لم يكن للولايات المتحدة ترددات هذه المرة، إذ أنه بين السعودية وإيران الاختيار واضح. لكن من يرغب بإزالة داعش من سوريا لا يمكنه أن يتخلى عن الشراكة الإيرانية.
«هل يخشى الامريكيون تقديم الضحايا في العراق؟ هل يخشون من أن يقتل جنودهم في الحرب ضد الارهاب؟ هل يمكن على الاطلاق القتال ضد الارهاب دون تقديم ضحايا؟». هذا الانتقاد أطلقه في مقابلة مع شبكة «ان.بي.سي» الرئيس الإيراني «حسن روحاني». ولا ينبغي ظاهرا أن يثير العجب. فلايران والولايات المتحدة مصلحة مشتركة لان تجتث من الجذور تنظيم الدولة الإسلامية داعش والذي وصفه روحاني بأنه ”تنظيم يريد إبادة الإنسانية“. والغريب هو أنه بينما ”يدعو“ روحاني الولايات المتحدة للشروع في هجوم ضد داعش، لزعيمه، علي خمينئي، توجد عدة تحفظات في هذا الشأن.
قبل إقامة التحالف الدولي والعربي لغرض القضاء على الجهاديين، شرح خمينئي بأن داعش هو نتاج مؤامرة غربية ولا سيما أمريكية. بعد ذلك قيل ‘ن الزعيم الروحي لإيران أصدر بنفسه الاذن للتعاون مع القوات الأمريكية. وقد نفي هذا التقرير بسرعة ولكن مصادر إيرانية تصر على أنه صحيح. وقال روحاني إنه «إذا بدأت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات عملية ضد داعش، فسيكون ممكنا التفكير بالتعاون معها».
واستمر انعدام الوضوح هذا الأسبوع أيضا، بعد العملية الجراحية التي اجتازها خمينئي في البروستاتا. وصرح الزعيم الأعلى بأن إيران ”فخورة“ في أنها لم تدعَ إلى مؤتمر باريس (الأمر الذي حصل بضغط سعودي على الولايات المتحدة – تس.ب). المؤتمر الذي تشكل فيه التحالف للقضاء على داعش وصفه خمينئي بأنه ”حدث مغلوط“. وشرع بعض الأعضاء في البرلمان الإيراني بأن التحالف هو مؤامرة أمريكية للعودة الى العراق وضرب الجبهة الداخلية الاستراتيجية الإيرانية. وبالمقابل، يتبنى وزير الخارجية محمد جواد ظريف رأيا مخالفا بالذات في أن مشاركة إيران في الحلف ضد داعش يمكن أن تساعدها في تحقيق تسهيلات في العقوبات المفروضة عليها. «إذا كان الأمريكيون يريدون أن نفعل شيئا ما فعليهم أن يفعلوا شيئا مشابها تجاهنا، كالتوجه إلى الأمم المتحدة وطلب رفع العقوبات».
وعليه، فهل إيران داخل هذه المعركة أم تنظر إليها من الخارج؟ واضح لطهران ولواشنطن على حد سواء بأنه في كل معركة ضد داعش في العراق وفي سوريا سيكون للأولى دور مركزي. ولكن عند بناء التحالف الدولي والعربي، وحتى لو كان هناك اجمال تام بالنسبة للهدف، فان التوترات بين الأطراف التي يتشكل منها هذا التحالف من شأنها أن تجبي ثمنا باهظا يعرض للخطر مجرد وجوده. لم يكن للولايات المتحدة ترددات هذه المرة، إذ أنه بين السعودية وإيران واضح الخيار. ولكن من يرغب في ازالة داعش من سوريا لا يمكنه أن يتخلى عن الشراكة الإيرانية.
إن الحرب التي أعلن عنها الرئيس أوباما على الجهاديين تنقسم إلى جبهتين تفرض على كل واحدة منهما رزمة قيود دولية. في الجبهة السورية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعمل طالما تعارض إيران وروسيا أي عمل عسكري. ومع أنه شوهدت أول أمس فوق مدينة حلب طائرة بدون طيار، اشتبه بها كأمريكية وأوباما أوضح علنا بأنه اذا كانت حاجة، فجيشه سيهاجم في سوريا أيضا، إلا أنه في هذه الاثناء يبدو أن الدائرة مغلقة. فالثوار السوريون الذين يعارضون الاسد ويعارضون داعش وإن كان يمكنهم أن يتمتعوا ببرنامج تدريبات أكثر كثافة اقرها مجلس النواب الأمريكي، بناء على طلب الرئيس لتخصيص نصف مليار دولار بهذا الشأن، إلا أن السلاح النوعي، ”محطم التعادل“ فانهم لن يحصلوا عليه. عمليا يوجد اجماع غربي وعربي بانه لا يجب إرسال قوات برية اجنبية إلى سوريا وللمعركة في هذه الساحة ستديرها قوات الثوار في ظل الاعتماد على الاستخبارات الغربية. وقد سبق أن قيل عن القدرات المحدودة لميليشيات الثوار كل شيء تقريبا. فالقتال الذي يدور بينها وغياب القيادة الموحدة يخدمان جدا نظام الأسد الذي يوسع حدود سيطرته في الدولة.
