لو أن أحداً أخبرك في الخريف الماضي أن روسيا ستجتاح قريباً بلداً جاراً وتضم أجزءاً منه وتمضي لاحتلال أجزاء أخرى لما صدقت، ولا كان متصوراً في ظل هذا التهديد الواضح للنظام العالمي القائم أن تصف إدارة أوباما سياستها تجاه روسيا بالناجحة. لكن هذا ما حصل بالفعل، فبعد أن ضم بوتين إقليم القرم إلى روسيا لتصبح أمراً واقعاً، يعمل الآن على تكريس قبضته على أجزاء أخرى من شرق أوكرانيا، وهو الأرجح يستعد للمزيد.
ويمكن القول إن سياسته العدائية تلك حققت مبتغاها، فقد علقت أوكرانيا معاهدة الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي يعارضها «بوتين»، ووصل اقتصادها إلى الحضيض، فيما تتحسس بلدان أخرى مجاورة كانت تابعة للاتحاد السوفييتي الطريق بحذر كبير، مفضلة مهادنة موسكو اتقاء لشرها.
وأمام هذا الوضع بدأ العديد من المسؤولين بمن فيهم المطلعون عن كثب على الأمور، مثل الجنرال الأميركي الذي يقود قوات حلف شمال الأطلسي، في قرع أجراس الإنذار، حيث حذر الجنرال «فيليب بريدلوف»، قائلا «أصبحنا اليوم إزاء وضع باتت فيه الحدود الدولية بين أوكرانيا وروسيا متداخلة تتسرب عبرها القوات والأموال والمؤن والأسلحة بمحض إرادة الجميع».
ويضيف الجنرال موضحاً: «تمثل التحركات الروسية قراراً واضحاً من موسكو برفض المبادئ الأساسية التي بلورت الأمن الدولي على مدى 25 سنة، وهي بالطبع أمور لا يمكن القبول بها».
والمشكلة أن مسؤولي الإدارة الأميركية، وإنْ كانوا لا يعترضون على هذا التقييم، إلا أنهم يعتقدون أن سياستهم تجاه روسيا تؤتي أكلها، مستندين في ذلك إلى عدد من الحجج والتبريرات، فهم يرون أن الوضع ربما سيكون أسوأ. فبوتين تباهى مرة أنه قادر على دخول كييف بسهولة إن أراد، وفي مرحلة ما بدا وكأنه طامع في مجمل جنوب أوكرانيا من أوديسا وحتى مولدوفا، الجيب الذي تسيطر عليه روسيا، لكنه مع ذلك أحجم، وفقا لمسؤولي الإدارة الأميركية، عن تحقيق تلك الطموحات.
بل الأكثر من ذلك مازال التحالف الغربي قائماً لم يتصدع، رغم محاولات بوتين نسفه وزرع الانقسام بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أن بوتين يفشل في تحقيق أهدافه. ويبدو حسب التقدير الأميركي أن أوكرانيا تحظى بأهمية أكبر لدى روسيا منها لدى الغرب، وقد انعكس هذا التقييم في تصريحات وزير الخارجية، جون كيري، لدى لقائه نظيره الروسي قبل شهر عندما قال «رغم الاختلافات بين أميركا وروسيا بشأن أوكرانيا، إلا أن الهدف يبقى تعميق القدرة على العمل المشترك».
غير أن «بوتين» لا يفوت مناسبة دون التأكيد على أنه ليس مهتماً بهذا العمل المشترك بدءاً من تصريحاته المستفزة، وإرساله غواصة إلى المياه السويدية، وليس انتهاء بخطف عميل إستوني وتحليق طائراته فوق سواحل حلف شمال الأطلسي.
مع ذلك، تواصل الإدارة الأميركية استجداء مساعدة بوتين في التعامل مع سوريا وكوريا الشمالية ومحاربة «داعش» واحتواء إيران، فيما تتراجع أوكرانيا إلى الموقد الخلفي.
* فريد حياة محلل سياسي أميركي