صاحبا صورة «راجعين يا هوا» لا زالا داخل حلب: نزوحنا هو الأصعب

الأحد 18 ديسمبر 2016 06:12 ص

«راجعين يا هوا».. أحد أشهر الجمل التي لاقت انتشارا عالميا، خلال الأيام الماضية، بعدما كتبها زوجان من حلب، ونشرت صورتها كبريات الصحف العالمية، ولاقت تفاعلا كبيرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

خرجت الصورة للنور، وتناقلها العالم، إلا أن صاحبيها لا يزالا محاصران داخل حلب، التي بسطت قوات نظام «بشار الأسد» سيطرتها عليها.

«صالح» صاحب الـ25 عاماً، كتب جملته على جدار نصف مهدّم، فيما كان يحتضن زوجته «مروى» ذات الـ20 عاماً، قبل أن يلتقط صورتهما وهو يحتضن زوجته بيد، وباليد الأخرى يحمل بندقية لم تكن له.

ولم يكن يخطر ببال «صالح» أنّ تاريخ الصورة 15 ديسمبر/ كانون الأول 2016، الذي قام بكتابته مع زوجته على أحد جدران منطقة السكري، آخر مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في حلب، سيتم تأجيله حتى إشعار آخر.

«هافينغتون بوست عربي»، وصلت إلى الشابين المتزوجين حديثاً، واللذين قالا إنّ هذا ليس النزوح الأول لهما لكنه «الأصعب» على حد وصفهما، لأنه جاء على خلاف إرادتهما، فالنزوح الذي شمل عشرات آلاف المدنيين جاء في تسوية للمعارك الدائرة بين قوات نظام «الأسد»، وفصائل المعارضة.

«صالح» ابن منطقة الأنصاري، والذي يعمل في مجال تصوير الأفلام الوثائقية، كان قد التقى «مروى» منذ عدة أشهر خلال تصويره لفيلم، وشاركته فيه كممثلة.

«روحها المرحة وضحكتها هما ما دفعاني إلى طلب يدها للخطبة»، قال «صالح».

«مروى» هي الأخرى، وجدت في زواجها من «صالح» أملاً متجدداً في الحياة، فالحب على حدّ وصفها «جميل في زمن الحرب ولكنه مؤلم»، مضيفة لأن «تجربة النزوح صعبة على زوجين كان قد بدأ حياتهما للتو، تركنا لهم (أي قوات نظام الأسد) أغراضنا التي جهزنا بها المنزل والكثير من الذكريات والتفاصيل».

ولا تقف روعة تفاصيل قصة حبّ الشابين «صالح» و«مروى»، بما أطلا به على العالم من «صورة»، بل أيضاً بما عاشاه داخل أحياء هذه المدينة وتحديداً في حي الفردوس قبل أن تقتحمه قوات «الأسد».

فقرار ارتباطهما لم يكن سهلاً في ظل الظروف القاسية التي عاشها المحاصرون لشهور طويلة، لكن الحصار كما يقول «صالح»: «علّمنا أن نفرح بما هو موجود وأن نصنع سعادتنا من أشياء بسيطة».

جاتوه الحصار

يتابع الشاب الحلبي: «في أولى أيام خطبتنا أردنا الاحتفال، وقررت مروى أن تصنع لنا قالباً من الكيك، لم نكن نمتلك سوى الطحين جلبنا البيض من أحد الجيران الذي كان يملك عدّة دجاجات في حديقة منزله، السمن من جار آخر، واستخدمنا قليلاً من حليب الأطفال بعد أن أبدلنا الشوكولا بالتمر، وأسميناه كاتو الحصار».

فترة الخطوبة كانت قصيرة، وتزامن يوم زواج «صالح» و«مروى» مع بدء الحملة التي شنتها قوات نظام «الأسد» على أحياء حلب المحاصرة، فاختصرا زفافهما باحتفال صغير ضم أهل «مروى» وبعض الأصدقاء.

«لكن غياب عائلتي التي تعيش خارج الحصار بقي غصّة»، أضاف «صالح».

لم يكن يتوقع الشابان أن تنتشر صورتهما بهذا الشكل الكبير، وخاصة أنهما وجدا في تعبيرهما عن حبهما على جدار كما يقول «صالح» وسيلة «تلهينا عن تفاصيل المأساة التي نعيشها».

راجعين يا هوا

فبعد إعلان الهدنة وتوقف القصف قررا الخروج في نزهة، بعد أيام طويلة قضياها في المنزل تفادياً للقذائف والشظايا، تابع «صالح»: «كانت معي علبة دهان بخاخ، قررت ومروى أن نترك شيئاً على جدران مدينتنا قبل الرحيل فكتبت «راجعين»، وأضافت «يا هوا».

وعلى جدار آخر كتبت لها «إلى من شاركتني الحصار.. بحبك»، ثم رسمنا التاريخ المقرر لخروجنا الأخير من مدينة احتضنت سنوات حياتنا وكل ما نملك من ذكريات.

وكان «صالح» و«مروى» اللذان عادا أدراجهما خائبين بانتظار اتفاق جديد للإجلاء، قد وضبا حقيبة صغيرة تضمّ آخر ما بقي لهما من مدينتهما، فـ«صالح» اختار أن يحمل كاميرته والكمبيوتر المحمول والقبعة التي ظهرت في الصورة، وفـ«مروى صنعتها لي كهدية في فترة خطوبتنا ولن أتخلى عنها»، على حدّ قوله.

أما «مروى» مع تنهيدة حزن عميقة، قالت إنها «ستأخذ معها شالاً تلقته كهدية من صديقاتها عندما تخرج من حلب، لكن قلبها سيبقى هناك بجانب الجدار الذي كتب صالح عليه كلمة بحبك».

وبدأت عشرات الحافلات، دخول آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المعارضة في مدينة حلب السورية، الأحد، تمهيدا لاستئناف عمليات إجلاء الآلاف من المدنيين والمقاتلين المحاصرين.

وتزامن ذلك مع دخول حافلات إلى بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين والمحاصرتين من الفصائل المقاتلة في محافظة إدلب المجاورة، تمهيدا لإجلاء أربعة آلاف شخص منهما.

وكانت المعارضة السورية اتهمت «حزب الله» وميليشيات أخرى موالية لإيران بتعطيل الدفعات التي كان مقررا أن تغادر شرقي حلب أمس الجمعة، وبإطلاق النار على الحافلات مما أسفر عن مقتل 5 على الأقل، ولاحقا وجهت «الأمم المتحدة» وواشنطن التهمة نفسها لـ«حزب الله».

وأكد مصادر صحفية أنه لا يزال نحو 40 ألفا بينهم 800 جريح في أحياء حلب المحاصرة، وهو الرقم نفسه الذي ذكرته «الأمم المتحدة» التي تقول إن من بين هؤلاء ما بين 1500 و5 آلاف مقاتل مع عائلاتهم.

وقال «الصليب الأحمر الدولي»، السبت، إن آلاف المحاصرين انتظروا الليلة الماضية وسط البرد القارس عند خطوط المواجهة شرقي حلب، أملا في إجلائهم.

  كلمات مفتاحية

راحعين يا هوا حلب سوريا حصار زواج حب صورة

تسقط حلب.. الحرب لا تسقط!