أما العراق بالمقابل، فهو جبهة مريحة نسبيا. ولكن عندما قال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتين دمبسي هذا الأسبوع ان نشر قوات امريكية برية هو خيار ممكن إذا ما فشلت الاستراتيجية الحالية، أثارت أقواله ردود فعل حادة في بغداد بالذات. فرئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي أوضح بالقطع بأن «القوات الامريكية على الاراضي العراقي غير مرغوب فيها» بينما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هدد بأن قواته سترفع سلاحها بكل حال من الغزو البري. السعودية واتحاد الإمارات الخليجية اقترحت اشراك قواتها في القتال، ولكن في الرياض تنطلق منذ الان أصوات تعارض حرب السنة ضد السنة من أجل حكومة شيعية في العراق. والخوف هو أنه اذا ما بعثت السعودية بالقوات هكذا ستفعل إيران أيضا، ومن شأن النتيجة أن تكون حربا عربية – إيرانية بدلا من صراع مشترك ضد داعش.
مثلما في سوريا، في العراق ايضا ستحاول قوات التحالف تشجيع القوات السنية على العمل مع الأكراد ضد داعش. وحسب التقرير من الموصل، بدأت الولايات المتحدة منذ الان أحياء شبكاتها الاستخبارية التي أهملتها بعد انسحاب القوات في أواخر 2011. وقد أخفيت هذه المعلومات عن ناظر الحكم العراقي ومن يحاول تجنيدها هو الجنرال جون ألن الذي عين في منصب منسق قوات التحالف ومعروف بعلاقاته الطيبة مع القبائل في غربي العراق منذ الفترة التي قاد فيها المنطقة. ولكن هنا أيضا قد تجد قوات التحالف نفسها أمام مقاومة داخلية. فقد علم هذا الاسبوع بأن الجيش العراقي طلب من سكان ديالا القتال ضد القوات الكردية المرابطة بجوار المدينة لمنعها من احتلال المزيد من المناطق. ومن الجهة الاخرى، أعلن محافظ كركوك بان هذا الأسبوع أضيف نحو 5 الاف متطوع الى الحرب ضد داعش. ومثلما في سوريا، في العراق أيضا، من شأن الحرب ضد داعش أن تقيم تحالفات قبلية جديدة لن تؤيد بالضرورة قوات التحالف.
في هذه الأثناء، فإن هناك تهديد جديد ينشأ من جهة أذرع القاعدة في المغرب وفي شبه الجزيرة العربية، ولا سيما في اليمن، والتي نشرت بيانا يدعو كل المسلمين إلى الوحدة ضد ”الهجوم الصليبي“. ويشكل هذا البيان انعطافة في سياسة القاعدة التي رأت حتى الان في داعش منافسا يعرض مكانتها في الشرق الأوسط للخطر. ليس واضحا اذا كان هذا البيان سيضم الى داعش تنظيم جبهة النصرة، المتفرع عن القاعدة في سوريا، أو سيؤدي على الاقل الى وقف الحرب بين التنظيمين، ولكن هذه من شأنها ان تكون جبهة غير متوقعة ستضطر قوات التحالف الى مواجهتها.
إضافة لذلك، فضلا عن الهامش المتفرع للمنظمات والميليشيات والذي يقيد جدا الاعتماد على قوات محلية، يعاني التحالف من غياب التعاون من جانب تركيا. صحيح أن الهجمات من الجو لا تحتاج بالذات الى قواعد تركية، ولكن القرب الجغرافي لتركيا من سوريا والعراق يمكنه أن يساعد جدا في القصف ولا سيما اذا ما تقرر بالفعل ارسال قوات برية. نائب رئيس الحكومة التركية يلتسين اكدوان شرح هذا الأسبوع بان وجود 49 تركيا في أسر داعش يقيد قدرة أنقرة على المساهمة في الجهد وذلك لأن التزام تركيا الأول هو تجاه مواطنيها. وفي نفس الوقت تشير تقارير متواترة الى أن الف تركي قد انضم الى صفوف داعش وأن جرحى التنظيم يتلقون علاجا طبيا في المستشفيات من شمالي الحدود في تركيا. ويرفض الرئيس أردوغان بالطبع هذه الادعاءات بل وهاجم هذا الأسبوع «نيويورك تايمز» التي نشرت صورة يخرج فيها مع رئيس وزرائه الجديد أحمد داوداوغلو من مسجد حجي بايرم والي في أنقرة. ومن هذا المسجد على حد قول الصحيفة الأمريكية، خرج نحو 100 متطوع إلى داعش. واعتذرت «النيويورك تايمز» على نشر الصورة التي التقطت في أغسطس/آب ولكنها لم تتراجع عن الاتهام بأن تركيا تشكل قاعدة تجنيد للتنظيم الجهادي.
على خلفية الصدوع، العلنية والخفية التي يتميز بها التحالف العربي والغربي، يبدو أن أساس العبء سيقع على كاهل الجيش الأمريكي. صحيح أن دول الخليج وعدت بأن تساعد في تمويل المعركة، إلا أن الولايات المتحدة هي التي سؤتقف في رأس الحربة، ليس فقط في المعركة الأساسية بل وأيضا في المعركة السياسية اذا ما تبين أن استراتيجيتها فشلت.