استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاضطراب الحقوقي والأمني الذي يسبق العاصفة

الخميس 7 يوليو 2016 08:07 ص

شيئا فشيئا تتجه اوضاع العديد من الدول العربية نحو الوضع الذي كانت عليه عندما اندلعت ثورات الربيع العربي قبل اقل من ستة اعوام. يومها كان القمع هو الظاهرة الاوضح في تلك الدول، كما كان الهدوء النسبي الظاهري مؤشرا لعمق ذلك القمع والقبضة الحديدية للانظمة، وليس لاستقرار امني حقيقي الذي لا يتحقق الا برضا الناس وشعورهم بالعدل والامن وتوفر المستوى الادنى من الحقوق.

جاء الانقلاب على الثورات مفاجئا ولكنه كان مدروسا وشاركت فيه قوى الثورة المضادة بفاعلية كبيرة وتصميم منقطع النظير. وكان بامكان اغلب البلدان التي حدثت فيها الحراكات الشعبية وتلك التي لم تكن رياح الثورة قد وصلتها ان تستفيد من هذه الفترة لمنع الاحتقان الداخلي وازالة اسبابه، خصوصا في مجال الحقوق السياسية والمدنية. كان بامكانها مثلا اعلان حزمة من الاصلاحات المحدودة التي توفر مجالا للتنفيس عن الاحتقان وتبييض سجونها من معتقلي الرأي. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث.

وعلى العكس، تصاعدت الانتهاكات بمعدلات كبيرة بموازاة تعمق الاستبداد وتغول «الدولة العميقة» الرافضة للانفتاح والتطوير. ويضاف الى اسباب الاحتقان هذه المرة تدخل قوى الثورة المضادة في الشؤون الداخلية للدول العربية باشكال واساليب مقززة، تعمق الشعور بانتهاء السيادة الوطنية وتعمق الهيمنة الاجنبية على العالم العربي.

فالولايات المتحدة اصبحت، برغم عزمها على نقل ثقلها العسكري من المنطقة الى جنوب شرق آسيا وبحر الصين والمحيط الهاديء، اكثر دعما للانظمة واوسع تدخلا في شؤون المنطقة، خصوصا عبر بوابة «التصدي للارهاب». اما بريطانيا فقد عادت الى المنطقة بعد اقل من نصف قرن من الانسحاب العسكري من كافة المناطق شرقي السويس في 1971، وبدأت ببناء القواعد العسكرية، واولها في البحرين.

كما ان حقوق الانسان تصدعت كثيرا في ظل سقوط السيادة وتوسع دوائر الصراعات وتعدد جهاتها، كما هو الوضع في العراق وسوريا واليمن وليبيا. واذا اضيف البعد الاسرائيلي للعوامل المؤدية لغياب الاستقرار وتراجع الشعور بالامن السياسي فان توسع دائرة نفوذ الكيان الاسرائيلي في السنوات الاخيرة كشف تراجعا كبيرا على صعيد حصانة الامة وكرامتها.

وفي الاسبوع الماضي اعترفت الامم المتحدة بان مشكلات العنف والمستوطنات وحصار غزة تقوض الامل في السلام. وقال مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف إن تقرير اللجنة الرباعية توصل إلى أن استمرار العنف والإرهاب والتحريض والتوسع في المستوطنات الإسرائيلية ووجود غزة خارج سيطرة السلطة الفلسطينية «يقوض بشدة الأمل في السلام». وتضم هذه اللجنة الدولية الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وبتضاؤل سراب السلام، تتعمق مشاعر اليأس والاحباط، ومعها النزعة للتمرد على النظام السياسي العربي الذي اضعف ارادة الامة في التحرير وسعى للتطبيع مع قوات الاحتلال الاسرائيلية. وبرغم الجهود التي بذلت لاضعاف موقع فلسطين في الضميرين العربي والاسلامي، فان مشاهد الاقتحام اليومي للمسجد الاقصى وتهويد القدس وإحكام الحصار على غزة والفشل الدولي في دعم اهلها واعادة بناء الدمار الذي احدثه العدوان الاسرائيلي قبل عامين، كل ذلك من العوامل التي تدفع نحو الاحتقان السياسي والنفسي.

