هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟

الاثنين 16 مايو 2016 12:05 م

سايكس بيكو قد ماتت، دعونا نبدأ بالتنويه إلى هذا الأمر الذي يبدو أنه لا شك فيه على الإطلاق. تم التوقيع الأول على هذه الوفاة من قبل بريطانيا وفرنسا نفسيهما في عام 1919 عندما قامت كل مهما بفرض الحكومات في سوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن. كما تم التوقيع عليها من قبل القوميين العرب في الأربعينات والخمسينات عندما تحطمت حركتهم في مواجهة الأنظمة التي تم إنشاؤها، قبل أن تعود من جديد لتبلغ ذروتها أثناء الستينات ثم تسقط مرة أخرى في السبعينات. كما تم التوقيع عليها أيضا من خلال حكومات الأقلية في العراق وسوريا ولبنان عندما حدثت الانقسامات العرقية خلال الثمانينات والتسعينات. وكانت أحدث هذه التوقيعات في عام 2014 عندما تحدثت «الدولة الإسلامية» عن تحطيم «سايكس بيكو» وتأسيس خلافتها في العراق وسوريا. والآن نستطيع أن نقول إن اتفاقية «سايكس بيكو» التي تم التوقيع عليها قبل مائة عام قد صارت أشبه بجثة هامدة.

ولكن مثل شبح مارلي، فإن أشباح «سايكس بيكو» لا تزال تطارد الحاضر. لا يزال الموت والدمار قائما في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد قال نائب الرئيس الأمريكي «جو بايدن» في بغداد في إبريل/نيسان اليوم: «فكروا في الأماكن التي نحاول جلب السلام إليها الآن. إنها الأماكن التي شهدت رسم خطوط اصطناعية صنعت دولا صناعية تتكون من مجموعات مختلفة تماما عرقيا وثقافيا ودينيا. ثم طلب منهم أن يتعايشوا سويا».

الاهتمام المفترض بـ«سايكس بيكو» مع حلول مئويتها لا يدور ببساطة عبر الحدود التي تغيرت منذ عام 1916. يجب أن يدور الاهتمام حول ما يجب أن تحتويه هذه الحدود. الدولة القومية، التي يبدو أنها تكتسب الشرعية السياسية والقوة في كل مكان آخر، قد فشلت في الشرق الأوسط. هذه الفكرة ليست جديدة، بطبيعة الحال. وقد تم الاعتراف بها حتى قبل الحملات الحديثة للولايات المتحدة في المنطقة. تم تداول هذه الفكرة لأول مرة من قبل «إرنست غلنر» أحد أبرز مفكري القومية في القرن العشرين.

وقد رسم «غلنر» 5 مراحل لانتشار القومية من أوروبا الغربية نحو الشرق. أولا، على طول الساحل الأطلسي في أوروبا حيث تداخلت الدول والثقافات لفترة طويلة ما أسهم في تشكل القومية بشكل مبكر ودون أن يتم تلويثها بالمنافسات الدموية. وقد تقبلت باريس ولندن ومدريد ولشبونة، هذه التغييرات بسهولة مقارنة بالعواصم اللاحقة. لفهم الخريطة السياسية لأوروبا الغربية يؤكد «غلنر» أنه من المهم أن نتعرف أكثر على الصراعات بين الأسر الحاكمة في القرنين السابع عشر والثامن عشر أكثر من المعرفة بالخريطة الإثنوغرافية لأوروبا.

في المرحلة الثانية، كانت كل ألمانيا وإيطاليا التي تتمتع كل منهما بثقافة فريدة قوية، والتي أضافت إليها الدولة الحديثة المزيد من التوحيد. إلى الآن فإن الصورة تبدو وردية ولكن المشكلة تبدأ حقا في الظهور حين ننتقل إلى الشرق. في وسط وأجزاء من أوروبا الشرقية، وهي المرحلة الثالثة وفقا لـ«غلنر»، فإنه يوجد هناك خليط من الثقافات والأعراق المتنافسة. وقد كان العنف في كثير من الأحيان أداة تستخدم لتسوية هذه النزاعات، ما أسهم في تعميق هذه النزاعات العرقية.

وبداية من المرحلة الرابعة تصبح القصة أكثر صلة بالشرق الأوسط. تشمل هذه المرحلة مناطق أوروبا الشرقية التي كان خاضعة لسيطرة الاتحاد السوفيتي الأسبق حيث كانت القومية كقوة سياسية ناشئة تتعرض للقمع حتى وقت قريب. يصف «غلنر» هذه المنطقة بالقول: «سوف نرى دويلات صغيرة، ضعيفة، عديمة الخبرة ذات اقليات سكانية ينتشر بها التطهير العرقي. بل إن مصطلح التطهير العرقي ذاته قد ظهر في بعض مناطق يوغوسلافيا السابقة».

