استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حراك الطلاب في مصر.. بين مقاومة السلطوية والتراجع بفعل القمع

الخميس 10 نوفمبر 2016 11:11 ص

في أعقاب الخروج على الإجراءات الديمقراطية والفض الدموي للاعتصامات في صيف 2013، أحدث الطلاب المنتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفون معها حراكا قويا في الجامعات المصرية جعل من عودة الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي هدفه الرئيسي – حركة طلاب ضد الانقلاب. وسرعان ما حدث الصدام بالسلطوية الجديدة وأجهزتها الأمنية التي تعاملت قمعيا مع الطلاب المحتجين، وردت على العنف اللفظي والمادي الذي تورط به بعضهم بعنف بالغ وقوة مفرطة وسلب لحرية الطلاب.

خلال الفصل الأول للعام الدراسي 2013-2014، شهدت الجامعات 1677 احتجاجا طلابيا نظم العدد الأكبر منها في كليات جامعة الأزهر (المنتشرة في العديد من محافظات البلاد) وفي جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية. إزاء عنف الأجهزة الأمنية تطورت أهداف الحراك الطلابي لتجمع بين عودة الدكتور مرسي ورفض الإجراءات الدستورية والقانونية والسياسية التي اتخذتها السلطوية الجديدة (من صياغة دستور جديد لمصر وتمرير قوانين غير ديمقراطية مثل قانون التظاهر والفض الدموي لاعتصامات الإخوان وإعلان الجماعة حركة إرهابية) وبين التنديد بقتل الأمن للطلاب والمطالبة بالإفراج عن المحتجزين والمسجونين والمختفين قسريا منهم. كذلك نظم الطلاب عددا من الوقفات الاحتجاجية للتعبير عن رفض قرار المجلس الأعلى للجامعات المصرية في أيلول / سبتمبر 2013 منح الضبطية القضائية لأفراد الأمن الإداري بالجامعات وتكليفهم «بحفظ الأمن ومنع أحداث الشغب والعنف والبلطجة» داخل الحرم الجامعي، وهو ما مثل فعليا إعادة لوجود الأجهزة الأمنية في الجامعات بعد أن كان القضاء الإداري قد حكم بإخراجها في 2010.

واستكملت السلطوية الجديدة قمعها للحراك الطلابي، من جهة، بإصدار رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور في 18 شباط / فبراير 2014 قرار بتعديل قانون تنظيم الجامعات (القانون رقم 49 لسنة 1972، وجاء التعديل بإضافة المادة 184 مكرر إلى القانون) على نحو أعطى لرؤساء الجامعات سلطة فصل الطلاب الذين توجه لهم الإدارات الجامعية اتهامات بممارسة «أعمال تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر أو تستهدف منشآت الجامعة أو الامتحانات أو العمل داخل الجامعة أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة» ويقر محققون جامعيون بتورطهم في ذلك. وعلى الرغم من نص تعديل المستشار منصور على إمكانية تظلم الطلاب المفصولين أمام مجالس التأديب الجامعية وحق الطعن على أحكام مجالس التأديب أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا أن إدارات الجامعات توسعت في اتخاذ إجراءات عقابية ضد المشاركين في الحراك: فأحيل 1052 من الطلاب للتحقيق والتأديب الداخلي، وفصل من الدراسة أكثر من 600 طالب، ومنع العشرات من أداء امتحانات نهاية الفصل الأول للعام 2013-2014. ومن جهة أخرى، أصدرت المحاكم أحكاما قاسية بالسجن والغرامة على طالبات وطلاب كانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليهم وأسندت إليهم النيابة العامة اتهامات بالعنف والشغب وحيازة السلاح والتعدي على الأفراد وإتلاف المنشآت، معتمدة على تحريات الأجهزة الأمنية فقط.

