من الإنشاءات إلى الألبان: انخفاض أسعار النفط يلقي بظلاله «الثقيلة» على القطاعات الصناعية السعودية

الأحد 16 أكتوبر 2016 06:10 ص

نحن الآن في المملكة العربية السعودية. يوجد هنا في مدينة الخرج ما يلزم لتشغيل مصنع الألبان الضخم في الصحراء الحارقة.  هنا بقر من نوع هولشتاين، أنظمة تبريد، والمياه يتم ضخها من أعماق الأرض، والأعلاف تأتي من الأرجنتين. وأيضا هناك أنظمة لنقل الحليب المبرد وغيره من المنتجات إلى جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى 9000 سيارة.

وقد عزم نجل الملك السعودي، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، على زيادة الألبان، والمراعي، كنموذج لدولة تحاول إبعاد نفسها عن الاعتماد على النفط. ولكن حتى شركات مثل المراعي، مع عدم وجود اتصال واضح بأنشطة البترول، فإنها تعتمد على الطاقة الرخيصة التي تقدمها المملكة.

مزق انخفاض أسعار النفط والحرب المكلفة على نحو متزايد في اليمن الفجوة في الميزانية السعودية، وخلق أزمة أدت إلى تخفيضات في الإنفاق العام، وتخفيض في أجور ومزايا العاملين في الحكومة ومجموعة من الرسوم و الغرامات الجديدة. لقد تم تقليص الدعم الضخم للوقود والمياه والكهرباء التي كانت تشجع على الاستهلاك المفرط. وقال مسؤولون في شركة المراعي، وهي واحدة من أكبر العلامات التجارية في الشرق الأوسط، أن هذا يعني 133 مليون دولار بالنسبة للشركة هذا العام.

وقد سببت خطة الأمير «محمد» للإصلاح الاقتصادي هزات عبر دولة طالما تمتعت بأسلوب حياة مرفهة تم التعهد بها للمواطنين. وقالت «لاما السليمان»، سيدة أعمال وعضو مجلس إدارة غرفة جدة للتجارة والصناعة أن «الحكومة تتحرك بسرعة كبيرة في إصلاح الأمور في السعودية، في حين أن الناس يجدون أنفسهم في الخلف». «لم تعد الحياة قادرة على الاستمرار كالمعتاد».

تنطوي إعادة كتابة العقد الاجتماعي على مخاطر عالية للأمير ولي ولي العهد البالغ من العمر 31 عاما والذي راهن بسمعته على تحويل الاقتصاد. وقال «إبراهيم النحاس»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك «سعود» في الرياض: «الناس يتطلعون لمعرفة ما إذا كان يمكن أن نفعل ذلك». مضيفا: «إذا كان الأمر كذلك، فإن مستقبله سيكون العرش. إذا لم ينجح، فسوف يضيع مستقبله».

النفط متغلغل في مفاصل الاقتصاد

وقد تغلغل النفط هنا في كل جزء تقريبا من الاقتصاد السعودي. النفط الخام يفعل أكثر من تقديم مليارات الدولارات من الأرباح لشركة أرامكو السعودية وشركة النفط الحكومية، وسابك، عملاق الصناعات الكيميائية. إنه أيضا دعامة لقطاعات أخرى مثل إنتاج الأسمنت وصهر الألمنيوم.

تحرق السعودية برميل بعد برميل من النفط الخام لتوليد الكهرباء، وهي واحدة من البلدان القليلة التي تفعل ذلك بكميات كبيرة. وتعمل مكيفات الهواء البارد في مراكز التسوق التجارية، حيث تبلغ درجات الحرارة في الخارج حولي 100 درجة في فصل الصيف الماضي، ويذهب الأطفال للتزلج في مدينة سنو، المتجمدة وهي مركز ترفيهي جديد في العاصمة اعتمادا على النفط. جزء كبير من مياه الشرب اللازمة للحفاظ على هذه الدولة الصحراوية على قيد الحياة تأتي من عمليات التحلية التي تستنزف الطاقة. ويؤدي التكدس في حركة المرور الهائلة في الرياض إلى استنزاف البنزين.

وتساءلت «غلادا لاهن» الباحثة في «تشاتام هاوس»، وهي مؤسسة بحثية في لندن، إلى أي مدى تعتمد كل صناعة رئيسية على الطاقة الرخيصة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كما حذرت من أن المملكة قد تصبح مستوردا للنفط في غضون بضعة عقود إذا لم تقم بتغييرات كبيرة.