الآن، فإن هناك عملية فرز كبير تجري في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتم ممارسة تطهير عرقي بطيء لتصبح المناطق أكثر تجانسا. ويعكس هذا الأمر الفرز الذي وقع في المناطق العثمانية من أوروبا الشرقية على مدى العقود القليلة الماضية. ومما يجعل الأمور أكثر سوءا، فإن أكثر من قرن من الحدود الهشة قد أسهم في تراكم المظالم وتزايد المطالب الإقليمية. وهي اشتباكات ربما يكون فكها عملية أكثر دموية مما حدث في البلقان. كانت النتيجة في النهاية هي قرن من تراكم عدم الثقة في النمط الغربي من الدولة القومية.

يعتقد «غلنر» أن هناك شيئا جوهريا في ثقافة الشرق الأوسط جعله أكثر مقاومة للقومية. هذا الشرق الأوسط، الذي يهيمن عليه الإسلام، كان جزءا من المرحلة الخامسة الفريدة من نوعها.

في روسيا على سبيل المثال، نشأت القومية الحديثة من الاحتكاك بين النخب المدافعة عن التغيير ونظيرتها المدافعة عن تعزيز الثقافة الشعبية المحلية. يعتقد «غلنر» أنه في المقابل، في المرحلة الخامسة يهيمن عليها الإسلام، كان التنافس بين تلك النخب التي تريد التغريب والفريق لآخر الذي لا يدعو لترسيخ الثقافة المحلية بقدر ما يركز على السنوات الأولى والمثل العليا للإسلام نفسه. يرى «غلنر» أن هذا المناخ قد صعب من مهمة مد جذور القومية التي نشأت بطبيعة الحال في أوروبا داخل الشرق الأوسط.

هل هناك فرصة للهروب من هذا المصير العنيف؟ وفقا لـ«نيكولا بيلهام» مراسل الشرق الأوسط لمجلة «ذي إيكونوميست»، فإن هناك طريقة ما. في كتابه الجديد «الأراضي المقدسة: إحياء التعددية في الشرق الأوسط» يرى «بيلهام» أن المستقبل يكمن في الماضي. وهو يدعو إلى إعادة النمط العثماني حيث تتقاسم الدول المتوازية فضاء النفوذ. بمعنى ألا تكون هناك حدود وطنية ثابتة.

«منذ البداية، كان السلاطين العثمانيون يديرون إمبراطوريتهم المتنوعة على أسس طائفية حيث يتم توزيع السلطة بين قادة الطوائف الدينية المتعددة، أو الملل. البطاركة، رئيس الحاخامات ورجال الدين المسلمين كانوا يرأسون ثيوقراطيات تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي الذي يسمح لكل منهم بتطبيق قوانينه الدينية. ولكن في حين كان قادة الملل يحكمون أتباعهم الدينيين فإنهم لم تكن لهم أي سيطرة على الأرض. تقاسمت العديد من الملل داخل الإمبراطورية العثمانية نفس المدن والقرى مع سائر الملل الأخرى. لم تكن هناك معازل أو جيوب الطائفية. وعلى مستوى الأراضي والمناطق فقد كانت تتداخل صلاحيات قادتهم».

يمكنك أن تفكر في الأمر على أنه أشبه باتفاق شنغن في الشرق الأوسط. يرى «بيلهام» لمحات من هذه الخطة في الوقت الحاضر بغداد والنجف. «وعبر فصل حكم الطائفة عن حكم الأرض فإن الصراع الدموي بين الطوائف في المنطقة يمكن أن يجد استراتيجية خروج».

ويعلق «بيلهام» بالقول إنها ربما تبدو في نظر البعض الآن خطة خيالية أو سخيفة. ولكنه يؤكد أنه لاشيء غيرها قد عمل بشكل جيد منذ توقيع اتفاقية «سايكس بيكو».

«كان القرن الماضي بشكل ما هو قرن الحدود المغلقة. تم تحصين الحدود أكثر من أي وقت مضى في الوقت الذي شددت فيه الأنظمة من تحصين حدودها بهدف فرض سيطرتها الحصرية على البقع الإقليمية التي تمثل فيها أغلبية أو التي تحوز فيها السلطة المطلقة. وفي الوقت الذي تخفف فيه أوروبا من حدودها فإن دول الشرق الأوسط يقوم بتعقيد فضاءاته التي كانت مفتوحة في وقت ما بحواجز أكثر من أي وقت مضى».

بعد مرور مائة عام على من «سايكس بيكو»، ربما تكون هذه مجرد خطة خيالية تستحق أن نلقي عليها نظرة ثانية.

  كلمات مفتاحية

العراق سوريا الدولة العثمانية الشرق الأوسط سايكس بيكو أوروبا أمريكا بريطانيا فرنسا

ما الذي تغير بعد مرور قرن على تأسيس دول الشرق الأوسط؟

لماذا على الغرب أن يتحمل مسؤولية الدماء المراقة في الشرق الأوسط؟

لماذا لا يمكن أن تحل الحدود مشاكل الشرق الأوسط؟

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة

«بارزاني» في مئوية «سايكس - بيكو»: الاتفاقية التي ظلمت الأكراد ماتت .. وسنقرر مصيرنا

«نيويورك تايمز»: هل كان بإمكان حدود مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط؟

مائة عام على «سايكس بيكو»

العرب ومئوية «سايكس- بيكو».. واقع على رمال متحركة!