوى المصالح الوطنية القاسية والجشع الكبير، فهناك فرص لاستثمار الغضب من الكثيرين المستعدين لإثارة الفوضى".

المصدر | أجنيس كالامار/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل أمريكا روسيا الصين غزة الإبادة الجماعية بايدن القانون الدولي

عنصرية التفوق الأبيض.. غزة تعزز الانقسام العالمي بين الغرب والجنوب

إسرائيل.. مقتل 3 وإصابة 5 آخرين في حادث إطلاق نار بكريات ملاخي (فيديو)

التنقيب عن الغاز.. انتهاك إسرائيلي آخر بحق الشعب الفلسطيني