وافقت السعودية في الشهر الماضي في اجتماع لمنظمة البلدان المصدرة للبترول في الجزائر، على خفض الإنتاج لرفع سعر النفط الخام. كما أعلن الأمير محمد عن خطط هذا العام لبيع جزء صغير من جوهرة التاج الاقتصادية للبلاد، أرامكو السعودية، لتحرير الأموال للاستثمار.

وكان العجز في الميزانية وصل إلى ما يقرب من 100 مليار دولار في العام الماضي. وتراجعت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد بنسبة الربع منذ بدأت أسعار النفط بالانخفاض في عام 2014. وكانت الحكومة قد اقترضت من البنوك الأجنبية وستحاول الاقتراض أكثر من سوق السندات العالمي.

يراهن البعض أن البنك المركزي السعودي سيضطر لخفض قيمة عملة الريال. وقال «زاك شرايبر»، رئيس بوينت ستيت كابيتال، الأمر الذي راهن بمليار دولار على أن النفط سينخفض، أن الريال السعودي مقوم بطريقة مبالغ فيها بشكل كبير، وأن البلاد تحتاج فقط بين عامين إلى 3 أعوام قبل أن تضربها هزة كبيرة.

وكانت الحكومة قد قطعت فجأة تمويل مشاريع البناء، مما اضطر المقاولين إلى تسريح العمال. وقد طالب العمال الأجانب الذين أضرموا النار في الحافلات بشهور من الرواتب المتأخرة. وأدت القفزة المفاجئة في فواتير المياه في ربيع هذا العام إلى مثل هذا الغضب على وسائل الإعلام الاجتماعية. وتمت إقالة وزير المياه والكهرباء بعد أن أخبر المواطنين أن عليهم أن يحفروا الآبار الخاصة بهم إذا كانوا غير راضين عن الأسعار.

إضافة إلى هذا الضغط، فقد تضاعف عدد سكان المملكة تقريبا منذ عام 1990. وحيث أن نصف السعوديين هم من الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، وفي الوقت الذي لا يقدم فيه القطاع الخاص فرصا جيدة بما فيه الكفاية لنحو 300 ألف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام، ولاسيما النساء، فإن الأمور تصبح أكث سوءا.

وعلى الرغم من صورة السعودية الكلاسيكية كملاذ لقيادة الفيراري، فإن عائدات النفط هنا أقل بكثير من نصيب الفرد في الدول الصغيرة مثل قطر أو الكويت. هناك فقر في المملكة فضلا عن تزايد في أعداد الطبقة الوسطى.

في ليلة واحدة في الشهر الماضي، بلغت الحرارة الخانقة 99 درجة (فهرنهايت) في الرياض بعد غروب الشمس، مع غبار معلق في الهواء. حيث كانت «أم راشد الراشد» تبيع سلال من البذور في سوق صغيرة، على أمل المساعدة مع معاش زوجها المتواضع.

قالت السيدة «أم راشد»: «الأسعار آخذة في الازدياد في كل شيء». كانت فاتورة الكهرباء للزوجين بعد عطلة رمضان عالية بحيث أنها لم تعد قادرة على تحملها. لذلك تم إغلاق التيار الكهربائي. وقالت: «الجمل فقط يمكنه أن يعيش بغير كهرباء».

خطة الإصلاح

تظهر على لوحات الإعلانات في جميع أنحاء البلاد، صور الملك وولي العهد والأمير «محمد  بن سلمان»، وعيونهم نحو الأفق، مع شعار رؤية 2030 الأرجواني والشعار الوطني، شجرة النخيل والسيفين، فوقهم. وتدعو خطة 2030 لتنويع الاقتصاد على مدى السنوات الـ14 المقبلة.

ويشمل ذلك توسيع الصناعات التعدينية في البلاد لاستغلال مناجم الذهب والفوسفات واليورانيوم، وبناء القطاعات المالية والتكنولوجيا والترفيه. وبينما تعلن العديد من البلدان أنها سوف تولد إيرادات إضافية من خلال السياحة، فإن السعودية لديها مكة المكرمة، و أكثر من 1.6 مليار مسلم من جميع أنحاء العالم لابد أن يقوموا بأداء فريضة الحج قبل أن يموتوا.

وقد جمع الأمير «محمد» كبار رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وحتى الرياضيين والفنانين في فندق ريتز كارلتون في الرياض أواخر العام الماضي لمناقشة الأهداف الاقتصادية.

