النظر خلف العلاقة الروسيّة الإيرانيّة

الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 05:10 ص

أهملت وسائل الإعلام تغطية القمّة الرابعة للدول المطلّة على بحر قزوين التي عُقدت في مدينة أستراخان الروسيّة بسبب انشغالها بالتطوّرات المتسارعة في سوريا والعراق. لكنّ النظر عن قرب إلى هذا الحدث يبيّن مسألة مثيرة للاهتمام بين لاعبين مهمّين هما روسيا وإيران قد تصبح مواقفهما حاسمة في حال توسّعت المعركة مع تنظيم الدولة الإسلاميّة إلى معركة على الأرض.

بعد أن وصل الرئيس الإيرانيّ «حسن روحاني» من نيويورك للمشاركة في القمّة في أستراخان التي تطرّقت بشكل أساسيّ إلى الوضع القانونيّ لبحر قزوين، أجرى محادثات مغلقة مع الرئيس الروسيّ «فلاديمير بوتين» تمحورت، بحسب ما زُعم، حول مشاريع الطاقة. وكان هذان القائدان قد تقابلا سابقاً، في سبتمبر/أيلول 2013 في اجتماع منظّمة شنغهاي للتعاون في قرغيزستان وفي أيار/مايو 2014 في الصين. لكنّ روسيا التي تواجه حاليّاً عقوبات غربيّة تريد التأكّد من أنّها ستظلّ مزوّداً رئيسيّاً للطاقة بالنسبة إلى أوروبا، وهي تقوم بكلّ ما يمكن لإشراك إيران في هذا المجال قبل لجوئها إلى مصادر تزويد بديلة محتملة.

وقد تعود تجربة إيران في تخطّي العقوبات الضخمة بالنفع على روسيا. فعلى الرغم من الضربة القويّة التي وجّهتها العقوبات إلى الاقتصاد الإيرانيّ، أظهرت البلاد أنّها لم تتعثّر ولم تيأس مع أنّها «تعرّضت للارتباك والاضطراب من جميع الجهات». وهذا هو بالضبط ما تحاول روسيا تحقيقه بدورها.

في الواقع، لم تكن العلاقات بين روسيا وإيران جيّدة يوما على مرّ التاريخ. لكنّ واقع العقوبات الجديد يدفع روسيا إلى إعادة النظر في علاقاتها مع أعداء لدودين سابقين وتجديدها، ولا شكّ في أنّ لديها بعض المصالح المشتركة مع إيران.

ففي الوقت الحاليّ، هناك أربعة أبعاد رئيسيّة للسياسة الخارجيّة في العلاقات الثنائيّة بين موسكو وطهران. وتشمل هذه الأبعاد، بالإضافة إلى مسائل الطاقة، البرنامج النوويّ واستقرار أفغانستان – أو بتعبير أوسع، أمن آسيا الوسطى – والأحداث المأساويّة في سوريا والعراق والشرق الأوسط الكبير.

وتتخوّف كلّ من روسيا وإيران من المعركة التي تقودها الولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ داعش في سوريا، باعتبار أنّها قد تزيد الوضع سوءاً وتؤدّي إلى بروز مجموعات إرهابيّة أخرى. ويذهب الخبراء ووسائل الإعلام في روسيا وإيران أبعد من ذلك، مشيرين إلى احتمال استخدام الحملة ضدّ مقاتلي داعش في سوريا كذريعة لاجتياح البلاد.

وتتشارك روسيا وإيران رؤية استراتيجيّة لجنوب القوقاز تتمثّل بمنطقة خالية من النزاعات العسكريّة وغير قابلة للاختراق الخارجيّ (أي من الغرب وإسرائيل).

