استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ماذا بعـد «الاندحـار العـسـكري»

الخميس 17 نوفمبر 2016 02:11 ص

سنكون مخدوعين وقليلي الفهم لو أننا اعتقدنا بأن معركتي الموصل في العراق والرقة في سوريا ستحسمان تواجد «داعش» وأخواته في الأرض العربية. 

لن ينتج عن الانتصار في المعركتين إلا إضعاف «داعش» وإنهاء مشروع الخلافة الإسلامية في الواقع العربي، وإلا تقوية وصعود مجموعات أخرى من مثل «القاعدة» الأم وتفريخاتها.

نحن أمام أخطبوط، ما إن تقطع أحد أطرافه حتى يطلع وينمو طرف آخر، قد يكون أشدُ فتكاَ. بعد الانتصار سنرى أمامنا في المستقبل القريب أنواعا من العصابات والمليشيات والأفراد الانتحاريين الذين سيزرعون الرعب وقتل الأبرياء ومهاجمة المؤسسات العامة والخاصة في طول وعرض وطن العرب وخارجه.

لن تبقى مؤسسة نفطية في مأمن، ولن تبقى البنوك خارج الصراع، وستصبح المطارات بحاجة لأقصى الحماية ليل نهار. ولن تعدم تلك الجماعات التكفيرية الاستفادة من فيض ما هو موجود من أحاديث موضوعة مدسوسة واستنتاجات فقهية كانت صالحة لأزمنة غير أزمنتنا، وقد عفى عليها الزمن وأصبحت خارج العصر الذي نعيش. وستستعمل تلك الجماعات كل الوسائل والحماقات لإبقاء العرب والمسلمين ودين الإسلام في صدام دائم مع كل العالم.

من أجل تحقيق ذلك ستحصل قياداتها على كل معونة مادية من أشكال من الاستخبارات ومن عتاة الجهل وبلادتهم في فهم رسالة السماء في بلاد العرب والمسلمين. ولن يحتاج هؤلاء إلى وسائل إعلام معروفة ومعترف بها، فوسائل التواصل الاجتماعي وأصوات التشنُج في كثير من الفضائيات «الإسلامية» ورسائل التعصب وادعاء الانتماء إلى «الفرقة الناجية»، المبثوثة في مناهج الكثير من المدارس الحكومية والأهلية ستكون أكثر من كافية للوصول إلى أسماع وعقول الشباب المهمش والعاطل عن العمل والغاضب لألف سبب وسبب. 

نرسم تلك الصورة القاتمة بكل صراحة ومسؤولية لأننا نعتقد أن تربة أرض العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في وضعها الحاضر ستظلُ صالحة لكل ما ذكرنا وأكثر. لا يمكن لحياة سياسية قائمة على الاستبداد وبطش قوى الأمن العشوائي، واستئثار أنواع من الأقليات باسم العساكر والقبائل والمذاهب والأعراق، وباسم سلطة المال والفساد وأسواق العولمة، لا يمكن لها إلا أن تكون تربة صالحة لكل ما ذكرنا من ممارسات الجنون والإرهاب وتدمير المجتمعات.

لا يمكن لحياة اقتصادية تركز الثروة في أيادي واحد في المئة من الناس وتبقي الآخرين في ضنك وتوتُر وفقر وشعور بالذل والمهانة إلا أن تكون تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام اجتماعي ولثقافة يقومان على تقديس الماضي وممارسة اللاعقلانية، وعلى مقاومة المراجعة والتجديد والانتقال إلى حداثة ذاتية للأمة إلا أن يصبحا تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام قومي إقليمي مليء بالصراعات وتآمر مكوناته على بعضها بعضا، والسماح للخارج أن يرسم معالم المنطقة العربية ومستقبلها، ويشترط قبولاَ صهيونيا لكل طموحات وأحلام شعوبها إلا أن يكون تربة صالحة لكل ذلك.

سواء أكان ما نقوله ضربا على الصدور أو استدراراَ للدموع أو إضعافا للأمل، فإن الحقيقة المرة المفجعة تقتضي أن يقال ما يقال وأن يشترط ما يشترط وأن تواجه الأمة حقيقة واقعها فتختار: إما هذا وإما ذاك.

لقد عاشت أمتنا خمسة عشر قرنا وهي قادرة على أن تتجنب الوقوع في الجحيم الذي تعيشه الآن. وكان من الممكن الحديث عن التدُرج والاكتفاء بالحركة التاريخية البطيئة. أما وأن الأمة قد أدخلت في هذا الجحيم التاريخي البالغ السوء، فان المعالجات والأساليب السابقة لم تعد كافية، بل ولم تعد صالحة.

نحن هنا نتكلم عن الوسائل والعلاجات، وليس عن الأهداف المشروعة أو عن الأحلام الكبرى الضرورية.

من هنا فان اندحار «داعش» في الموصل والرقة، إن لم تصاحبه بصورة جذرية وسريعة تغييرات كبرى وولادة قوى قادرة وفاعلة جديدة، وتفعيل إرادات جدية من داخل أنظمة الحكم والمجتمعات المدنية الراغبة والقادرة على خوض مسيرة ذلك التفعيل الصعبة المضنية، إن لم يحدث ذلك فإن ظاهرة الجهادية العنفية ستكون معنا لسنين وعقود طويلة مقبة، وإلى أن يتم إخراج الأمة من مسيرة التاريخ الإنساني.

لقد استخفت هذه الأمة من قبل بالوجود الصهيوني في جزء عزيز من وطنها، وها هي اليوم تعيش نتائج ذلك الاستخفاف العبثي: غطرسة صهيونية وأخطارا هائلة على وحدة كل تجمُع عربي وعلى نهوضه.

ولقد استخفت هذه الأمة عبر السنين بالإمكانيات التقسيمية الطائفية التدميرية الهائلة من جراء الانقسامات المذهبية العبثية التي تقوم على أسس سياسية ومماحكات تاريخية بليدة. وها هي اليوم تحصد نتيجة عدم حل ذلك الموضوع على أسس صحيحة وعادلة وعاقلة عبر خمسة عشر قرنا من الزَمن.

واليوم، وعلى مشارف اندحار عسكري بحت لـ»داعش» وأخواته، يجدر أن لا نسقط في حبائل عادات الاستخفاف التاريخية تلك ونذوق العلقم في المستقبل. إنه تحد للأنظمة السياسية وللمجتمعات المدنية، وهو تحد مستعجل لا يستطيع الانتظار. وفي هذه المرُة لن تكون الخسائر سياسية ودينية واقتصادية فقط، وإنما ستكون خسارة حضارية وجودية كبرى.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

معركة الموصل العراق معركة الرقة سوريا «داعش» الأرض العربية إنهاء مشروع الخلافة الواقع العربي «القاعدة» العصابات والمليشيات الأفراد الانتحاريون