بعد عقود من حكم الملوك الثمانينيين، قال بعض الشباب السعودي في المقابلات أنهم شعروا بالنشاط الذي يقوم به أمير من جيلهم. وقالوا: «كان يجب أن يتم هذا منذ وقت طويل. ولكن رجل أعمال سعودي قال إن الأمور لا تزال رخيصة جدا»، رافعا زجاجة من الماء وقائلا:«زجاجة المياه هذه أكثر تكلفة من نفس الكمية من الغاز».

هناك حاجة الآن لسد الفجوة في الميزانية. وأعلنت الحكومة خططا لأكثر من ثلاثة أضعاف الإيرادات غير النفطية بحلول عام 2020، بدءا من رفع رسوم التأشيرات، وزيادة قيمة الغرامات للمخالفات المرورية.

وبعد الخصم من رواتب الوزراء وتجميد التوظيف والحد من المكافآت وفرض عمل إضافي في القطاع العام بأكمله، أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي أن الدفع للعمال سيكون وفقا للتقويم الميلادي (كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا)، بدلا من المدة الأقصر قليلا في التقويم الإسلامي، مضيفة تقريبا يوم عمل واحد غير مدفوع الأجر في الشهر.

وقال السيد «حمزية» من منتدى دراسات شبه الجزيرة العربية: «إذا كان راتبك يتراجع والتكاليف الخاصة بك ترتفع، فما الذي يمكنك أن تفعله».

الإنفاق من جانب الحكومة والشركات والمستهلكين مربوط بشكل متزايد بالنمو وفرص العمل. الطريقة الوحيدة لخلق المزيد من فرص العمل للسعوديين في مثل هذه البيئة قد تكون من خلال التخلص من العمال الأجانب واستبدالهم بالسكان المحليين. تلك السياسة، والمعروفة باسم السعودة، اتبعت على الأقل منذ الثمانينيات ، وفشلت دائما، حيث يقطن المملكة أكثر من 10 ملايين من الأجانب».

الآن، الحكومة تضغط على الشركات. وبالرغم من أن تكلفة العمال الأجانب أقل، ولكن الحكومة ترفض تجديد التأشيرات للعمال الأجانب للشكات إذا لم تحتو قوائم موظفيها على نسبة معينة من السعوديين. وتشمل أهداف في المملكة زيادة فرص العمل بأكثر من 450 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص بحلول عام 2020.

وتوظف المراعي للألبان 8000 من السعوديين بينما قوة العمل لديها أكثر من 40 ألف عامل. في صباح أحد الأيام، أدخلت 150 من أبقار الهولشتاين في صالون الحلب حيث يوجد العمال من كينيا والفلبين وغيرها. لدى الشركة أكاديميتها التدريبية الخاصة للسعوديين، وتخطط لاستقبال 15 ألف سنويا لكن عدد المتقدمين سنويا يصل فقط إلى 400 فقط.

وقد نبهت الحكومة على منتجي الألبان بالتخلص التدريجي من إنتاج الأعلاف المحلية لأن المياه شحيحة جدا. وعلى الرغم من بيئتها الجافة، تابعت السعودية الزراعة على نطاق واسع، حتى تصبح مصدرا للقمح ولكنها اضطررت إلى التخلي عن الزراعة لتوفير المياه. وقد اشترت شركة المراعي الأراضي الزراعية في الأرجنتين وكاليفورنيا وأريزونا لإنتاج البرسيم هناك ومن ثم شحنه.

وفي حين أن أسعار الفائدة والأعلاف ترتفع، لم يسمح لمنتجي الألبان برفع سعر الحليب. لأن ارتفاع أسعار الحليب يمكن أن يكون لها انعكاسات سياسية.

ومن المتوقع مع تعميق خفض الدعم من المملكة، أن نأتي إلى ذات النقطة التي بلغتها زراعة القمح، حيث يفكر صانعو السياسات إذا كان من المنطقي إنتاج الحليب في الصحراء.

وقال السيد «غافن» المدير الأيرلندي لشركة المراعي: «الناس الذين يزوروننا لا يستطيعون أن يصدقوا أن هناك قطعان من البقر تعيش هنا». «لكنهم لم يفكروا يوما من أين يأتيهم الحليب».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية الإصلاح الاقتصادي انخفاض أسعار النفط المراعي