والأهمّ بالنسبة إلى موسكو هو أنّ طهران كانت من الدول المسلمة القليلة التي دعمت سلامة الأراضي الروسيّة في خلال حربين اثنتين في الشيشان والتي تشاركت رؤية الكرملين بشأن تلقّي الحركات الجهاديّة هناك الدعم من الخارج، ولا سيّما من دول الخليج. بالإضافة إلى ذلك، تدرك إيران تماماً الوسائل والمخطّط السياسيّ الكامنة خلف هذا «التمرّد الداخليّ» الذي تعاني منه روسيا. فإيران على دراية تامّة بالقوقاز الروسيّ وبفسيفسائه الاثنيّة السياسيّة والاجتماعيّة الدينيّة المعقّدة، وهي تبسط بهدوء قوّتها الناعمة على مجتمعات مرتبطة تاريخيّاً وسياسيّاً بالفرس (بالتحديد أوسيتيا الشماليّة). ولم تتخلَّ إيران أيضاً عن فكرة أن تصبح قوّة أكثر نفوذاً في جنوب القوقاز.

ولا يُحدث الإيرانيّون ضجّة، أو ضجّة كبيرة على الأقلّ، عندما تثير أفعال روسيا سخطهم «من حظر وصيّة الإمام الخميني الأخيرة سنة 2008 باعتبارها "أدباً متطرّفاً" إلى إلغاء تسليم أنظمة أس-300 للدفاع الصاروخيّ». لا شكّ في أنّ طهران لم تغفر هذه التجاوزات وغيرها، لكنّها لم تبنِ يوماً انتقادها لروسيا عليها.

ولم ينسَ الروس ما حصل للمفكّر والكاتب المسرحيّ والسفير الروسيّ إلى إيران، «ألكسندر غريبويديف»، الذي اغتالته عصابة غاضبة في طهران سنة 1829. ولا تزال هذه الحادثة تشكّل حتّى اليوم تحذيراً لصانعي السياسات الروس لتوخّي الحذر والتعامل بحنكة مع طهران. إلى ذلك، يستتبع تصريح «الخميني» الشهير بأنّ الولايات المتّحدة هي «الشيطان الأكبر» فكرة أنّ الاتّحاد الروسيّ هو «الشيطان الأصغر»، وهي استعارة يعتبرها بعض المحلّلين انعكاساً لرؤية استراتيجيّة لإيران في ما يتعلّق بروسيا المعاصرة. والمثير للاهتمام أنّ الحذر من إيران، على الصعيد الشعبيّ، قد ارتفع. فقد أظهر استطلاع للرأي في العام 2013 أنّ 40% من الروس يعتبرون تأثير إيران على الشؤون العالميّة سلبيّاً (10% فقط يعتبرونه إيجابيّاً).

وبالتالي، على الرغم من الاعتقاد السائد أنّ روسيا هي الداعم الرئيسيّ لإيران خارج المنطقة، إلا أنّ طبيعة العلاقات بين البلدين هي أشبه بلعبة تقليديّة ذات أسلوب شرقيّ تتمثّل بالتكلّم بهدوء والاختلاف ضمنيّاً وإبرام صفقات خلف الكواليس بشأن مسائل تخدم مصالح مشتركة طويلة الأمد حتّى عندما تتباين المخاوف الحاليّة (كما في معارضة داعش وإبقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم).

وقد وصفت الكاتبة المساهمة في «المونيتور»، «باربرا سلافين»، العلاقة الأميركيّة الإيرانيّة بالقول إنّ الدولتين «صديقتان لدودتان وعدوّتان مقرّبتان». وللعلاقات الروسيّة الإيرانيّة تاريخ أطول بكثير وجدول أعمال أكثر دقّة. لكن إذا أردنا أن نبتدع تعريفاً موجزاً للعلاقة الحاليّة بين البلدين، يمكننا القول إنّهما «خصمان مرغمان وصديقان براغماتيّان».

المصدر | المونيتور

  كلمات مفتاحية

روسيا إيران فلاديمير بوتين روحاني

أردوغان في مواجهة إيران وعبثها ومعضلة سوريا

أمريكا ترفض عرضا إيرانيا لربط محاربة «الدولة الإسلامية» بتنازلات نووية

طفرة النفط الصخري تغيّر التوقعات: الولايات المتحدة ستسبق روسيا والسعودية

روسيا والمملكة العربية السعودية ... الشراكة الخليجية الجديد؟

إيران تتوقع اتفاقا قريبا مع روسيا لبناء مفاعلات نووية جديدة