العلاقات المدنية العسكرية: ما الذي تشترك فيه جيوش أمريكا والصين وباكستان ومصر؟

الأحد 17 أبريل 2016 01:04 ص

ما الذي تشترك فيه جيوش كل من الصين وباكستان ومصر والولايات المتحدة بشكل عام؟ ليس فقط أن كلا منها هو جيش يحمي أحد الدول القومية، لكن كلا من هذه الجيوش يلعب دورا فريدا في تشكيل الطريقة التي تتطور بها هذه الدول.

تعرف الحرب، وفقا للباحث العسكري الجنرال «كارل فون كلاوزفيتز»، على أنها عمل من أعمال العنف يهدف إلى إجبار خصمك على الانقياد لك. وبعبارة أخرى، فإن الدول القومية تقوم بإنشاء قواتها المسلحة بهدف إجبار معارضيها على فعل ما يحلو لها. ومع ذلك، فإن هذا الدور العسكري يمكن أن يكون أكثر تعقيدا من مجرد القتال ضد عدو. وعلى الرغم من أنه لا توجد أي حرب عالمية كبرى تجري فعليا في الوقت الراهن، فإن الكثير من الدول القومية في العالم لا تزال تحافظ على قوام جيوشها الكبيرة التي تحوي مئات الآلاف من العسكريين العاملين. ووفقا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن هناك أكثر من 20 مليون من الأفراد العسكريين قيد الخدمة الفعلية في جميع أنحاء العالم. إذا أخذنا بالاعتبار قوات الاحتياط والقوات شبه العسكرية، فإن هذا العدد سوف يرتفع إلى أكثر من 60 مليون.

ويرجع السبب الأول في رغبة الدول في الحفاظ على قواتها العسكرية الكبيرة إلى كون الدول القومية لا تعتقد أنه ينبغي عليها أن تكون متفائلة جدا وأن عليها أن تواصل الاستعداد لنشوب أي صراعات مسلحة من خلال تطوير قدراتها العسكرية للتواكب مع بيئات التهديد الفرية من نوعها. ولكن السبب الثاني هو أن الجيوش الوطنية في كثير من الأحيان ما تعلب دورا في الحفاظ على الوحدة الوطنية.

الصين: بين والجيش والحزب

لنأخذ الصين على سبيل المثال. لدى الصين جيش معبأ بشكل شامل يدعى جيش التحرير الشعبي وقد تم تصميمه في الأساس لخوض نوع من الحروب لم يعد موجودا. . لكن جيش التحرير الشعبي الصيني ليس مجرد قوة عسكرية ولكنه قوة سياسية أيضا حيث يعمل بوصفه ضامنا نهائيا لحكم الحزب الشيوعي. قد يكون جيش التحرير الشعبي الصيني قويا بما يكفي لمواجهة هجوم من روسيا أو اليابان، ولكنه قبل ذلك يعمل كغراء يعقد الصينيين معا. بدون هذا الدور للجيش في تحقيق الاستقرار، فإن الصين سوف تكون معرضة لخطر التفتت على طول الحدود الإقليمية كما حدث مرارا في تاريخها.

هذا هو ما يجعل التوجيه الصادر عن اللجنة العسكرية المركزية الصينية في 28 مارس/أذار الماضي على هذا القدر من الأهمية. ذكر التقرير اليومي لجيش التحرير الشعبي أنه وفقا لاتفاق الرئيس «تشي جين بينغ» واللجنة العسكرية المركزية، فإن جيش التحرير الشعبي الصيني لن يقدم خدمات مدفوعة. ويشمل ذلك جميع أنواع الخدمات التي يشارك فيها الجيش بداية من المستشفيات العسكرية إلى الفنادق العامة. لن يتم توقيع أي عقود أخرى لخدمات مدفوع الأجر وسوف يتم الامتناع عن تجديد جميع العقود القائمة على مدار السنوات الثلاثة المقبلة. ووفقا للتقرير، فإنه سوف يتم استثناء بعض المواطن الحيوية التي سوف يتم تحديدها وفق لشكل ما غير معلن من الترتيبات المدنية العسكرية.

