استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لا تنتهي الحروب بتوقف القتال

الأربعاء 26 أكتوبر 2016 05:10 ص

هناك ظاهرة تاريخية مفادها أن بناء المدن والمجتمعات والحضارات يحتاج لقرون، بينما لا يحتاج تدميرها إلا لبضعة أيام أو حتى لبضع ساعات في أيامنا الحالية.

نحن العرب، إذ نشاهد أمامنا ذلك الدمار الهائل الذي حدث ويحدث لمدن ومجتمعات العديد من الأقطار العربية، نحتاج أن نذكر أنفسنا بتلك الظاهرة من جهة، ومن جهة أخرى بقاعدة سياسية – اجتماعية مفادها أن الحرب لا تنتهي بتوقف القتال وسفك الدماء، ذلك أن الحرب، بسبب الدمار الذي أحدثته والفتن التي أحيتها ومشاعر الكراهية التي أيقظتها، تمتد لسنين طويلة أخرى بعد توقف إطلاق النار.

لتأكيد ما سبق فإن المؤرخين يؤكدون أن الحرب العالمية الأولى لم تنته إلا بعد أن قادت فواجعها ومضاعفاتها إلى قيام الحرب العالمية الثانية، وأن هذه هي الأخرى لم تنته إلا بعد انتقال العالم إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي ودول الغرب، وأن مضاعفات الحرب الباردة، حتى بعد إعلان نهايتها الرسمية، تعكس نفسها الآن في شكل حروب وصراعات إقليمية لا تنتهي في مكان حتى تشتعل في مكان آخر.

ولن نذهب بعيداً ففي تاريخنا لم تنته معركة الجمل إلا عند بدء معركة صفين، وأن هذه قادت بعد ذلك إلى عدد لا يحصى من الحروب والثورات والصراعات السياسية والمذهبية التي لاتزال معنا إلى يومنا الذي نعيش. من هنا ستحتاج مجتمعات الأقطار العربية، المنكوبة حاليا بالحروب والصراعات، تحت مختلف الرايات وصيحات القتال، إلى سنين طويلة لتلتئم جراحات حروبها وصراعاتها الطائفية والإثنية العبثية التي تعيش جحيمها في اللحظة التاريخية الحالية، إضافة بالطبع لبناء ما دمرته الحروب والصراعات من عمران واقتصاد.

من هذين المنظورين لن يكون هناك غالب أو مغلوب، وسيرتكب أبشع البلادات، من بين المحاربين ومن بين أنصارهم وأزلامهم، من سيعتقد بأنه سيقطف ثمار النصر الوهمي، فلن تكون هناك ثمار لتقطف وإنما فقط مذاقات المرارة وحسرات الندم. 

هذا تذكير يوجه لكل نظام حكم، لكل جماعة إثنية، لأتباع كل مذهب أو دين، لأفراد كل قبيلة، لكل ممارس لرذيلة الزبونية سواء لقوى الخارج أو لرؤوس الفساد في الداخل، لضباط كل جيش عربي.

لماذا نطرح هذا الموضوع؟

نطرحه لأن حراكات الربيع العربي، التي قامت في بداياتها لتحقيق أهداف شرعية ونبيلة حرفها البعض، على المستويين الرسمي والمدني، نحو المسار الكارثي العبثي الذي نتحدث عنه، والذي لن ينتهي بإلقاء السلاح وإعلان هدنة السلام. البعض فعل ذلك بسبب جهل وقلة خبرة والبعض الآخر قصد من وراء ذلك تشويه سمعة تلك الحراكات وإيصالها إلى الفشل واليأس، ومن ثم حرفها عن أهدافها النبيلة التي بدأت بها نضالها.

نطرحه أيضاً لأن المظالم التي فجرت حراكات الربيع العربي ستظل معنا لسنين طويلة، وبالتالي فان الصراعات السياسية ستستمر في المستقبل المنظور. لكن هل سيتعلم المستقبل من فواجع الماضي؟ هل سيجعل الجميع خيار الحرب والصراعات الدموية خياراً لا يطرق إلا إذا فشلت جميع خيارات الأخذ والعطاء والتقابل في منتصف الطريق وممارسة تراكم المنجزات السياسية والحقوقية عبر الزمن المعقول، قبل الانتقال إلى طريق ارتكاب حماقات الحروب وإسالة الدماء التي ستمتد، كما ذكرنا، آثارها عبر المستقبل البعيد؟ 

نحن هنا، بالطبع لا ننفي الحق المقدس للشعوب في أن تناضل، بل وتحارب، من أجل دحر الظلم والظالمين وترسيخ قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة في أوطانها. نحن هنا نعيد التذكير بدروس التاريخ البشري، عبر القرون، بشأن تجنب الطرق الخاطئة والمسالك الخطرة عند ممارسة ذلك الحق المقدس، إذ أن جعلها ممارسة تعلي من قيمة الموت والأموات على حساب الحياة والأحياء سيؤدي إلى جعل تلك الحرب المقدسة النبيلة عبثاً في عبث.

طرق وأساليب النضال في مجتمعات العرب تحتاج إلى مراجعة، لا لإضعاف مضامين وأهداف النضال الشرعية، وإنما للارتقاء بها إلى المستويات الإنسانية السامية.

في التاريخ وفي حقائق علوم السياسة والاجتماع دروس وعبر ستعيننا على ذلك.

* د. علي محمد فخرو - كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الحروب القتال العرب الربيع العربي أساليب النضال النضال الإنساني صراعات إقليمية