العالم لن ينتهي الآن.. هزيمة الجماعات الجهادية على الأرض أحيت الواقعية بين السنة

الخميس 27 أكتوبر 2016 10:10 ص

ربما يبدو مصير بلدة ريفية صغيرة في شمال سوريا غير منطقي، عندما تواجه بهجوم متعدد الجنسيات على المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية، الموصل. ولكن عدد قليل من الأماكن كان يمثل الصورة المركزية لتنظيم الدولة. ومجّد الجهاديون دابق باعتبارها ذكرت في حديث شريف للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، عن معركة نهاية الزمان، حيث يرون أنّها ستستضيف المعركة النهائية الدامية بين مؤمني الخلافة والصليبيين الغربيين. وكانوا قد ظهروا وهم يقطعون رؤوس ضحاياهم، مثل عامل الإغاثة الأمريكي «بيتر كاسيج»، على سفوحها. وفي حين اقترب يوم الحساب، أفاد مراقبون أن تنظيم الدولة يحصن دابق بنحو 1200 مقاتل.

في النهاية، لم تستطع الدولة الإسلامية الحفاظ على دابق بعد يوم واحد فقط من القتال أمام المعارضة المدعومة من تركيا. وكان خليفة التنظيم، «أبو بكر البغدادي»، قد أعلن أنّه رأى الاستسلام في المنام، كما أوضح المبررون. وانتشرت دعاية لتنظيم الدولة تتحدث عن تأجيل معركة نهاية الزمان لحين تحقيق نبوءة «فتح رومية»، وهو ما يشير إلى أنّ معركة نهاية الزمان لن تسبق فتح روما.

وكان الإيمان بالآخرة، نظرية الموت والحساب ويوم القيامة، مرنا دائما بالنسبة إلى تنظيم الدولة. ويرى الخبراء أنّها تمثل أداة لجذب الجنود أكثر منها عقيدة إيمانية. وقد وصفها الأكاديمي الفرنسي، «جين بيير فيليو» بـ «نهاية الزمان المقتنصة للفرص». وبدا السيد «أبو بكر البغدادي» مهتمًا أكثر ببناء الدولة من يوم القيامة. ودعا نفسه «الخليفة»، ولم يدّعي أنّه المهدي الأسطوري، أو المسيح. لكنّ الزخم الديني قد ساعد في تأثر المسلمون بالخارج، مثل «محمد إموازي»، المهاجر من لندن، والذي أعدم السيد «كاسيج» وآخرين. وساعد «دافع نهاية الزمان» على تجنيد أناس غير مألوف لهم مثل هذا التقليد. وقد تماشى هذا كثيرًا مع الأوروبيين كما يقول الأستاذ «ديفيد كوك» مؤلف كتاب «إسلام نهاية الزمان». وفي كلمات لـ«ابن خلدون»، أعظم مؤرخ في تاريخ الإسلام الكلاسيكي، يقول «يستمد العرب قوتهم فقط من خلال الاعتماد على الدافع الديني».

وتقليديًا، فإنّ الطائفة السنية من الإسلام وهي المسيطرة، سعت لدعم النظام العالمي. وكانت فكرة نهاية العالم معتقدًا شيعيًا. ولكن خلال القرن الأخير، أصبح السنة ينظرون للعالم بطريقة مختلفة. فقد قلبت الجيوش الغربية النظام القديم في العراق قلب الإسلام، وقامت باستبدال الحكام السنة (الأقلية) بحكام غير سنة من (الأغلبية الشيعية). وتحولت الثقة السنية للإحباط واليأس.

لم تكن الجماعات الجهادية مثل القاعدة تعطي وقتًا كبيرًا لنظرية نهاية الزمان، لكن مع التعثرات المتتالية للسنة، بدأ بعض السنة بتبني بعض روايات الشيعة الأكثر خيالية. ويقول «روبرت جليف»، من جامعة إكستير: «كان هذا الخطاب موجود دائمًا في الإسلام السني، لكنه لم يتطور أبدًا لرواية مهيمنة». وبعد أن قتلت أمريكا أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق عام 2006، وهزمت أتباعه الجهاديين، بدأ الأتباع بالحديث عن علامات الساعة التي تنبأ بها رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي يتحدث فيها عن التطاول في البنيان وطلوع الشمس من مغربها وجيش يلوح بالرايات السود يظهر في الشرق. كما يشتركون مع الشيعة في الإيمان بظهور المهدي المنتظر وعودة المسيح.

على النقيض، كلما ازداد شيعة العراق في السيطرة والقوة، تراجع حديثهم عن نهاية الزمان. حيث يقول سائق سيارة أجرة من مدينة الأكواخ المزدحمة بالشيعة: «عندما عانينا، صلينا من أجل الإمام. وعندما أتى النصر، نسيناه». وفي إيران، لازالت فكرة نهاية الزمان موضع جدل بين رجال الدين والعلمانيين. ولكن على أي حال، فقد انخفضت نغمة الحديث عن الخلاص والنهاية بين الشيعة. حتى «مقتدى الصدر»، وهو رجل دين متواضع ولكن ذو سطوة في العراق، قد غير اسم قواته من جيش المهدي إلى كتائب السلام.

والآن، وبعد تلاشي وعد دابق، هل فقد الجهاديون إيمانهم بالأفكار العدمية؟ تشير إشارات سابقة أنّ الفشل سيؤدي فقط لمضاعفة رحلات الطيران بعيدًا في الخيال. ولكن السيد «كوك» يشير إلى تراجع المنشورات التي تتحدث عن نهاية الزمان بداية من أرصفة القاهرة وحتى كربلاء. وتحت الرقابة المشددة، ربما أصبحت تباع تلك المنشورات تحت الأرض، أو لعلها وجدت مكانًا لها على الشبكة العنكبوتية. ولكنّ العديد من السنة العراقيين قد روّعوا بأفلام الرعب الخاصة بتنظيم الدولة من أي شخص آخر. ويقول الدعاة في بغداد أنّ واقعية جديدة تتشكل، وهي أفضل، ربما، من انتظار الساعة الموعودة.

المصدر | ذي إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية الموصل دابق نهاية العالم