صحفي بريطاني: ثورة مصر لم تنته بعد والليبرالية الجديدة سبب غياب العدالة

السبت 7 يناير 2017 06:01 ص

بعد ست سنوات من انتفاضة المصريين والإطاحة بالرئيس «حسني مبارك»، الذي حكم في إطار قانون الطوارئ منذ عام 1981، ارتدت البلاد إلى نفس نمط الحكم مرة أخرى على يد «عبد الفتاح السيسي»، وزير الدفاع السابق. بمجرد أن تقطع رأس شريرة، تنبت مكانها رأسٌ أخرى، مثل أسطورة هيدرا القديمة.

هل من المعقول أنّ مصر، تلك الدولة الموجودة منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد، غير مستعدّة للديمقراطية، ولا تزال تحتاج إلى فرعون ليحكمها؟ في «الانتخابات» التي عقدت فقط قبل أشهر من الإطاحة به، فاز حزب «مبارك»، الحزب الوطني الديمقراطي، بنسبة غير مسبوقة من الأصوات، 96 في المائة. وبالتأكيد لم يصدّق الناخبون أنفسهم ذلك.

ويرى العديد من المراقبين أنّ مصر قد عادت إلى مربع البداية، وأنّه قد قدّر لها أن تبقى هناك، حيث تفضّل «الاستقرار» المحفوف بالمخاطر عن احتمالات النجاح في الديمقراطية. لكنّ «جاك شنكر»، مؤلّف كتاب (المصريون: تاريخ راديكالي لثورة مصر غير المنتهية)، لا يوافق على هذا الرأي.

لقد كتب: «على الرغم من أنّ المكاسب السياسية التي صاحبت الموجة الأولى من الثورة قد ارتدّت إلى حدٍّ كبير، فمصر اليوم تعيش لحظة من فيضان التغيير المتواصل، يحاول فيها أولياء الحكم باستمرار التجمّع داخل الحصن من جديد والحكم كأنّ شيئًا لم يتغيّر، كما لو أنّ كل مصر ما زالت دولة مبارك، في حين اكتسب كثير من المواطنين ثقافة سياسية مختلفة تمامًا، ولم يعودوا موافقين على هيكل الدولة القديم بالكلية».

و«شنكر»، الحائز على جائزة الصحافة والذي يكتب لصحيفة «الغارديان»، كان قد عمل مراسلًا من مصر لنحو 10 أعوام. وكان مخوّلًا بتوثيق ومتابعة الاضطرابات السياسية التي تبعت 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011، في سياقٍ تاريخي. وفي الواقع، لقد كان غالبًا في وسط هذه الاضطرابات تمامًا، كتفًا إلى كتف مع المتظاهرين، يتعرّض معهم للغاز المسيل للدموع والضرب والاحتجاز. ويعدّ فهمه لمصر وشعبها فهمًا نابعًا من القلب فضلًا عن كونه عقلانيًا.

وكانت لقاءات المؤلف مع المواطنين العاديين الذين يئنّون تحت وطأة الحكومة غير المكترثة، هي الأشد قهرًا في الكتاب، وكان منهم المزارعون والصيادون والطلاب وعمال المصانع. وعلى سبيل المثال، في عام 2014، وفي وقت الاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة للثورة، تمّ إلقاء القبض على «محمد حسين» البالغ من العمر 18 عامًا وتعرّض للتعذيب والسجن، لأنّه كان يلبس وشاحًا كتب عليه «وطن بلا تعذيب». وفي الوقت الذي كتب في الكتاب، أفاد «شنكر» أنّ هذ الشاب المراهق «لا يزال محتجزًا منذ 500 يوم دون اتهام أو محاكمة».

كما وجد المؤلّف الأعراف السياسية المصرية مثيرة للاشمئزاز، وظل معتقدًا أنّ تعثّر الاقتصاد هو أساس الاضطرابات في البلاد. ومثل كثير من المواطنين حول العالم، فإن الأثرياء المصريين يصبحون أكثر ثراءً، ويصبح الفقراء أشدّ فقرًا. وفي عام 2008، عندما انتشرت الإضرابات العمّالية، كان الحدّ الأدنى للأجور لم يتغيّر منذ عام 1984.

ويلقي «شنكر» باللوم في انعدام العدالة المتزايد في الاقتصاد المصري إلى حدٍّ كبير على النظرية الاقتصادية الغربية الليبرالية الجديدة وتأكيداتها على الإيمان بالسوق. ويهاجم مفهوم أنّ ما هو جيد للأعمال التجارية الكبيرة جيد في نفس الوقت لمصر، وينتقد العمل على تحقيق مصالح العواصم العالمية والأثرياء المصريين والبنوك الغربية، على حساب معاناة المواطنين.

ومن الأمثلة التي يذكرها، السياسة الزراعية الأخيرة والتي تناقض الإصلاح الزراعي الذي قاده من قبل «جمال عبد الناصر»، والذي كان رئيسًا أيضًا لمصر، لكنّه كان رحيمًا بعدد كبير من المصريين. وقد أدّى التركيز الحالي على المحاصيل النقدية بغرض التصدير إلى تفاقم تكاليف الغذاء في البلاد، كما يؤكّد «شنكر»، والذي يشير إلى أنّ مصر، والتي كانت من قبل مصدّرة للحبوب، أصبحت هي الدولة الأكثر استيرادًا للحبوب في العالم. وكان الشعار الرئيسي لثورة عام 2011، «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»

ويقوم «شنكر» في كتابه بتوبيخ القادة والصحفيين الغربيين الذين تبنّوا رواية أنّ الثورة المصرية صراع بين الأسود والأبيض، بين الطيب والشرير، بين «الإسلاميين» و «القوى العلمانية المستنيرة»، التي تفضل الاستقرار المنقوص، عن «الفوضى».

وفي حين يتنبّأ «شنكر» أنّ الثورة المصرية لم تنته بعد، إلّا أنّه لم يشر إلى ما قد ينتج عنها من نتائج إذا ما نجحت في نهاية المطاف.

المصدر | كريستيان ساينس مونيتور

  كلمات مفتاحية

السيسي الثورة المصرية العدالة الاجتماعية الليبرالية الجديدة