استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«الدولة المدنية».. الفكرة والمشروع

الاثنين 16 يناير 2017 11:01 ص

لم تتحول "الدولة المدنية" بعد، من فكرة إلى مشروع ... ما زالت حبيسة أوراق العمل والنقاش التي يتداولها الأردنيون بكثافة منذ أن أطلق الملك ورقته النقاشية السادسة ... البعض استمرأ المسألة، طالما أنها وردت في “ورقة نقاشية” وليس في كتاب تكليف أو على شكل توجيه لمن يعنيهم الأمر ... ولأن الأمر كذلك، فالكل أدلى بدوله حول هذا الموضوع، وكفى الله الأردنيين شر القتال.

الحركة الإسلامية الأردنية، حزبا وجماعة، أبدت حماسة شديدة للورقة النقاشية السادسة، أدلى بعض قادتها بدلائهم المحملة بالإشادة والتأييد والترحيب، ونظمت النقاشات وورشات العمل الخاصة بتطوير هذا المفهوم والبحث في مراميه ومحدداته وعناصره ... لكننا فوجئنا، بأن الحركة الإسلامية بدورها، أبقت الموضوع في دائرة النقاش، ولم تذهب إلى بلورة تصورها الخاص للدولة المدنية، بذريعة أن الدولة الأردنية لم تبادر إلى ترجمة الفكرة إلى مشروع، فلماذا تتجشم هي عناء فعل ذلك، ودائما على ذمة الزميلة “الغد” في عددها الصادر قبل يومين.

والحقيقة أن الحركة الإسلامية الأردنية، حزبا وجماعة، شأنها في ذلك شأن مؤسسات الدولة وصناع القرار، تقف حائرة ومنقسمة حيال هذا الأمر ... فلقد شهدنا سجالا بين المراقب العام ونائبه حول هذا الموضوع، ورأينا تباينا في الآراء حول المفهوم بين قادة الحزب والجماعة، فكان من الطبيعي إرجاء “القرار” والاستمرار في التداول حول الموضوع، بانتظار أن تأتي قادمات الأيام، بجديد يعطي المسألة راهنية تفتقدها اليوم.

ولقد رأينا في المقابل، قراءات للمفهوم من قبل كبار رجالات الدولة، تجعل الانقسام داخل الحركة الإسلامية حول مفهوم الدولة المدنية، تفصيلا صغيرا، لا يستحق التركيز والاهتمام ... فمن قائل بعدم تعارض الدولة المدنية مع تطبيقات الشريعة، إلى ساع إلى تأسيس الدولة المدنية فوق البنية العشائرية ... ومن دون أن يشعر أصحاب المدرستين، بأي تناقض أو تعارض بين فكرة مدنية الدولة أو “دينيتها” و”عشائريتها”، لكأننا نسعى في اجتراح مفهوم هجين للدولة المدنية، لم يأت به أحد من قبل، والمؤكد أنه لن يأتي أحد بمثله من بعد.

في تبرير الإرجاء، يقول قادة إسلاميون من الحزب والجماعة، بعدم الاستعجال، طالما أن الدولة غير جادة في ترجمة المفهوم إلى مشروع وخطط وبرامج مجدولة زمنيا... قبل ذلك بسنوات، كانت لكاتب السطور سجالات مع بعض هؤلاء حول الحاجة لتطوير خطاب مدني – ديمقراطي بمرجعية إسلامية والتقدم ببرامج عمل تفصيلية، يومها استلوا الذريعة ذاتها، ونفوا الحاجة للتقدم ببرامج تفصيلية وحداثية، طالما أن مشروع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، معلق .

يومها أجبت، والآن أقول: أنه مع إدراك أهمية وضرورة أن تتوفر للبلاد “عملية سياسية إصلاحية ذات مغزى” يصعب انتظار الكثير من التطوير والتحديث لبرامج الأحزاب وأطروحاتها الفكرية والسياسية، بل ويصعب التكهن بوجود حياة حزبية ناشطة وقوية في البلاد، إلا أنني لا أجد ذلك مبررا كافيا للعزف عن بلورة “المفاهيم المؤسسة” للخطاب السياسي والفكري، والتأصيل لها وتجذيرها في وعي القيادة والكوادر والقواعد الحزبية، إسلامية كانت أم إلى أي تيار آخر انتمت.

أفهم أن يأتي “الإرجاء” على خلفية الخلاف والاختلاف الداخليين، وأن يتفادى الحزب أو الجماعة طرح مواضيع “إشكالية” تثير الفرقة والانقسام، من دون أن يكون لها طابع الإلحاح والراهنية، سيما في هذه المرحلة بالذات التي تميزت بتتالي الانشقاقات في صفوفهما، وبصورة غير مسبوقة ... لكني لا أفهم ولا أتفهم، الذريعة التي تقول بأننا لن نتقدم بخطوة على هذا الطريق، طالما أن الحكم والحكومة لا يفعلان شيئا مماثلا ... المسألة هنا، تقع خارج إطار “التسويات” و”الصفقات”، المسألة هنا تتعلق بصميم “هوية” و”خطاب” الحزب والجماعة، وهم أمر على درجة كبيرة من الأهمية والحيوية، في مختلف الظروف ومطلق الأحوال.

بل أذهب أبعد من ذلك للقول، بأن نجاح الحركة الإسلامية، في تطوير خطاب مدني – ديمقراطي، تحتل “الدولة المدنية” مكانة متميزة في صلب بنيانه، هو مقدمة ضرورية لتشكيل ائتلافات وطنية أوسع وأعرض، تسهم في “تخليق” الإرادة السياسية” الدافعة باتجاه تحويل “الدولة المدنية” من فكرة إلى مشروع وطني عام.

ومثلما تستطيع الجماعة والحزب أن تتذرع باستنكاف الدولة عن ترجمة الفكرة إلى مشروع، لتبرير استنكافها وإرجائها للبت في هذه المسألة، فإن مؤسسات الحكم والحكومة، تستطيع بدورها أن تتذرع بخطاب الحركة الإسلامية “الماضوي”، في تبرير عدم أهلية الحياة السياسية الأردنية لتقبل هذه الأفكار والمشاريع، فندخل جميعا في دائرة مغلقة من التلاوم المتبادل، والدوران حول الذات، ونبدد مزيدا من الوقت، نحن أحوج ما نكون إليه، لدفع عجلة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بلادنا.

تعيدنا هذه السجالات غير المباشرة بين الحكم والجماعة، إلى نظرية كنا قد تحدثنا بها قبل أزيد من عشرية من السنين، ألا وهي: أن لا ديمقراطية من دون الإسلاميين، ولا ديمقراطية كذلك من دون أن يتبنى هؤلاء قيم الديمقراطية والمدنية وثقافة التعددية وحقوق الإنسان.

* عريب الرنتاوي - محلل سياسي أردني رئيس مركز القدس للدراسات السياسية

  كلمات مفتاحية

الأردن الدولة المدنية الحركة الإسلامية ديمقراطية