لماذا لا يمكن أن يحل التقسيم مشاكل الدول الهشة في الشرق الأوسط؟

الأربعاء 23 مارس 2016 02:03 ص

في ديسمبر/كانون أول عام 2011، وبعد تنفيذ آخر مراحل الانسحاب الأمريكي من العراق، أمر رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» باعتقال نائب رئيس الجمهورية آنذاك «طارق الهاشمي»، وهو المسؤول السني الأبرز في الحكومة العراقية. كانت عملية اعتقال «الهاشمي» واحدة ضمن عدة عمليات مماثلة استهدفت رموز العراقيين السنة. في الأشهر التالية، تمت الإطاحة بالسنة بشكل منهجي عن مواقع السلطة. عندما خرجت المظاهرات السنية إلى الشوارع احتجاجا على فصل السنة من وظائفهم، فقد تم التعامل معها بقمع وحشي. كانت الولايات المتحدة قد انسحب للتو، بينما كان العراق ينزلق مرة أخرى إلى حرب طائفية.

هل يمكن التغلب على تلك الكراهية العميقة التي تمزق العراق وسوريا والعديد من الدول النامية الأخرى أكثر من أي وقت مضى؟ هل صحيح أن هذه الشعوب لم تكن يوما متلاحمة بشكل حقيقي، وإنما تم إرغامهم، على العيش معا ضمن حدود خطتها القوى الاستعمارية؟ هل سيكونون أفضل حالا إذا ذهب كل منهم في سبيله ليشكل دولة بمفرده ربما تكون أكثر تجانسا أو أكثر سلمية؟ يبدو أن العديد من صناع القرار الحاليين والسابقين الآن يعتقدون ذلك. وفي العام الماضي، صرح رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق «راي أوديرنو» إلى الصحافة أن تقسيم العراق على أسس عرقية قد يكون الحل الوحيد، وأن العراق في المستقبل لن يكون أبدا على صورة العراق في الماضي. وفي فبراير/شباط الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» أن تقسيم سوريا يمكن أن يكون هو الخطة البديلة في حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار. «جيمس ستافريديس» هو الآخر أبدى حماسه للفكرة في مقال نشر له مؤخرا في صحيفة «فورين بوليسي» قائلا: «سوريا أصبحت دولة وهمية بشكل متزايد .. تبدو احتمالات الحفاظ على سوريا موحدة مرة أخرى في كيان واحد منخفضة جدا. لقد حان الوقت للنظر في التقسيم».

من السهل أن ندرك مدى الجاذبية التي تتمتع بها اقتراحات التقسيم. إذا كان الأطفال لا يلعبون مع بعضهم البعض بشكل جيد فكل ما علينا أن نقوم بإرسال كل منهم إلى غرفته. ولكن بناء على فحص دقيق، فمن الواضح أن تقسيم البلدان غالبا ما يفرز صراعات جديدة أكثر مما يحل منها، كما يساهم في تأجيج الأحقاد القديمة بين الدولتين المنفصلتين.

اللجوء إلى إعادة رسم الحدود من أجل حل صراع عرقي هي استراتيجية نادرا ما تكون ناجحة. في ورقة حديثة، يشير كل من «نيكولاس سمبانيس» و«جونا شلوفر» أن الحروب الأهلية التي يتم حلها عبر التقسيم غالبا ما تندلع من جديد كحرب بين البلدين المنفصلين. وحتى إذا نجح التقسيم في حل أحد الأسباب المحتملة للصراع فإنه يترك أسبابا أخرى بديلة. غالبا ما يترك التقسيم بعض التجمعات من ذوي العرقيات المختلفة داخل حدود ما بعد التقسيم، وهذا يؤدي إلى اندلاع أعمال تطهير عرقي مع المزيد من العنف. بعد عام من إعلانها الانفصال عن يوغسلافيا، كانت كرواتيا تخوض حالة حرب مع بقايا مواطنيها الصرب الذين شنوا الحرب من أجل الانضمام إلى صربيا. في العراق، فإن دولة كردية مستقلة لن تكون راغبة في التخلي عن سيطرتها على حقول النفط الغنية في كركوك ذات الأغلبية العربية. يمكن للمرء أن يتصور بسهولة ظهور التمرد العربي في كركوك أسوة بالتمرد الصربي في كرواتيا.

