استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الراديكالية المسيحية الأمريكية ومستقبل الشرق

الخميس 26 يناير 2017 07:01 ص

هل كانت توجهات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مقطوعة عن سياقات الغرب المسيحي وتحديدا الراديكالية المتطرفة؟ وهل المفهوم الفكري -مهما كان مستوى سطحية ترامب وتوحش مشاعره وعنصريته- غائب عن الخلفيات التي صنعت هذه الفكرة السياسية؟

وسؤال آخر مهم: هل هذا يعني أن لا أثر لمذهبه السياسي الجديد من حيث مصالح الرجل الأبيض الذي غزا أرض الهنود الحمر، وأقر نظامه الدستوري بعد إبادته للشريك الإنساني كقوة بشرية وهوية، باستثناء الآلاف من نسلهم وبعض صورهم للمتاحف التاريخية في واشنطن وغيرها؟

ثم بدأ هذا المزارع الأمريكي المستعمر القديم يخسر مصالحه من خلال الهجرات التي احتاجت لها الولايات المتحدة لتعزيز صناعة العالم الجديد وقوته، فالتقى ترامب آمالهم المحطمة وأعاد بعثها في عنصريته الجديدة باسم المسيح الأبيض، وهي أحد أهم أسباب بروز ظاهرته، بحسب الدراسات العربية والغربية الأكثر دقة.

وهذا كله لا يلغي أن دونالد ترامب تبنى هذه الأيديولوجيا، مع مراهنته على مصالح أمريكية اقتصادية ضخمة، يرى أنها بالفعل ستحقق تفوقا أمريكيا، مع التخلص من مسؤولية الرعاية الحقوقية للمهاجرين التي ضمنتها مدونات الدستور الأمريكي، رغم بقاء تأثير الإمبريالية الرأسمالية في الخارج والداخل، حتى وصلت إلى ما يعتقده مراقبون محطتها الأخيرة، لعهد أمريكي جديد لا يعرف العالم كيف يواجهه ولا كيف ستواجهه أمريكا في ذاتها.

ولا نعرف إلى أين ستتوجه حركة الاحتجاجات في أمريكا ضد ترامب، وإن كان متوقعا أن يتغلب عليها النظام السياسي العميق كما فعل مع احتجاجات أخرى كحركة "احتلوا وول ستريت".

وكاستيعاب مفاهيم الكفاح الحقوقي لليسار المسيحي منذ مارتن لوثر كنغ والمستقلين مثل مالكوم أكس، واليسار الديمقراطي حتى نعومي تشومسكي وتحجيمه في المؤسسات الأكاديمية والثقافية، دون أن تكون له أي قدرة تأثير في مجمل العملية السياسية الأمريكية، وإن نجح في بعض التأثيرات الأخلاقية والحقوقية الدستورية منذ الستينيات، لكنه وقف عند تلك الحدود بعيدا عن قرارات الحزبين الكبرى وإلى اليوم.

إن البحث السياسي والفكري هنا يسعى لفهم مستقبل سياسة واشنطن في ظل الإرث العميق للراديكالية المسيحية مع الشرق، وأن كتلة المصالح والعنصريات الذاتية ليست وحدها المحرك، فحتى رجل الأعمال الثري جدا له أيديولوجية يمينية تشكل عقيدته الشخصية، وتؤثر عليه في توجهاته السياسية.

وبالتالي هذا هو المنظور الأكثر تكاملا في شخصية الرئيس الأمريكي الجديد، واستمرار قوة تصريحاته الموجهة بصورة متزايدة -دون حتى السعي لضبطها دبلوماسيا في يوم تتويجه- تصر على هذه النزعة ضد العالم الإسلامي.

إنها نزعة أيديولوجيا لا مشاعر عابرة، وهذا لا يعني أن الرجل لن يتعامل مع الواقع الرسمي لحاضر العالم الإسلامي، لكن المواجهة التي يبشر بها ذات أبعاد تدميرية كبيرة، يمكن أن تتحقق من خلال مواقف ودفع لحروب باردة وتمكين قوى مختلفة على حساب قوى أخرى، تنتهي بحالة حصاد مر للوطن العربي المنهار، وخاصة مشرقه والمشرق الإسلامي.

ومن المهم هنا فهم قوة الراديكالية المسيحية التي احتلت جزءا من الضمير الأمريكي، سواء بمؤسسات تبشير ضخمة اعتمدت على قصة الخلاص لأنصار المسيح من المحمديين، أو بتحالفها مع الحركة الصهيونية في جبل الهيكل كفكرة مصلحية مساندة وليست تطابقا دينيا مع اليهودية العالمية، فهناك تباين كبير بين منظومتي العقائد، ثم تأثير هذه المنظومة الاقتصادية والإعلامية الضخمة في أمريكا، التي كانت حاضرة في المشهد السياسي.