وكان جيش التحرير الشعبي الصيني ممنوعا من المشاركة العلنية في الاقتصاد في عام 1998، ولكن الوضع اليوم يختلف تماما عن المشهد المصبوغ بلون النمو في أواخر التسعينيات. قام شي بإقصاء جميع خصومه من أرجاء الحكومة الصينية. ويبدو أن إصلاح الجيش هو واحد من أهم طرقه في توطيد سيطرته وسيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد القوة في الدولة الصينية. ويهدف هذا التوجيه في المقام الأول إلى منع وصول ضباط جيش التحرير الشعبى الصينى إلى مصادر المال والنفوذ في الدولة. كثير من هؤلاء الضباط يعتمدون بشكل كبير على المزايا الإضافية التي يحصلون عليها لكونهم ضباط في الجيش. صار "الفساد" و"التحدي المحتمل لحكم تشي" مصطلحين مترادفين في الصين.

هذه الخطوة التي تم إعلانها مؤخرا هي واحدة ضمن عدد من الإصلاحات العسكرية الأخيرة التي عقدها «تشي». إنها ليست لعبة صفرية: جيش التحرير الشعبي الصيني يحتاج الحزب الشيوعي بقدر ما يحتاج الحزب إلى جيش التحرير الشعبي. كان على «تشي» أن يتراجع بشأن بعض التعيينات الجديدة لقادة الأقاليم كما كان عليه أن يتعهد بالتزام الدولة بتوفير فرص عمل لمئات الآلاف من الأفراد العسكريين الصينيين الذين سيفقدون مناصبهم نتيجة للإصلاحات. حقيقة أن «تشي» يبدو قادرا على إصدار مثل هذا الأمر هو مؤشر مهم على فاعلية الحكومة في بكين.

لعبة الجيش مصر وباكستان

 ويمكن رؤية نموذج آخر لدور الجيش في تحقيق الاستقرار في السياسة الداخلية، بل وزعزعته أحيانا في مصر وباكستان حيث يحكم الجيش بشكل مباشر. وقد خضعت كل من باكستان ومصر للاستعمار البريطاني في وقت ما، وكان من نتائج ذلك أن الجيش أصبح المؤسسة الأكثر حيوية في البلاد. في باكستان، فإن الجيش يمتلك ثلث حجم الصناعات الثقيلة وحوالي 12 مليون فدان من الأراضي. وهو يقوم أيضا بدور مزود الخدمات حال حدوث كارثة مثل زلزال أو فيضان. الخلية الوطنية للنقل والإمداد، والمكتب التنفيذي للحكومة الباكستانية المسؤولان عن إدارة الأزمات قد تم تأسيسهما من قبل الحكومة المدعومة من الجيش في عام 1978، وقد كانا مسؤولين عن كل شيء بداية من إدارة الخدمات اللوجستية للمنشآت النووية إلى بناء طرق جديدة وتحسين نوعية البنية التحتية في باكستان.

ومع ذلك، فإن الجيش الباكستاني لم يكن في وقت ما قادرا على السيطرة على البلاد بمفرده. في عام 1971، انحدرت باكستان إلى الحرب الأهلية التي انتهت إلى انفصال الجزء الشرقي ومنها وتأسيس جمهورية بنغلاديش. وعلى الرغم من أن الجيش هو مؤسسة تحظى باحترام كبير في المجتمع المدني الباكستاني، فإنه لم يكن قادرا على الحكم دون نوع من الإطار الدستوري الذي يشمل شكلا من أشكال الحكومة المدنية. وقد نفذ العديد من الجنرالات مثل «محمد ضياء الحق» و«برويز مشرف» انقلابات عسكرية لكنهم سرعان ما كانوا يميلون لإضفاء الشعرية على أنفسهم من خلال نوع من العملية الدستورية. والنتيجة في النهاية هي بلد يلعب فيه الجيش دورا هاما في جميع شؤون الدولة، من الدفاع عن باكستان ضد أي تهديدات محتملة من الهند وأفغانستان، إلى الاستجابة للحوادث مثل التفجير الانتحاري في 27 مارس/أذار في لاهور.