شوه القمع الجامعات، ومكن الأمن (الأمن الإداري متبوعا بالأمن الخاص) من العبث بشؤونها، وعسكر المحيط الجغرافي للجامعات بحضور مكثف لقوات الجيش والشرطة. إلا أن القمع أسفر أيضا عن تراجع جزئي للحراك الطلابي في العام الدراسي 2014-2015، وإن لم يغيبه تماما. خلال الفصل الأول، نظم الطلاب 572 احتجاجا وشهدت كليات جامعة الأزهر وجامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية العدد الأكبر من الاحتجاجات. أما المطالب، فابتعدت تدريجيا عن عودة الدكتور مرسي ودفعت إلى الواجهة بالدفاع عن الطلاب المسلوبة حريتهم والمفصولين من الدراسة والممنوعين من أداء الامتحانات والعمل على إجلاء مصائر المختفين قسريا وغل يد الأمن في الجامعات وشارك في الاحتجاجات طلاب جماعة الإخوان المسلمين (طلاب ضد الانقلاب) وطلاب ينتمون إلى حركات وقوى يسارية وليبرالية معارضة (أو تحولت إلى معارضة) لحكم ما بعد 3 تموز / يوليو 2013 (مثل طلاب حزب مصر القوية وحركة الاشتراكيين الثوريين ومجموعات طلابية محسوبة على حزب الدستور وبعض المستقلين). تكررت أيضا أحداث العنف من اشتباكات بين الطلاب وأفراد الأمن إلى توغل قوات الشرطة في الحرم الجامعي لفض الوقفات الاحتجاجية بالقوة المفرطة ونشوب اشتباكات بينها وبين الطلاب، وسقط عشرات الطلاب قتلى وألقي القبض على عدد أكبر منهم. كذلك واصلت السلطوية الجديدة توظيف أدواتها الإدارية والقانونية لحصار الحراك الطلابي وإنزال العقاب بالمحتجين، فاستمرت أعمال إحالة الطلاب المحتجين إلى التحقيق والتأديب الداخلي وفصل بعضهم من قبل رؤساء الجامعات ومواجهة آخرين بإجراءات تقاضي سريعة وأحكام قاسية.

تغير مشهد الجامعات المصرية خلال العام الدراسي 2015-2016، فغاب الحراك الطلابي الواسع الذي وسم العامين السابقين وظهرت فاعلية مزيج السلطوية الجديدة من إجراءات قمعية وعنف أمني مفرط في مواجهة الاحتجاجات وحصار إداري وقانوني وقضائي للطلاب المحتجين. لم تتجاوز الفعاليات الطلابية في مجمل الجامعات المصرية الوقفات الاحتجاجية المحدودة وتنظيم المعارض الطلابية للتضامن مع الطلاب المسلوبة حريتهم والمفصولين والدفاع عن حقوقهم، وشارك في الفعاليات طلاب جماعة الإخوان وطلاب بعض الحركات اليسارية والليبرالية المعارضة ولم تتركهم إدارات الجامعات وأمنها دون عقاب. خلال الفصل الدراسي الأول قبض على 32 طالبا، وارتفع العدد إلى 52 طالبا خلال الفصل الدراسي الثاني. وتناوب على تنفيذ «مهمة القبض» على الطلاب عناصر الأمن الإداري العاملة داخل الجامعات وعناصر الشرطة في محيطها الجغرافي وبعيدا عنه. وعاقبت إدارات الجامعات 97 طالبا بالإحالة إلى التحقيق والتأديب الإداري وبعقوبة الفصل وبالمنع من أداء الامتحانات.

إلا أن السكون النسبي للمشهد الجامعي والتراجع البين للحراك الطلابي انقلبا رأسا على عقب في لحظتين متميزتين خلال العام الدراسي 2015-2016. في 8 تشرين الأول / أكتوبر 2015 صدر القرار الوزاري رقم 4307 لسنة 2015 بتعديل مواد لائحة الاتحادات الطلابية كإجراء تمهيدي قبل تنظيم انتخابات مجالس الاتحادات والمكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر. وفي ذات سياق التعديلات القانونية التي أدخلتها السلطوية الجديدة في 2013 و2014 لقمع الطلاب المحتجين وحصار حراكهم.

حوت تعديلات اللائحة اشتراطات تتعلق بترشح الطلاب للانتخابات كان من بينها عدم انتماء المترشح إلى تنظيمات أو جماعات إرهابية يجرمها القانون وخلو سجله من العقوبات التأديبية.

وتمثل الهدف الحكومي هنا في استبعاد الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من الترشح للانتخابات، وفي استبعاد مشابه لجل قيادات الحراك الطلابي بين 2013 و2015 من الإخوان ومن الحركات اليسارية والليبرالية المعارضة والذين تعرضوا لعقوبات الإدارات الجامعية (إن كانوا قد نجوا من سلب الحرية والحبس الاحتياطي والأحكام القضائية القاسية)، وفي استعادة السيطرة الحكومية على الاتحادات الطلابية وإخراج السياسة بعيدا عن الجامعة ومواصلة حصار الحراك الطلابي.

أجريت انتخابات الاتحادات الطلابية في تشرين الثاني / نوفمبر 2015 وشاركت بها ثلاثة تكتلات رئيسية هي «ائتلاف صوت طلاب مصر» القريب من الدوائر الحكومية والأمنية ومن إدارات الجامعات والمتبني لموقف السلطوية الجديدة بشأن إخراج السياسة بعيدا عن الجامعة، تكتل لطلاب منتمين لحركات ثورية وحركات يسارية وليبرالية معارضة للسلطوية ومتعاطفة مع المطالب الديمقراطية لثورة يناير 2011، وتكتل لطلاب مستقلين أعلنوا رفضهم للانتماءات السياسية والحزبية وابتعادهم عن الحكم والمعارضة معا. أما طلاب الإخوان وحركتهم طلاب ضد الانقلاب، فقاطعوا الانتخابات ترشحا ومشاركة.