ومراجعة موقف الرئيسين الأمريكيين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن في حروبهما، وإن كانت لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية عليا، إلا أن هذه الراديكالية كانت خلاصة جرائمها في قتل الأبرياء والمدنيين أضعاف ضحايا جماعات التوحش من السلفية الجهادية، لكن صوت إدانتها لا حظ له وليست هناك سياسة تحالفات ضدها، لكونها محصنة بقوة استعمارية قاهرة باسم مجلس الأمن، أو سياسة الخوف التي تفرضها على كل ثقافة معترضة، قد يشكل احتجاجها أي قلق على سياسة البيت الأبيض المسيحي.

إن الرئيس السابق باراك أوباما لم يكن محسوبا مطلقا على هذه الراديكالية، غير أن مجمل تقويمه وتوجهات سياساته كان في ذات السياق، باعتبار أن الوطن العربي والشرق الإسلامي يجب أن يعزلا عن قوة الذات الناهضة بهوية الشرق، الذي احتوى أقلياته وقومياته أزمنة طويلة، ولم تسجل في تاريخه حروب مذاهب وطوائف، كما جرى بعد الحرب الأمريكية عليه.

إن مجمل سياسات أوباما -وإن اختلف مع ترامب ومع آل بوش- خدم أيضا هذه الراديكالية المسيحية، فهو صاحب القرار بمنح موسكو مساحة للتدخل في سوريا بعد سان بطرسبورغ وما آلت إليه الأمور، وهو صاحب الصفقة مع إيران، وكان جزءا أساسيا من تقويم هذه السياسات إيمان أوباما بفارق الثقافة بين الإسلام المستقل والحضارة الأمريكية المسيحية.

وإن تمسك أوباما بنموذج حقوقي مزدوج المعايير، واستدل فريقه بواقع مروع للحقوق والحريات في العالم المسلم، فهذا لا يلغي كارثة تأثير أنظمة الاستبداد التي استخدمها أوباما للتضييق على إيران في معركة النفط وغيرها، ثم تركهم أمام مصيرهم.

وعقد -عبر جون كيري والفريق المعجب بحضارة فارس- الصفقة معها، في وقت يعيش فيه الشرق أزمة تيه في بعض الخطاب الإسلامي المعاصر وشعوبيته، التي اختطفت فكره وصناعة نهضته -أمام الذات قبل الأمم- وحولته إلى ظاهرة صوتية للملاعنة.

وهنا المدخل الدقيق للمقالة، وهو كيف ستترجم سياسات ترامب في الشرق وفيما تبقى منه؟ وماذا يعني كل ما كشف عنه -خاصة في كتب حديثة- من حجم التعاون الذي جمع طهران بواشنطن في تحقيق معادلة مكافحة التطرف (الإسلامي)؟

وهو التعاون الذي لم يكن يشمل السلفية الجهادية فقط في عنوانها المعلن، بل منع قيام دولة حرة ديمقراطية ومستقلة في سوريا، وبقاء العراق تحت التقاسم السياسي، وغير ذلك من عناصر اتحدت فيها السياستان، ثم دخلت موسكو كشريك تضامني، وإن بقيت ملفات صراع بين هذه الأقطاب فإنها في المجمل تتشارك في معادلات مصالح قوية.

والمقابل لهذه المعادلات أنظمة منهارة السياسة والإستراتيجية الجماعية والتكتلات الإقليمية، وضعيفة في علاقتها مع شعوبها، ومهتزة ومضطربة في وحدتها الاجتماعية أمام تأثيرات التطرف عليها، ولا يوجد لديها معيار لضمان تحقيق عدالة اقتصادية واجتماعية ولو بحد أدنى، فما هو المشجع لترامب -وفقا لأيديولوجيته ومعادلته السياسية- للولوج معها في تحالف إستراتيجي؟

وقد يعترض على ذلك بأن هذه الأنظمة تتقاطر على البوابة الأمريكية لتقديم كل تحالف يقبله ترامب، فهي هنا خيار جيد له، والجواب أن لدى فريق ترامب مساحة واسعة للحصول على صفقات كافية مقابل بيع أسلحة أو منظومات، أو وعود لإعادة مراجعة الاتفاق مع إيران، لكن دون أن يورط سياسته في خوض مواجهة مع حليفه الروسي وشريك موسكو الإيراني.

وهل موقف الراديكالية المسيحية -التي يؤمن بها ترامب- هو الخشية من وقوع بقية هذه الأنظمة وسقوط دولها، أو اضطرابها الشديد بعد أن تغيرت معادلة النفط العالمي ووجد تفاهم مع موسكو وإيران؟ أم التعامل عبر واقعية أيديولوجيتهم مع أي مستقبل ينتهي له هذا المشهد المتداعي للوطن العربي والمشرق الإسلامي، وحينها يتوجه الأمر لرسم الخريطة الجديدة، لا التورط في زحف الرمال الغارقة بالدماء.

* مهنا الحبيل - مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي - إسطنبول

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب الراديكالية التطرف العنصرية المسيحية

الديمقراطية الأمريكية وامتحان «ترامب»