يمكن للتقسيم أيضا أن يعيد تنشيط الهويات الكامنة لتصبح مصدرا محتملا من مصادر الصراع، وأن يحول الحلفاء السابقين إلى أعداء يتصارعون لأجل السيطرة على الدولة الجديدة. بعد انفصال جنوب السودان المسيحي عن الشمال المسلم في عام 2011، فقد انزلقت الدولة الوليدة سريعا إلى أعمال عنف ما بين الحركة الديمقراطية في جنوب السودان وجيش تحرير جنوب السودان. في العراق، فإن الدولة الشيعية المنتظرة سوف تجد نفسها سريعا في أتون صراع ما بين القوات الحكومية الموالية لحزب الدولة الذي يتزعمه رئيس الوزراء «حيدر العبادي» وبين الميليشيات الصدرية مثل جيش المهدي. في سوريا، فإنه من الصعب أن نتصور أن المجموعات المختلفة داخل الجيش السوري الحر، ناهيك عن جبهة النصرة، يمكن أن تتفق على تشكيل حكومة في شمال سوريا دون الدخول في حرب أهلية جديدة. باختصار، ما يمكن أن نتوقعه من خطط التقسيم هي فترة جديدة من الصخب والفرز العنيف التي تنتزع بعنف بعض المجتمعات أو تشردها للانضمام إلى أصولها العرقية. بعد تجانس تلك الدول الجديدة، حال حدوث ذلك، فإن قادتها العرقيين سوف يتفرغون للصراع مع بعضهم البعض للسيطرة على المجالات الجديدة.

يجب علينا التخلي عن النظرة الخيالية في التعامل مع الصراع المدنية بوصفها ناجمة عن الكراهية الأولية والبدء في معالجة الأسباب الحقيقية لهذه الصراعات. لا يوجد تلازم جيني ما بين التنوع العرقي وبين العنف. في ورقة تأسيسية تم نشرها في عام 2003، شرح كل من «جيمس فيرون» و«ديفيد ليتون» أن درجة التنوع العرقي في دولة ما لا علاقة لها بانزلاق هذه الدولة نحو حرب أهلية من عدمه. وجدت ورقة أخرى أن السبب الأكثر بروزا لنشوب الحروب الأهلية هو تعرض مجموعات بعينها لاستبعاد متعمد من قبل الحكومات. تحتوي معظم البلدان مجموعات متنوعة من الشعوب التي تعيش داخل حدودها ولكن ليس جميعها أو حتى أغلبها تنحدر نحو العنف. ما يتسبب في اندلاع الحروب الأهلية ليس التنوع العرقي وإنما الدول الضعيفة والإقصائية. عندما تكون مؤسسات دولة ما ضعيفة ويجري استبعاد بعض الفئات الاجتماعية من السلطة فإن أصحاب المشاريع المختلفة يعتبرون أنفسهم أحرارا في استخدام استغلال الانقسامات في المجتمع لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بهم.

النتائج التي توصل إليها «فيرون» و«ليتون» تخبرنا بشكل قاطع أنه لا يوجد ارتباط حتمي بين التنوع والعنف ولكن أي تقسيم اجتماعي يمكن أن يتم استغلاله من أجل توليد العنف. العلويون والمسيحيون والسنة في سوريا وكذا السنة والشيعة والأكراد في العراق قد عاشوا عقودا طويلة من التعايش السلمي أكثر مما عاشوا خلال الحرب الأهلية الطائفية. حدث التحول حينما انهارت قدرة الدولة وترك دعاة العنف أحرارا لاستغلال التنوع من أجل من أجل تحقيق الأغراض السياسية الخاصة بهم.

الطريق إلى السلام في سوريا والعراق لا يكمن في التقسيم، ولكن في استعادة سيطرة الدولة. سوف تكون عملية استعادة سيطرة أي حكومة على المناطق المتنازع عليها في سوريا والعراق أمرا صعبا للغاية وسوف يتطلب الأمر بالتأكيد مشاركة قوات دولية لحفظ السلام. ولكن ينبغي ألا نسمح لفكرة التقسيم أن تصرفنا عن العمل الحقيقي من أجل التوفيق بين الناس الذين يعيشون داخل حدود هذه الدول.

  كلمات مفتاحية

العراق سوريا السنة الشيعة الأكراد غزو العراق الشرق الأوسط التقسيم أمريكا

مع ضعف الحكم المدني في العراق.. «الصدر» و«السيستاني» يتخذان القرارات

أمريكا تؤكد رفضها الحكم الذاتي للأكراد و تؤكد: لا مكان لـ«الأسد» في سوريا

وول ستريت جورنال: العملية الروسية بسوريا تؤدي لتقسيم الشرق الأوسط الأمريكي

سوريا واليمن وليبيا.. عامل واحد يربط هذه الدول الفاشلة ليس الدين

تجربة العراق ... لبنانيا: الحكم الفاسد يُسقط الدولة

وزير إيراني: أنقرة وطهران لن تقبلا بأي تقسيم في دول المنطقة

الصومال تتصدر قائمة «الدول الهشة» ومصر في المركز 38

«حزب الله»: التقسيم في العراق وسوريا نتيجة محتملة