عبد الحسن شعبان: عراق “داعش” من الحرب الأهلية إلى التقسيم

الأربعاء 18 يونيو 2014 01:06 ص

عبد الحسين شعبان، صحيفة الخليج، 18/06/2014

على نحو شديد المفاجأة وأمام ذهول الجميع تمكّنت قوى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروفة باسم "داعش" من السيطرة على مدينة الموصل حيث انسحبت قوات الجيش العراقي دون أي اعتراض يُذكر، وكذلك الحكومة المحلية، واستولت على المطارات والثكنات العسكرية والمصارف والمرافق العامة ووضعت اليد على أموالها وعلى ممتلكاتها، ليس هذا فحسب، بل أعلنت أنها تتجه إلى العاصمة بغداد بشكل مباشر .

ولعلّ مثل هذه التطورات الميدانية دفعت عشرات الآلاف من أهالي الموصل وعموم محافظة نينوى للنزوح باتجاه إقليم كردستان الذي يعاني أصلاً وجود لاجئين سوريين، وصل عددهم إلى ما يزيد على 100 ألف لاجئ، ناهيكم بوجود عشرات الآلاف من أهالي الأنبار، وخصوصاً الفلوجة، الذين نزحوا بعد عمليات الصدام المسلح قبل أشهر قليلة، خصوصاً عندما حاولت "داعش" التحصّن في المدينة .

ولعلّ الحدث الأبرز ذا المغزى السياسي الذي رافق عملية "داعش" باحتلال الموصل، هو فرض قوات اقليم كردستان سيطرتها على مدينة كركوك بالكامل ولأول مرّة، خصوصاً بما تمثله المدينة من رمزية، وهو ما أطلق عليها جلال الطالباني (الرئيس العراقي الغائب عن الوعي منذ نحو عامين) "قدس الأقداس"، فضلاً عن كونها مدينة غنية بالنفط، وكانت ولا تزال محطّ نزاع منذ بيان 11 مارس/آذار عام 1970 وحتى الآن بين الحكومة المركزية (الاتحادية الآن) ومنطقة الحكم الذاتي (إقليم كردستان الفيدرالي حالياً) ويسكنها خليط من العرب والتركمان والكرد .

وكان الدستور العراقي المؤقت "قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية" لعام 2004 قد تعرّض لها بوضع المادة 58 التي اشترطت تطبيع الأوضاع وإعادة المهجرين وتعويضهم، وإنصاف الضحايا وإجراء استفتاء سكاني، لكن هذه المادة لم يتم تنفيذها ورحّلت للمادة 140 من الدستور العراقي الدائم الذي تم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر/تشرين الأول عام ،2005 وهي مصدر خلاف شديد ولا يمكن إيجاد حل له الاّ بالتوافق، إذا استبعدنا استخدام القوة المسلحة .

إيران عرضت مساعدتها للتصدي للإرهاب بعد ساعات من سقوط الموصل بيد "داعش"، وذلك على لسان رئيسها حسن روحاني، وقدّم الرئيس الأمريكي أوباما عروضاً مشابهة عن تحركات عسكرية قريبة وقصيرة المدى وفورية والبحث في كل الخيارات .ولعلّ انهيار الدولة العراقية وذهابها باتجاه الحرب الأهلية، سيعني فشل المشروع الأمريكي في العراق وكذلك فقدان حليف مهم لإيران في المنطقة، لذلك سيسعى البلدان، إضافة إلى بعض دول المنطقة، لاحتواء الموقف، خصوصاً احتمالات امتداداته وتأثيراتها الإرهابية في دول المنطقة، بغض النظر عن المشكلات السياسية العراقية المستفحلة .

ولكن حتى لو تم استعادة الموصل واستعادة صلاح الدين، وكذلك الأنبار، وخصوصاً الفلوجة المستعصية منذ بضعة أشهر، وديالى التي لا تزال منطقة ساخنة جداً، وحزام بغداد الذي يشكّل منطقة اختراق للعاصمة، فإن استعادة وحدة الدولة العراقية ستبدو أمراً في غاية الصعوبة، بعد تعمّق انعدام الثقة ونهج التربص واستثمار الفرص لإيقاع كل بالآخر، حتى ما بين الحلفاء، فما بالك بالفرقاء أو "الشركاء" رغماً عنهم، ويعود ذلك لأسباب عدّة منها:

أولاً- إن البيئة الحاضنة للقوى المناوئة في مناطق غرب وشمال العراق، لتوجهات الحكومة وقيادتها، ولاسيّما لرئيس الوزراء، هي بيئة معادية تماماً، وهي تضغط بكل الاتجاهات لعدم تجديد ولايته وتطالب بصلاحيات وحقوق، وهي تشعر بالتهميش والغبن والحيف .

ثانياً- إن البيئة الكردية، ولاسيّما القيادات الكردية وجدت الفرصة مناسبة للإجهاز على رئيس الوزراء واعتبار تجديد ولايته خطاً أحمر، وخصوصاً رئيس الإقليم مسعود البارزاني، وهي بلا أدنى شك سوف لا تتراجع عن المكاسب التي حققتها في كركوك أو غيرها، بل تريد مقايضتها .

ثالثاً- إن المعارضة بمختلف توجهاتها، سواء من داخل العملية السياسية أو من خارجها وقفت ضد تجديد رئاسة المالكي، كما هي "القائمة العراقية" و"متحدون" و"القائمة العربية" وغيرها .

رابعاً- إن البيت الشيعي الذي دعا إلى تأسيسه د . أحمد الجلبي ونجح في إحراز نصر كبير في انتخابات عام ،2005 وفي عام 2010 تصدّع الآن على نحو كبير، حيث يقف مقتدى الصدر (الأحرار) وعمار الحكيم (مواطنون) وغيرهم ضد تجديد ولاية المالكي .

وإذا افترضنا أن الأمر سيحصل، سواء بإبعاد المالكي أو إبقائه، على الرغم من ان المالكي حصل على 95 مقعداً ولديه الآن ضمن قائمته نحو 120 مقعداً بانضمام قوائم صغيرة له، فإن تكريس التباعد والافتراق أصبح أمراً واقعاً، وربما يدفع ذلك إلى استعادة مشروع جو بايدن لتقسيم العراق، حيث يكون الجنوب شيعياً وغرب وجزء من شمال العراق (سنياً) وجزء من شماله وشماله الشرقي كردياً، بإعلاء الهوّيات الفرعية وتبدّد الهوّية الوطنية العراقية، وقد تكون عملية "داعش" وما ستفرضه من استحقاقات تصب في هذا الإطار، وحتى لو افترضنا أن الصورة غير مكتملة، فقد يتم استكمالها، لاسيّما بتسعير أوار الحرب الأهلية أو التهديد بها، وذلك للوصول إلى محطة التقسيم، باعتباره أفضل الحلول السيئة، كما سيتم تبريره.

  كلمات مفتاحية

العراق وسوريا: هل التقسيم هو الحل؟