استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

محنة حرية الفكر والاعتقاد

الأربعاء 28 سبتمبر 2016 12:09 م

كنت عازماً على كتابة مقال عن موضوع آخر لولا أن فاجعة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر من قبل معتوه أحمق جديد من بين مئات ألوف المعتوهين الحمقى في بلاد العرب وبلاد المسلمين، تحتم الانضمام إلى صفوف المناهضين لظاهرتي التطرف المجنون والفهم البليد لدين الإسلام، اللًتين ترمز إليهما حادثة الاغتيال تلك.

وإذا كانت هذه حادثة أودت بحياة فرد فإن «القاعدة»، وما فرخت من أبناء وبنات وأحفاد، مارست مثلها وأبشع منها، بحق الألوف من البشر الأبرياء، بالجنون والفهم اللاعقلاني للإسلام نفسه. مأساة ناهض حتر تطرح مرة أخرى موضوع حرية الفكر والاعتقاد التي أقرها القرآن الكريم، ولكن يرجف بفهمها المرجفون.

حرية الفكر والاعتقاد هي من الأسس التي قامت عليها رسالة الإسلام، فآية « لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وآية «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» واضحتان ولا تحتاجان لأي تفسير، وهما تحكمهما الآية «تلك آيات اللُه نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون».

بمعنى آخر فإن أي حديث، من أي كان وتحت أي مسمى، يتناقض معهما ويبطلهما هو حديث غير مقبول عقلاً وغير إسلامي انتماء. إذن، ليست المشكلة في القرآن وإنما في مكان آخر، كتبت بشأن نقاط الضعف في بنائه وفي محتوياته المجلدات، ومن قبل أشخاص لا يُشكك في إيمانهم وتديُّنهم وعلمهم وغيرتهم على طهارة دينهم.

هذا المكان الآخر تمثل أولاً في ما سمي بعلوم الحديث: تلك الأحاديث النبوية التي زاد عددها من حوالي الخمسمئة حديث أيام الخلافة الراشدة إلى حوالي المليون في عصر المأمون، التي وضع الكثير منها لدعم مشروعية هذا الحكم أو ذاك أو لدعم هذا المذهب أو ذاك أو لتشويه الدين الجديد عن طريق الإسرائيليات، وتلك التي اختلف حول معياري تصنيفها وترجيحها وصحتها، معيار السند ومعيار المتن، والتي بسبب ذلك امتلأت بالخرافات وبالاعتداءات على طهارة نبي الإسلام، وبجرأة محاولة نسخ بعض آيات القرآن وبالادعاء بمعرفة تفاصيل عالم الغيب وبالحط من مكانة المرأة وبمخالفة الآيات القرآنية بشأن حرية الإنسان في فكرة وعقيدته وتصرفاته.

ولقد دون كل ذلك في كتب مذهبية اكتسبت القداسة عند البعض والصدقية التامة عند البعض الآخر. ومع أن كثيراً من الكتاب الإسلاميين طالبوا مؤخراً بمراجعة تلك الكتب وتنقيحها مما علق بها من نقاط ضعف كثيرة إلا أنها لاتزال راسخة في الحياة الدينية والثقافية والسياسية، تمد من يريد من المعتوهين والمجانين بزاد لا ينضب لارتكاب إراقة الدماء والمجازر ولوضع العرب والمسلمين والإسلام في مواجهة مع العالم كلُه ولممارسة بشاعات سبي النساء والاعتداء عليهم جنسياً وغيرها كثير.

ومع الأسف فإن بعضاً من الأنظمة السياسية العربية والإسلامية وكثيراً من المؤسسات الدينية والفقهية والمذهبية ومجموعات من مدُعي العلم المرتزقين الدجالين ضالعون في ترويج ذلك الفهم وذلك التقديس، وبالتالي في رفض المراجعة والتنقيح لكتب ذلك التراث المشوه المستغل. وكنتيجة طبيعية لكل ذلك التخبُط في عالم علوم الحديث، المعتدى عليه زوراً وبهتاناً، الذي يستعمل اليوم من قبل المعتوهين كمصدر لزرع الفتن والصراعات وارتكاب الموبقات، أدخل بعض الفقهاء علوم الفقه الإسلامي في متاهات كثيرة باسم الاجتهاد أحياناً وباسم منع الفتن والبدع أحياناً آخر.

هذا الفقه الذي بناه بشر واجتهدوا فيه حسب علوم وظروف ونمط حياة أزمنتهم انضاف إلى محنة علوم الحديث ليكون الركن الثاني في ذلك المكان الآخر. وهو الآخر، وبصورة مؤكدة، يحتاج إلى المراجعة والتنقيح والتجديد والإخراج من عالم المذهبية الضيُق، بل وبنائه من جديد كفقه جديد يأخذ بعين الاعتبار علوم هذا العصر وظروفه وبشره، إذ بدون مراجعة وتجديد سيبقى هذا الفقه ايضاً أحد المصادر التي تستعمل ما فيه من حلول وضعت لظروف تاريخية مختلفة عن حاضرنا، لاستعماله هو الآخر في تدمير مبدأ حرية الفكر والاعتقاد القرآني وبالتالي في إراقة الدماء وترسيخ حياة التخلٌف والتزمُت والظلم والطأفنة البغيضة البدائية. 

إن ما يحز في النفس هو تقديس ذلك الفقه وتناسي ما قاله على سبيل المثال أبو حنيفة «هذا رأيي، فمن جاء برأي أفضل قبلناه»، أو مالك «أنا بشر أخطئ وأصيب»، أو الشافعي «إذا صح الحديث بخلاف قولي فأضربوا بقولي عرض الحائط»، أو ابن حنبل «ما ضيق علم الرجال تقليد الرجال. فلا تقلدوا الرجال فإنهم لا يسلمون من الخطأ».

وبصورة مؤكدة ينطبق الأمر على مؤسسي كل المذاهب الفقهية الأخرى.

نستطيع في بلاد العرب وبلدان الإسلام أن نتحدث إلى ما شاء الله عن فلسفات الحريات وأفكار الحداثة ومتطلبات الديمقراطية وأهمية التسامح وتحكيم القضاء العادل في كل خلافاتنا، لكن ذلك لن يفيد. إن المعتوهين والمجانين لن يقرأوا ذلك، فهم مشغولون بقراءة ما يعجب نفوسهم المريضة في ثنايا ذلك التراث المبتلى بالعلل. من هنا ستظل الدماء تسفك بدون وجه حق، والأزواج يفرُقون بدون وجه حق، والمرأة تعاني وتئن، وأجهزة الأمن تستغل رسماً كارتونياً أو جملة عابرة لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين، والحياة العربية ترزح تحت مآسي القرون وبلاداتها، وأمثال ناهض حتر يسقطون على وجوههم في برك دمائهم.

نحن هنا نتحدث عن حادثة الاغتيال الهمجي وليس عما إذا كان الكاتب قد أخطأ التقدير والتعبير، فهذا موضوع آخر. هذا الاغتيال الغادر يضيف الحزن والأسى إلى مأساة حرية الفكر والاعتقاد في أرض العرب التي تمارس كل ما يغضب الذات الإلهية ثم تدعي طاعتها.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

حرية الفكر والاعتقاد اغتيال ناهض حتر الأردن الدولة الإسلامية القاعدة داعش