قالت مجلة «فورين بوليسي» إنّه إذا ما واصلت أسعار النفط تراجعها، فإن دول الخليج العربي ربما لا تكون قادرة على مواصلة تدفق أموال مساعداتها لجيرانها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لا يتمتعون بمخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط، خصوصًا مصر والمغرب.
وأشارت المجلة الأمريكية في تقرير بعنوان «التدفقات الملكية» نشرته قبل أيام، إنّ مصر دونًا عن باقي دول العالم هي الأكثر ترقبًا بقلق لانخفاض أسعار النفط عالميًا، خشية أن يؤثر هذا على ما تحصل عليه من دعم من دول الخليج، إلا أن مصدرًا حكوميًا مصريًا قال لصحيفة «الشروق» أمس الجمعة إن «مصر ستستفيد من انخفاض أسعار النفط عالميًا، حيث سيسهم ذلك في زيادة حجم المواد البترولية التي ستحصل عليها مصر من وراء اتفاقها الأخير مع الإمارات على مساعدات بنحو 9 مليارات دولار».
ويقول الكاتب «كيث جونسون» في التقرير إنه: «لعقود طويلة عملت دول الخليج الغنية على دعم جيرانها العرب في المنطقة، لتجنب النفوذ الأوروبي الكبير ولضمان الاستقرار السياسي في المنطقة التي تفتقر للاستقرار عبر تاريخها، وهذا الأمر يجعل الصحة المالية لدول الخليج شاغلًا رئيسًا للقاهرة والرباط وعمان».
وإن المساعدات السعودية والإماراتية التي تدفقت على مصر لدعم «السيسي» منذ أن انقلب علي الرئيس «محمد مرسي»، بلغت 20 مليار دولار تعهّد السعوديون والإماراتيون بدفعها لإبقاء الاقتصاد المصري غير منهار، وسلمت منها حتى الآن ما يقرب من 17 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك أموال نقدية ومنتجات نفطية.
ويربط التقرير هذا بتوقع صندوق النقد الدولي، هذا الأسبوع حين قال إن «منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستعد لعام آخر من النمو المخيب للآمال»، وتحذير «مسعود أحمد» مدير الصندوق أن «بلدان مثل السعودية ربما تواجه عجز العام المقبل إذا ما واصلت أسعار النفط تراجعها، وأنه بالنسبة لبلدان الخليج ككل، فإن تراجع أسعار النفط قد يؤدى إلى تقليص فوائضها المالية المتوقعة البالغة 175 مليار دولار».
مخاطر انخفاض أسعار النفط
ويشير تقرير «فورين بوليسي» إلى أن انخفاض أسعار النفط ينذر بخطرين: الأول، خطر داخلي في دول الخليج يتعلق بعجز عن توفير أموال لخطط اقتصادية محلية والآثار المترتبة على الميزانية بعد تراجع أسعار النفط؛ والثاني، خطر تقويض المساعدات الخارجية السخية التي تضخها السعودية والإمارات وآخرون لمصر والأردن والمغرب من أجل الحفاظ على اقتصادياتهم ودرء شبح حكومات «غير صديقة غارقة في الأيديولوجية الإسلامية المتشددة».
وتشير المجلة الأمريكية إلى أن هذه المؤشرات ربما تضع ضغوطًا إضافية على تلك البلدان لإصلاح ميزانيتها التي لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، حيث تستخدم دعم الطاقة الذي يشجع على التبذير ويكلف الحكومات مليارات الدولارات سنويًّا، ففي الكويت، تبلغ تكلفة الوقود في محطات البنزين 0.19 دولار ثمن للتر الواحد.
واعتبر وزير المالية الكويتي خفض الإنفاق «حتمية»، في حين وصف وزير المالية العماني الدعم بأنه «إسراف»، وقال إن الإصلاحات ضرورية للإنفاق خصوصًا مع انخفاض أسعار النفط، كما أن البحرين تحاول كل عام وقف الإعانات، لكنها تواجه قدرًا كبيرًا من المعارضة السياسية.
خفض دعم الطاقة
وبينما أعلنت مصر والمغرب والأردن وتونس عن خطط لخفض دعم الطاقة لتوفير النفقات، فإن دول الخليج الغنية بالنفط تدرس خطوات مماثلة، رفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، توقعاتها بالنسبة للتصنيف الائتماني لمصر من سلبي إلى مستقر، بفضل المساعدات الخارجية الخليجية التي كانت دافعًا رئيسًا في تحسين هذا التصنيف.
ومنذ سقوط حكومة«صدام حسين» عام 2003، أصبح الأردن يعتمد بشكل متزايد على المساعدات السعودية، رغم أن الطبيعة المتقلبة لهذه المعونة تخيف الكثير من الناس في المملكة الأردنية.
وقد حصلت الأردن والمغرب على تعهد بالحصول على 250 مليون دولار لكل منهما في العام الماضي، للمساعدة في تطوير اقتصادياتها ومعالجة البطالة المتوطنة التي قد تقوض الأنظمة الملكية الحاكمة هناك، ودول الخليج سخية مع الأردن لأنها تتحمل تكاليف استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من تقدم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.
ويقول «ستيفن دايك»، المحلل بوكالة موديز في تصريحات لـ«فورين بوليسى»، إن المساعدات الخليجية لعبت دورًا هامًّا في تعزيز الثقة ومنح الحكومة المصرية متنفسًا لإجراء إصلاحات اقتصادية، هذا الصيف، وأن الجميع يعرف أن «مصر أكبر جدًا من أن تترك لتفشل، لذا كان هناك التزام خليجي بتقديم الدعم لها».
وتابع: «إن وجود خطر وجودي على مصر من شأنه أن يدفع الخليج لإبقاء دفتر شيكاته مفتوحًا لها”، و”أنّ كلًّا من السعودية والإمارات والكويت، الداعمين الرئيسيين لمصر، لا يواجهون أى ضغوط حرجة بشأن تراجع أسعار النفط».
فدول التعاون الخليجي الست، لديها ثروة مجتمعة تبلغ 2.5 تريليون دولار، والسعودية وحدها لديها احتياطي قيمته أكثر من 750 مليار دولار، والكويت أكثر من نصف تريليون دولار، كما أن الإمارات بعيدة عن خطر أزمة السيولة؛ حيث لديها احتياطيات هائلة من النفط بتكاليف استخراج منخفضة، فضلًا عن ملكيتها أكبر صندوق للثروة السيادية بالعالم.
وقال إنّ هناك دلائل تشير إلى أن السعوديين وفّروا المزيد من التمويل الأجنبي مما يظهر على الميزانيات الرسمية.