حملت نتائج الانتخابات مفاجأة حقيقية بفوز طلاب الحركات المعارضة والطلاب المستقلين بأغلبية مقاعد الاتحادات على حساب الطلاب المدعومين حكوميا، ذلك على الرغم من رصد تدخلات ممنهجة من قبل وزارة التعليم العالي والإدارات الجامعية ومن قبل الأجهزة الأمنية لإنجاح ائتلاف صوت طلاب مصر.

وفاز برئاسة المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر الطالب عبد الله أنور (كلية الإعلام، جامعة القاهرة) وبمنصب نائب الرئيس الطالب عمرو الحلو (كلية الهندسة، جامعة طنطا)، وكانا من المعروفين بالدفاع عن الحريات الطلابية وعن حقوق الطلاب المسلوبة حريتهم والمفصولين وبرفض التدخلات الحكومية والأمنية في الجامعات.

أظهرت النتائج المفاجئة لانتخابات مجالس الاتحادات الطلابية الحضور القوي لمعارضي السلطوية الجديدة بين طلاب الجامعات، ودللت على أن فاعلية القمع الحكومي والعنف الأمني والحصار الإداري والقانوني والقضائي في الحد من الحراك الطلابي لم تقترن بإخراج السياسة بعيدا عن الجامعة أو بالقضاء على هوية الجامعة كساحة لمقاومة السلطوية.

بل أن النتائج المفاجئة للانتخابات وضعت الحكم في مأزق صريح، فقد كانت الانتخابات الوحيدة منذ الانقلاب في 2013 التي يخسرها مرشحو «الدولة» والانتخابات الوحيدة التي غاب عنها التزوير البنيوي لإرادة الناخبين (على نقيض الانتخابات الرئاسية 2014 والانتخابات البرلمانية 2015). 

ودفع ذلك الجهة التنفيذية ممثلة في وزارة التعليم العالي إلى اللجوء إلى عدة حيل إدارية وقانونية للانقلاب على النتائج، بدأت فور إعلان النتائج بعدم الاعتراف بشرعية وجود اتحاد طلاب مصر ثم بإصدار اللجنة المشرفة على انتخابات المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر في كانون الأول / ديسمبر 2015 قرار بحله بسبب خطأ إجرائي.

ولم تثبت حيل وزارة التعليم العالي سوى إصرار السلطوية الجديدة في مواجهة مساحة جامعية تقاوم على فرض سطوتها وسيطرتها على الجامعات والعصف بحقوق وحريات الطلاب وحصار حراكهم بكافة الأدوات الممكنة، تماما مثلما تعاملت مع الأصوات الحرة في الفضاء العام والمنظمات المستقلة في المجتمع المدني ومعارضيها بين القوى والحركات السياسية.

أما اللحظة الثانية في العام الدراسي 2015-2016، فارتبطت بالمشاركة الطلابية في وقفات احتجاجية ومظاهرات رفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي شهدتها البلاد في نيسان / ابريل 2016. شارك الطلاب في الحراك الاحتجاجي ضد اتفاقية «تيران وصنافير» داخل الجامعات وخارجها، فقادت حملة «الطلاب مش هتبيع» بين 15 و25 نيسان / ابريل 2016 تنظيم الاحتجاجات في العديد من الجامعات على امتداد المحافظات المصرية.

وشارك الطلاب في مظاهرة 15 نيسان / ابريل أمام نقابة الصحافيين (جمعة الأرض) وفي محاولات التظاهر التي أحبطتها قوات الأمن في 25 من الشهر نفسه. هنا أيضا ظهرت الجامعة كمساحة لمقاومة السلطوية الجديدة ولمعارضة بعض سياساتها وممارساتها وقراراتها عصية على الإخضاع واضطرت الحكم إلى التعويل على الأدوات القمعية لاحتواء الحراك الطلابي، تحديدا تعقب بعض الطلاب المشاركين في احتجاجات تيران وصنافير وسلب حريتهم.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعتي القاهرة والأميركية وعضو مجلس الشعب السابق.

  كلمات مفتاحية

مصر طلاب مصر السلطوية القمع الديمقراطية طلاب الإخوان المسلمين الجامعات المصرية

من يهدم مؤسسات الدولة المصرية؟