في مصر، فإن الوضع أكثر وضوحا، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد. إذا كان الجيش الباكستاني يضع أحد يديه على اقتصاد البلاد فإن الجيش المصري يحوط اقتصاد بلاده بكلتي يديه. أنه أمر بالغ الصعوبة أن يتم تقدير مدى اعتماد الاقتصاد المصري الجيش، ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن الجيش يسهم بحولي 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في مصر.

وغالبا ما يساء تفسير الربيع العربي عندما يتعلق الأمر بمصر. وقد تم دعم الإطاحة بـ«حسني مبارك» في عام 2011 من قبل الجيش بسبب رغبته في توريث الحكم لنجله. وكان نجله يحمل أفكارا طموحة حول خصخصة الاقتصاد المصري وتخفيف قبضة الجيش على شؤون الدولة. وفي كل مرة تدخل الجيش المصري، في عام 2011 للإطاحة بـ«مبارك» وفي عام 2013 لإزالة «محمد مرسي» من السلطة، فقد كان في استقباله المصريون المهللون في الشوارع. في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب عدم كفاية الموارد لدعم النمو السكاني في مصر، أصبح موقف الجيش المصري أكثر ضعفا. ولكن على الرغم من ذلك، لا توجد مؤسسة في البلاد يمكن أن بنظر إليها كمعارضة جدية صاعدة لورثة الرئيس الأسبق «جمال عبد الناصر».

حتى في الولايات المتحدة، فإن الجيش يلعب دورا حاسما في تماسك الحياة السياسية. عندما تأسست الولايات المتحدة، فقد تم تأسيس الجيش من عدد من الميليشيات الاستعمارية المحلية. وحين اقتربت الأمة من مئويتها، فإن الحكومة الأمريكية لم تكن تملك ما يكفي من القوة لمنع انفصال الجنوب. في عام 1860، كان قوام جيش الولايات المتحدة يبلغ 16 ألف جندي فقط بينما اختار قائده الأعلى، الذي تخرج من الأكاديمية العسكرية الوطنية في البلاد في ويست بوينت، القتال من أجل دولته وليس من أجل الاتحاد.

كانت النتيجة حربا أهلية دموية وضعت الولايات المتحدة على طريق تطور عسكري لم يسبق له مثيل. وكان الرؤساء الستة القادمين بعد ذلك هم من الجنرالات السابقين، كما جاء سواهم رئيسان آخران هما «وليام ماكينلي» و«تيدي روزفلت» من خلفيات عسكرية أيضا. وقد تم تعيين مهمة القوات الأمريكية بالحفاظ على وحدة البلاد وفقا لما جاء في الدستور. وكانت النتيجة أن أي قوة تحاول أن تتحدى الحكومة في واشنطن لم تكن تستمر طويلا. وكانت المواجهة الأخيرة في ولاية أوريغون بين أنصار «بوندي» المناهضين للحكومة وقوات الولايات المتحدة مجرد مهزلة أكثر من كونها قصة حقيقية نظرا لأن أحدا لم يكن لديه أي شك حول نهايتها. قوة المجمع الصناعي العسكري الذي تحدث عنه «دوايت أيزنهاور» في عام 1961 صارت ساحقة إلى درجة منعت أي نزعة إقليمية من أن تتطور لتصبح تهديدا كبيرا.

الغرض من الجندي هو خوض الحرب، والغرض من الجيش هو الدفاع عن الدولة من أي نوايا عدوانية من قوة أخرى. ولكن المؤسسات العسكرية التي نمت من رحم الحاجة إليها لديها أيضا حياتها وأنشطتها الخاصة. ومثل أي مؤسسة أو بيروقراطية، فإنها تنمو وتتغير مع الوقت، وبذلك فإن العلاقة بين الدولة والجيش لم تذد أبدا ثابتة.

 

  كلمات مفتاحية

مصر الصين باكستان الولايات المتحدة جيوش الدول الكبرى العلاقات المدنية العسكرية

السعودية تتقدم بالتصنيف العالمي لأقوى جيوش العالم في 2016

تحولات العلاقات المدنية العسكرية في العالم العربي لا تصب في صالح التحول الديموقراطي

الجيوش العربية تُبعث من جديد على وقع الربيع العربي