وإذا اضيف لذلك بروز مشاريع التطبيع مع قوى الاحتلال، واقحامها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بما في ذلك استخدام تجاربها في القمع والاضطهاد، اتضح مدى الاستفزاز الذي يوجه للوجدان الشعبي في المنطقة. وقد استخدم ابشع الاساليب لتخدير الجماهير، وتم اشغالها بقضايا هامشية لصرف انظار الشعوب عن اوضاع بلدانها واضعاف جنوحها نحو التغيير. غير ان هذه السياسة انما تعمق الاحتقان تدريجيا حتى يصل الى حالة تنفجر الاوضاع فيها كما حدث في العام 2011.

واذا كانت اوضاع حقوق الانسان المؤشر الاوضح لمدى الاستقرار الداخلي للبلدان، وما اذا كانت هناك آفاق للثورة والتمرد، فان من المؤكد ان هذه الحقوق اصبحت اكثر ترديا في العديد من البلدان العربية. يضاف الى ذلك تراجع مستويات المعيشة وغلاء الاسعار وانخفاض الانفاق العام نتيجة تراجع اسعار النفط، الامر الذي يضاعف الازمة ويزيد الغضب.

وفي الاسبوع الماضي قدم تقرير بثته وكالة «رويترز» صورة قاتمة حول الوضع المصري مؤكدا ان «هناك حملة صارمة استهدفت في البداية نشطاء المعارضة لتستهدف الآن شخصيات بارزة ومقدمي برامج تلفزيونية وموسيقيين يؤدون عروضهم بالشوارع… وأحيل قضاة عارضوا أحكاما جماعية بالإعدام إلى التقاعد. ويواجه نقيب الصحافيين ووكيل النقابة محاكمة وذلك للمرة الأولى في تاريخ المؤسسة الصحافية».

وقال التقرير ان السلطات تطبق بشكل صارم قانونا يلزم بالحصول على موافقة وزارة الداخلية على أي تجمع عام لأكثر من عشرة أشخاص حتى أن الشرطة فرقت في 27 حزيران/يونيو مئات الطلاب الذين كانوا يحتجون على تأجيل امتحاناتهم بعد تسريب الأسئلة. انها مقدمة لانفجار اوضاع مصر، ان حدث فسوف ينتقل الى بلدان عربية اخرى. وثمة ضغط آخر على نظام السيسي من الاتحاد الاوروبي حول مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في وقت سابق هذا العام.

في الاسبوع الماضي اصدر مجلس الشيوخ الايطالي قرارا بوقف تزويد مصر بقطع غيار لطائرات حربية احتجاجا على ذلك. فردت وزارة الخارجية في بيان اصدرته يوم الخميس الماضي قالت فيه إن «مصر تابعت بعدم ارتياح القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الإيطالي… وهو الأمر الذي لا يتسق مع حجم التعاون القائم بين سلطات التحقيق في البلدين منذ بداية الكشف عن الحادث والعلاقة الخاصة التي تجمع بين البلدين على كافة المستويات.»

وبرغم الصورة الديمقراطية المرتسمة في الاذهان عن المشروع الديمقراطي الغربي، الا ان سياسات التحالف الانكلو – امريكي في المنطقة اصبح معوقا لرواج ذلك المشروع في هذا الجزء من العالم. وقد تكثفت جهود هذا التحالف في السنوات الخمس الاخيرة لمواجهة حركات التغيير وحماية الانظمة الصديقة. ولذلك يتعرض قادة هذا التحالف بين الفينة والاخرى لضغوط من النشطاء السياسيين والحقوقيين للقيام بدور اكثر توازنا خصوصا بعد ان نجم عن سياساتهم تصاعد ظواهر التطرف والعنف. بل ان الارهاب توسعت دوائره كثيرا خلال السنوات الخمس عشرة منذ اعلان «الحرب على الارهاب»، واصبح يمثل خطرا ليس على المنطقة فحسب بل حتى على الغرب.

لذلك ارتفعت الاصوات المطالبة بتغيير في سياسات التحالف الانكلو امريكي تجاه قضايا المنطقة خصوصا لجهة ممارسة الضغوط على الاسرائيليين، وكذلك في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان. وفي الاسبوع الماضي عبرت الرياض عن غضبها بعد مطالبة منظمتين حقوقيتين دوليتين بتعليق عضوية المملكة العربية السعودية بمجلس حقوق  الانسان.

