ديكتاتور فوق الأطلال.. ماذا بعد سقوط حلب؟

الاثنين 12 ديسمبر 2016 08:12 ص

قال مقيم في حلب لشبكة «بي بي سي» هذا الأسبوع، في رسالة صوتية عبر واتساب: «كل العالم قد خذلنا. المدينة تحتضر بسرعة جرّاء القصف، وببطء نتيجة الجوع والخوف المفروض من قبل نظام الأسد».

في الأسابيع الأخيرة، أعاد الجيش السوري بدعم من الميليشيات المدعومة من إيران وبغطاء جوي من روسيا، الاستيلاء على الجزء الأكبر من شرق حلب، آخر المعاقل الرئيسية الحضرية لقوات المتمردين في سوريا. ويصارع عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين من أجل البقاء والهرب من القتال، وسط حديث عن تراجع المتمردين. ومن المنتظر في خلال ساعات أن تسقط المدينة التي تعدّ واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، مدينة طريق الحرير والجامع الكبير، في يد «بشار الأسد» وداعميه في موسكو وطهران، بعد 4 سنوات من الوحشية. الرئيس السوري، الذي أشرف على حرب خلّفت مئات الآلاف من القتلى من مواطنيه، سيرث مدينة أشباح خالية من السكان وقد تحولت إلى ركام.

وهذه قصّة تعبّر عمّا يمكن للقوى الأجنبية الخارجية أن تضيفه بتدخّلها في الحروب الأهلية؛ ولم يكن للأسد أن يفوز لولا دعم إيران وروسيا على وجه الخصوص، والتي بدأت تدخلها العسكري في سوريا منذ عامٍ مضى. ولكنّها قصّة معبّرة أيضًا عمّا يمكن أن يحدثه عزوف القوى الأجنبية عن التدخل في الحروب الأهلية. وكانت إدارة «أوباما» قد سحبت تدريجيًا دعمها العسكري لما تسمى فصائل المعارضة المعتدلة في سوريا، وبعضها يخسر الأرض الآن في حلب. ومن المرجّح أن يقطع «دونالد ترامب» كل المساعدات الأمريكية لهذه الجماعات تمامًا كجزء من جهوده لأجل الشراكة مع روسيا في الحرب ضد الإرهاب. ولم يتدخّل باقي الداعمين للمعارضة السورية مثل تركيا والسعودية وقطر لإنقاذ قوّات المعارضة بالدرجة التي ساعدت بها إيران وروسيا الرئيس «بشار الأسد». وتركّز الولايات المتحدة جهودها ضد «داعش» في مناطق أخرى من البلاد، وقد التهت دول الخليج بحربها في اليمن، وركّزت تركيا على قتالها ضد «داعش» والميليشيات الكردية السورية.

الانتصار الأكبر

ومع استعادة «الأسد» حلب، فإنه يكون قد حقّق انتصاره الأكبر في حربه الطويلة في سوريا، وهو الانتصار الذي يرجع الفضل فيه إلى «فلاديمير بوتين» والقيادة في إيران. ومع ذلك، من المرجّح أن يؤدي سقوط حلب لبدء جولة جديدة من الصراع بدلًا من وضح حدٍّ له. وسيكون «الأسد» بعذلك قد سيطر على كل المدن الكبرى في سوريا، حلب ودمشق وحمص وحماه. وسيسمح له ذلك ولحفائه بالاستمرار في هجومهم على باقي أجزاء البلاد مثل محافظة إدلب والجنوب الغربي لمدينة حلب، وستكون القوت السورية والروسية بذلك قد هزمت المتمردين في كل أنحاء البلاد. وفي نهاية المطاف، في خلال أشهر أو حتّى سنوات، سيحول تحالف «الأسد» انتباهه نحو «داعش». وفي هذا السيناريو، فإنّ وجود اتفاق سلام برعاية دولية سيكون بشروط ميسّرة للأسد.

ويتوقّع المحللون، أن تتحوّل المرحلة القادمة من الصراع إلى مجرّد حرب عصابات يقوم بها مجموعات من المتمردين في المناطق الريفية السنّية ضد قوات «الأسد» وروسيا والميليشيات الشيعية. ومن المحتمل أن ينضم متمرّدو حلب إلى القوات المدعومة من تركية في حربها ضد (داعش) بالقرب من الحدود التركية مع سوريا، أو الاندماج في جماعات إسلامية تقاتل «الأسد» في إدلب. لكن، وفي نهاية المطاف، يبدو مستقبل المعارضة قاتمًا. وكتب الباحث في الشؤون السورية، «أرون لوند»، مؤخرًا: «على الرغم من أنّ العديد من قوات المتمردين قد تعهّدوا بمواصلة القتال، إلّا أنّ بعضهم يرجّح أنّه بدون حلب ومع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، لم يعد هناك أي أمل في تحقيق الانتصار على الأسد».

ديكتاتور فوق الأنقاض

ويمثّل سقوط حلب وانتصار «الأسد» و«بوتين» تذكيرًا بأنّ الحرب الأهلية في سوريا هي عرض وليست سببا للتغير المتسارع في المنطقة. وقد بدأت الانتفاضة السورية عام 2011 نتيجةً لعدة عوامل إقليمية، بما في ذلك فشل الولايات المتحدة في احتلال العراق ما بين عام 2003 وعام 2011، وانخفاض أهمية النفط الخليجي، والتقشّف العسكري والاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، وانتخاب «أوباما» الذي انتقد المغامرات العسكرية لأسلافه. وفي نفس هذه الفترة، أصبح بعض اللاعبين الإقليميين مثل إيران وتركيا ودول الخليج أكثر نشاطًا في الشرق الأوسط، في حين أن آخرين مثل العراق وسوريا قد تحولوا إلى جوائز تتنافس عليها قوىً أخرى. وقد فرضت روسيا تواجدها بقوة في المنطقة بعد غيابٍ طويل.

ويقول «كريستوفر فيليبس»، الخبير في الشؤون السورية بجامعة الملكة ماري بلندن: «لا تزال الولايات المتحدة هي الفاعل الأقوى في الشرق الأوسط، لكنّها لم تعد تتمتّع بالهيمنة التي كانت تحظى بها في تسعينات القرن المنصرم والعقد الأول من الألفية الجديدة، وقد تنافست الجهات الفاعلة الإقليمية وروسيا لزيادة نفوذها. وقد شهدت السنوات ما قبل وما بعد 2011، سعي كل طرف لتحقيق ما هو ممكن في هذه البيئة الجديدة». وقد كان لذلك عواقب وخيمة. ويضيف «فيليبس»: «السعودية وتركيا وقطر على وجه الخصوص، قد دفعت بقوة نحو تشجيع الصراع في سوريا إلى مدىً لا يستطيعون إنهاءه بدون مساعدةٍ أمريكية. وروسيا وإيران، على الرغم من أنّهما أكثر مهارة، إلّا أنّهما لم يثبتا قدرتهما على تعديل سلوك حليفهما، ولكنّ أجندتهما الجيوسياسية قد حبستهما في معسكره حتّى الآن».

ونحن في انتظار نظام جديد ليحل محل القديم في الشرق الأوسط فإننا نشهد هذه اللحظة الانتقالية الحرب الأهلية السورية. وهي تساعد في توضيح أنّ هذه الحرب تحولت الآن إلى مشهد جهنّمي من الصراعات، التي من الممكن أن تنتهي بديكتاتور قاتل يحكم بلدًا من الأطلال.

المصدر | ذي أتلانتيك

  كلمات مفتاحية

حلب سقوط حلب روسيا إيران بشار الأسد السعودية