استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصر.. حصاد السلطوية الجديدة في 2016

الأربعاء 28 ديسمبر 2016 05:12 ص

تمكن جنرالات السلطوية الجديدة في مصر من تكبيل الفضاء العام ومحاصرته بالقيود وفرض الخوف مجددا حقيقة كبرى لبلد مأزوم، بعد فترة اتسمت بالحرية النسبية أعقبت ثورة 2011 وشجعت المواطن على الانخراط بفاعلية في إدارة شؤون البلاد، عبر وسائل الحراك السلمي وصناديق الانتخابات، واستفادت منها منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي اكتسبت شيئا من الحيوية، صار الجنرالات بين 2013 و2016 ينفردون بإدارة شؤون البلاد. يحكمون مصر في ظروف أزمة معيشية مستحكمة تسببوا في حدوثها، ولا يملكون لها حلولا تتجاوز الترويج لمقولات «إنجازاتنا تفوق الخيال» التي لم تعد تطمئن الكثير من المصريات والمصريين، ولا يكفون هم عن الاعتياش عليها باستحواذهم على مصادر الثروة وباستثماراتهم الواسعة ونشاطهم الاقتصادي غير المراقب.

لذلك، لم يتوقف الجنرالات في 2016 عن توظيف أدوات القمع المباشر المصممة لإخافة المواطن من مغبة التعبير الحر عن الرأي والعمل المعارض السلمي وتهجيره بعيدا عن الفضاء العام، وللقضاء على استقلالية منظمات المجتمع المدني وتهميش الأحزاب السياسية غير المسيطر عليها أمنيا واستخباراتيا. كما أنهم يواصلون تطويع الأدوات التشريعية والقانونية لتعقب وتصفية المعارضين الفعليين أو المحتملين. وواقع الأمر أن السجل القمعي لجنرالات السلطوية الجديدة بجرائمه المروعة في 2016 توثقه بموضوعية تقارير عديدة لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية. ولذلك يصنف الجنرالات دعاة حقوق الإنسان والحريات والفاعلين في منظمات المجتمع المدني، الذين يحاولون لفت النظر إلى تدهور الأوضاع الحقوقية في مصر، «أعداء» وتلصق بهم تحت مسمى الطابور الخامس اتهامات الخيانة والعمالة والتآمر، والسعي لهدم الدولة المصرية. وتلصق بهم أيضا اتهامات التواطؤ لتنفيذ «مخططات الخارج» وتلقي تمويلات أجنبية لنشر الفوضى وتفتيت البلاد، وإنهاك «المؤسسات والقوى الوطنية» من خلال صراعات داخلية مستمرة.

في 2016 أيضا، تتسع دوائر «الأعداء والمتآمرين» لتشمل قطاعات أخرى كالطلاب الذين يتم فصلهم من الجامعات لأسباب سياسية، ويحبسون احتياطيا أو يحالون إلى محاكمات صورية، وتصدر بشأنهم أحكام سلب الحرية، والبعض من الشباب والعمال الذين يواصلون الاحتجاج السلمي على السياسات الرسمية أو يرفضون الرضوخ لأوامر الطاعة والامتثال الصادرة عن الحكم، أو يكسرون حاجز الصمت بشأن المظالم والانتهاكات المتتالية من القتل في فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، إلى الاختفاء القسري الذي بلغ معدلات غير مسبوقة خلال عامي 2015 و2016 وفقا لمنظمة العفو الدولية، يقترب عدد من سلبت حريتهم بين 2013 و2016 من 60 ألف شخص، ولاستعيابهم أنهت السلطات المصرية في الفترة الزمنية نفسها أعمال البناء في أكثر من عشرة سجون إضافية. أما الأرقام المتداولة في تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية بشأن الاختفاء القسري، فتسجل مئات المختفين قسريا في عامي 2015 و2016، كما توثق لمتوسط يومي للاختفاء يدور حول 3-4 أشخاص. وفي شأن الجرائم الأخرى، رصدت المنظمات الحقوقية المحلية 326 حالة قتل خارج القانون في 2015، وارتفع العدد إلى 754 في النصف الأول من 2016. وأصدرت «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» في أغسطس 2016 تقريرها عن أوضاع السجون في مصر، وبه وثقت 1344 واقعة تعذيب (بين تعذيب مباشر وإهمال طبي متعمد) داخل أماكن الاحتجاز والسجون بين 2015 و2016.

عبر اتهامات «العداء للوطن والتآمر على الدولة» تمرر وتبرر الإجراءات القمعية باتجاه المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات والطلاب والشباب والعمال، ويحاصر بعنف حراكهم الراهن. فالسلطوية الجديدة لا تتحمل الحديث العلني عن مظالمها وانتهاكاتها، ولا تقوى كذلك على تحمل المسؤولية عن إخفاق سياساتها الرسمية. فاعتمادها الأحادي على الأداة الأمنية للقضاء على الإرهاب وعصفها بسيادة القانون وبالحقوق والحريات في سياق «الحرب على الإرهاب» يجعل بعض البيئات المحلية حاضنة للعنف، وإخفاقات السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المطبقة من إطلاق «مشرعات كبرى» غير مؤكدة العوائد ولم تخضع لحوار مجتمعي حقيقي إلى وعود «الإنجازات التي تفوق الخيال» التي تفتقد لأقل مقومات التقييم الموضوعي وتغيب بشأنها الحقائق والمعلومات.

في 2016، تضخ السلطوية الجديدة المزيد والمزيد من دماء الكراهية والإقصاء ونزع الإنسانية، وتستخدمها في سياقات متنوعة. من جهة، كخط دفاع مبدئي عن حكم يمعن في العصف بضمانات حقوق وحريات المواطن، يخرج الإعلام العام والخاص الموالي لينكر حدوث مظالم وانتهاكات وينفي وجود ضحايا. وعندما يتعذر الإنكار بسبب توثيق المظالم والانتهاكات من خلال شهادات شخصية لبعض الضحايا وجهود المدافعين عنهم، وجهود بعض منظمات حقوق الإنسان المستقلة، يشرع الإعلام الموالي في تبرير جرائم الحكم بترويج خطاب كراهية لا لبس فيه باتجاه الضحايا وباتجاه رافضي سطوة اليد القمعية، وباتجاه عموم المعارضين. تارة تلصق بهم هوية «الإرهابي» كهوية جماعية كحال من يقتلون يوميا في سيناء، دون أن تكشف هوياتهم الفردية الحقيقية وباستخفاف بين بمقتضيات سيادة القانون، وتارة تلصق بالضحايا اتهامات جزافية بالتورط في العنف والتطرف والتآمر، أو هويات إجرامية كالعمل على هدم الدولة المصرية وقلب نظام الحكم.

مصريا، كان عاما بائسا.

* د. عمرو حمزاوي - أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة عضو مجلس الشعب السابق

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر السلطوية جنرالات الإعلام الإرهاب السجون