وقالت البعثة السعودية في الأمم المتحدة في بيان «نشعر بانزعاج وغضب من بيان (منظمتي) العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش الذي يتهم السعودية بشن هجمات غير قانونية في اليمن.» وقالت المنظمتان إن السعودية لها «سجل مروع من الانتهاكات في اليمن في الوقت الذي تحظى فيه بعضوية مجلس حقوق الإنسان.» والسعودية الآن في العام الأخير من عضويتها التي تستمر ثلاث سنوات بمجلس حقوق الإنسان الذي يضم 47 بلدا. ويمكن لثلثي أعضاء الجمعية العامة (193 بلدا) تعليق عضوية أي بلد في المجلس الموجود مقره في جنيف لاستمراره في ارتكاب انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان خلال فترة العضوية.

وفي الوقت نفسه حث سبعة أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي وزير الخارجية جون كيري على الضغط على حكومة البحرين كي تبذل المزيد لدعم الإصلاحات السياسية والاجتماعية فيما يزيد من مشاعر القلق في واشنطن في الآونة الأخيرة بشأن سجل البحرين في حقوق الإنسان. وقال الأعضاء في رسالة لكيري إنه ينبغي للولايات المتحدة الاستعداد لدراسة «عواقب ملموسة» منها إعادة النظر في مبيعات الأسلحة إذا استمرت حملة السلطات ضد المعارضة.

وقال الأعضاء وهم ستة من الديمقراطيين وجمهوري واحد «تقاعس البحرين عن التجاوب مع الشكاوى المشروعة لمواطنيها سبب توترا في النسيج الاجتماعي للبلاد وشجع أطرافا من الخارج على استغلال تدهور الوضع.» وأضافوا «نعتقد أن الحملة الصارمة التي تشنها الحكومة على المعارضة السياسية تقوض استقرار البلاد وتصب في صالح إيران» وقالوا إنهم يشعرون «بقلق عميق». أما الاوضاع في البلدان الاخرى مثل سوريا وليبيا واليمن والصومال فتتطلب جهودا من نوع آخر.

هذه الوقائع تكشف ابعاد الواقع الجديد في العديد من الدول العربية التي كان بامكانها تطوير انظمتها السياسية وملفاتها الحقوقية، وعدم الاكتفاء باستخدام العصا الغليظة ضد مناوئيها. فهذه السياسة ادت لعدد من النتائج الخطيرة:

أولها الاحتفان السياسي الذي يهدد بانفجار الاوضاع مجددا، على غرار ما حدث في 2011.

الثانية: استمرار الضعف البنيوي لهذه الدول بما يهدد امنها واستقرارها وقد يؤدي لتفتت الكيانات الكبرى من بينها.

الثالثة: احراج الحلفاء الغربيين لاتخاذ مواقف ضاغطة على هذه الحكومات، الامر الذي ستكون له انعكاسات على التحالفات الدولية وعلاقات المنطقة بالغرب.

الرابعة: إن غياب التوافقات الوطنية حول مشاريع الحكم والحقوق العامة واقامة حكم القانون واحترام الشرائع الدولية، كل ذلك من سمات المجتمعات المضطربة التي لن تستقر حتى تحقق التغيير المؤدي للتحول الديمقراطي.

لذلك تعيش المنطقة مخاضات عسيرة، ليس معلوما بعد، ما اذا كانت ستؤدي لولادة سعيدة ام  لاجهاض مؤلم وشقاء لا ينتهي.

الامر المؤلم ان الأوضاع ترجح احتمالات تكرر الثورات التي لا يستبعد ان تكون هذه المرة حاسمة وشاملة.

* د. سعيد الشهابي - كاتب من البحرين يقيم في لندن

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي ثورات الانقلاب النظام السياسي الإرهاب السعودية اليمن البحرين

السعودية تعترض على قرار أممي بجعل الاتصال بـ«الإنترنت» من حقوق الإنسان

المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر: استفحال انتهاكات حقوق الإنسان

السعودية «غاضبة ومنزعجة» من مطلب تعليق عضويتها بمجلس حقوق الإنسان الأممي

«نيوزويك»: مطالبات بوقف عضوية السعودية بلجنة حقوق الإنسان الأممية بسبب اليمن

منظمات سعودية ويمنية تنضم لدعوة تعليق عضوية المملكة في مجلس حقوق الإنسان