استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أمريكا.. ديمقراطية المجامنين

الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 02:12 ص

ليست الديمقراطية قيمة في ذاتها، ولكنها آلية لتنظيم العلاقة بين القوى السياسية داخل المجتمع، وإن ديناميكيتها قد أصيبت بعطب شديد، نظير هيمنة رأس المال، وتحويل الخطاب السياسي إلى مناسبة لاستفزاز الهويات.

فتح انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الباب واسعا للتساؤل بشأن جدوى النظام الديمقراطي، وإذا ما كان هو الخيار الأمثل، لاختيار الحكام، وذلك بعد وصول رئيس يميني متعصب للبيض، وصاحب خطاب كراهية ضد المهاجرين والمسلمين. 

في هذه الأثناء، خرج اتجاه يدافع عن العملية الديمقراطية، لكونها قادرة على إنتاج الشيء ونقيضه، وأنها قادرة من خلال الآليات، والمؤسسات الراسخة، وسيادة القانون، من تخفيف حدة جنون الرؤساء الذين يتملكهم مس، بحيث يمكن النظام الديمقراطي الشعب من استبدال الرئيس، بعد اكتشاف فداحة اختياره. في المقابل، ثمة طرف آخر، وجد أن الديمقراطية قد تأتي بالأكثر سوءا، وأن الشعوب لا تصوت للأكفاء، بل لمن يعبر عنها.

وقد صادف أن يكون الرئيس ترامب حامل مشعل الشعبوية اليمينية التي تجتاح الغرب، في هذه المرحلة، التي أعادت إلى الأذهان حقبة النازية والفاشية في أوروبا، ردا على توحش النيوليبرالية، وضياع المكتسبات الاجتماعية التي ناضلت الشعوب لاقتطاعها من الإقطاعيين والرأسماليين.

فالجمهور بطبيعته يبحث عن كبش فداء، يحمله وزر سوء أوضاعه المعيشية، وتراجع مقدرته على الاستهلاك، وانخفاض مستوى رفاهيته، خصوصا وأن النظام الحديث قد صمم لتسعير هرمونات الشراء من أجل الشراء، ولا أفضل من اتهام المهاجرين والأجانب، لتحميلهم مساوئ فشل النخبة السياسية والنظام القائم. 

في الواقع، لا أحد يضع أصبعه على المشكل الرئيسي في الغرب، وفي أمريكا تحديدا، باستثناء مجموعة نخبوية محدودة، تجد أن أمريكا بدأت عمليا رحلة التراجع مع نهاية الحرب الباردة، بحيث أدى انتفاء وجود عدو خارجي إلى غياب ما يحفز الشعب، والنخبة السياسية والعسكرية، على المبادرة والابتكار، وأن الصين، مقارنة بأمريكا اليوم، متقدمة في مجالات الإنشاء والبنية التحتية. وبحسب باحثين أمريكيين، فإنه إذا كان القرن الماضي أمريكيا، فإن القرن المقبل هو للصينيين.

هذا ما أكد عليه توماس فريدمان على الأقل، الكاتب في "نيويورك تايمز"، في كتاب له، قارن فيه بين جودة الحياة في واشنطن التي يقيم فيها وبكين التي زارها لحضور مؤتمر اقتصادي. وقد ذكر، حرفيا، أن إنشاء قطار تحت الأرض أخذ من الصينيين 36 شهرا، في حين أن إصلاح السلم الكهربائي أخذ 24 شهرا في أمريكا، وليست هذه الأمثلة، وما في مقامها، إلا تعبيرا عن حنق بعض النخب الأمريكية على انخفاض مستوى المنافع التي كانت النخبة تصنعها للجمهور، جراء تطبيق سياسات نيوليبرالية مجحفة.

ما حصل في أمريكا، وقد يحصل في فرنسا، هو انزلاق تجاه اليمين، وقد يكون تحولا مرحليا، لكنه مؤثر جدا، حيث زمام القيادة في يد الشعبويين الذين يجيدون اللعب على وتر الهوية، عبر تنشيط الحنين للماضي (لنجعل من أمريكا عظيمة مرة أخرى) حين كان الرجل الأبيض هو السيد، واستبدال النقاش العمومي من نقاش حول برامج سياسية وسياسات اقتصادية، تشمل هموم الناس، ليصبح الحديث عن خطر التغير الديموغرافي الرغيف اليومي لنخبة اليمين، ورمي مصائب أمريكا الداخلية على "الهجرة غير الشرعية".

أي أن التصويت في الانتخابات أضحى شبيها بما يحدث لدينا في الوطن العربي، حيث الناس هجرت مشكلاتها الاقتصادية والسياسية، واصطفت خلف سواتر الصراع الهوياتي، تارة يتمظهر على شكل صراع بين السنة والشيعة، وتارة بين إسلاميين وعلمانيين.

خلال العقود الماضية، رفعت قيمة الديمقراطية، وجعل منها قيمة فوق القيم، خصوصا مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وهيمنة النموذج الغربي في الإدارة، والمساعي التي بذلت كي تنتشر الأيديولوجيا الليبرالية على الأراضي السابقة للاتحاد السوفييتي.

في حين أن نظرة موضوعية للديمقراطية، تعلمنا، أنها عملية Process، لاختيار مرشح بين مجموعة مرشحين، غالبيتهم يتناسلون من النخبة التي يصطفيها النظام الرأسمالي، حتى لو تظاهر ترامب والمرشح الفرنسي فيون بأنهما من خارج المنظومة، وأنهما قادمان إلى الحكم للتمرد عليها وإعادة صياغتها، كما صرح ترامب في أكثر من مناسبة، رغم أنه من عتاة قائمة فوربس للأثرياء.

وليس ما نمارسه من نقد الآن هجاء للديمقراطية، بل للممارسات التي تفشت منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، فبعد زوال "العدو الخارجي"، بهت وهج النظام الديمقراطي، وتبددت قوى اليسار التي كانت تنافس الليبرالية الحديثة.

في جميع الأحوال، ما زالت الديمقراطية "النظام الأقل سوءا"، كما أن هذه القراءة ليست ترانيم يسارية، بل خلاصة لما نتج عن تقلص للمسافة بين الأحزاب المتنافسة بين اليسار واليمين. 

* محمد الصادق - كاتب سعودي صدر له كتاب: "الحراك الشيعي في السعودية"

  كلمات مفتاحية

أمريكا ديمقراطية المجانين القوى السياسية هيمنة رأس المال الخطاب السياسي دونالد ترامب النظام الديمقراطي المهاجرين