استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن القومية الأمريكية وصراعاتها

الثلاثاء 31 يناير 2017 06:01 ص

ما انتهت إليه الانتخابات الرئاسية الأمريكية أبعد من غضب شعبي عند شرائح ليبرالية من فوز دونالد ترامب، فالأمر يتعلق باستقطاب حاد، يعكس وجهتي نظر متباينتين في فهم القومية الأمريكية، وما يجب أن تكون عليه أمريكا.

الصراع في جوانبه السياسية والاقتصادية والثقافية على أشده بين المتمسكين بأمريكا المنفتحة على العالم، صاحبة الدور القيادي الأهم فيه، والمشرعة أبوابها للمهاجرين الساعين إلى تلمس "الحلم الأمريكي"، والراغبين باستعادة نقاء أمريكا البيضاء، الناقمين على العولمة وما جرته من أعباء على الطبقة العاملة البيضاء، والخائفين على "جوهر" مزعوم للهوية الأمريكية، قد يتلاشى مع استمرار الهجرات. يشكل فوز ترامب صعودا لاتجاه قومي "شعبوي"، يناقض اتجاه القومية الأمريكية الذي يحظى برعاية المؤسسة الحاكمة.

يشير الباحث البريطاني، أناتول ليفن، في كتابه "أمريكا بين الحق والباطل"، إلى وجهين متضادين للقومية الأمريكية، ينتج التعارض بينهما حالة استقطاب متصاعدة في الولايات المتحدة. يتمثل الأول بقومية مدنية، تتأسس على القناعات الديمقراطية، والفردانية، وسيادة القانون، والدستور الأمريكي، وهي تنطلق من اعتقاد راسخ بوجود استثناء أمريكي، متطلعة لمستقبل الأمة التي تقود العالم، ضمن مهمة "إلهية".

ويرتبط الوجه الثاني بقومية تمثل السكان البيض "المستوطنين" خصوصا، وتسعى إلى استعادة ماض قومي مثالي، يكاد يختفي في الحاضر، وتنبع من مخاوف البيض الأنجلو-سكسون، والأسكتلنديين والإيرلنديين، من فقدان سيطرتهم وامتيازاتهم.

أوجز والتر رسل ميد، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، حالة التناقض هذه، بالقول إن "الاقتناع بأن جوهر القومية الأمريكية يكمن في الالتزام بالمبادئ الكونية، هو في حالة حرب دائمة مع فكرة أن أمريكا ملك الشعب الأمريكي وحده، وأنه يجب الدفاع عنها ضد تأثيرات الأغراب، بدلا من التشارك بها مع الإنسانية".

تقوم القومية المدنية، أو الوجه العلني للولايات المتحدة، على مجموعة مبادئ، يمكن لكل من يقبلها أن يكون أمريكيا، وهي مبادئ كونية، قابلة للتطبيق على بقية مجتمعات العالم، وتحمل أمريكا عبء نشرها في الكرة الأرضية، وتجعلها عنوانا لممارساتها الإمبريالية.

تتلخص المبادئ في الحرية، والديمقراطية وسيادة القانون، والدستور، والفردانية، والمساواة السياسية والثقافية، وليست المساواة الاقتصادية، إذ الإيمان بالرأسمالية وحرية السوق ركيزة أساسية في المفاهيم الأمريكية. لا تغيب عن هذه المبادئ، وعلى الرغم من محاولة تضمينها، في العقود الأخيرة، فكرة التسامح العرقي، النزعة البيضاء الأنكلو-سكسونية، ذات الطابع البروتستانتي، والتي يسعى أصحاب الاتجاه المضاد إلى التأكيد عليها، في ظل تراجعها. 

يشكل التيار الانعزالي، الذي يرفع شعار "أمريكا أولا"، ويرتاب من الأجانب، مزيجا من الشوفينية والتشدد الديني الأمريكي، وهو يؤكد على الإيمان نفسه بفرادة أمريكا واستثنائيتها، كما أنه يؤمن بالعقيدة الديمقراطية الأمريكية، والمبادئ الليبرالية، لكنه يرى أنها نتاج حضارة صنعها البيض المسيحيون، وهي تحت تهديد الأقليات العرقية والمهاجرين الأجانب.

يتنامى التهديد في حالات الركود الاقتصادي، والبطالة التي تتزايد بين العمال البيض، وهو ما يولد شعورا بالمرارة والسخط، وإحساسا بالاغتراب في الحاضر، يدفع نحو السعي إلى العودة إلى الماضي النقي، والمجتمع المستقر الذي ينال فيه "أهل الدار" الوظائف التي تليق بهم. يحلم كثيرون من أنصار هذا التيار بالعودة إلى ما قبل حركة الحقوق المدنية والحركات النسوية، وما أفرزته من صعود السود والنساء.

ربما تعود أصول القومية الشعبوية إلى الرئيس أندرو جاكسون (1767- 1845) الذي تبنى تمييزا حادا على مستوى المشاعر الشعبية بين الشعب، ومن هم خارجه، و"الجاكسونية" تمجد المنتجين الشرفاء ضد الأغنياء المغرورين، والأرستقراطيين الأمريكيين المتأثرين بالإلحاد الأوروبي، وكانت تمجد الذكورة والبياض والخشونة، بوصفها قيما مهمة في الدفاع عن الأمة.

تكرست هذه الرؤية عقودا طويلة، إذ ظلت شرائح واسعة في الجنوب والوسط الغربي (وهي حواضن أساسية للبيض البروتستانت المحافظين) تنظر بازدراء إلى نخب الساحل الشرقي، وتعتبرهم مجموعة من الفاسدين والمخربين الذين يضربون نقاء الأمة وتقاليدها في الصميم. صار العداء الطبقي لنخب الساحل الشرقي، الممتزج بمحافظة دينية مرتابة، سمة مميزة للقومية الشعبوية، وتتشكل النواة الصلبة لهذا العداء من البيض البروتستانت، لكن المهاجرين الآخرين يمكنهم الانضمام إليهم عبر تبنيها، وهذا ما جعل التيار القومي الشعبوي أكثر تنوعا على المستوى العرقي.

الكلفة العالية للتدخلات الإمبريالية، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، والبطالة التي أنتجتها هجرة المصانع الأمريكية إلى شرق آسيا، بحثا عن الأيدي العاملة متدنية الكلفة، أسهمت بشكل مباشر في صعود غير مسبوق للتيار القومي الشعبوي، عبر وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكن طريقة إدارته الأمور، وتفاعله مع المؤسسة الحاكمة، لم يتضح بعد.

يحفز انتصار التيار القومي الشعبوي في أمريكا صعود تيارات مشابهة في أوروبا، تحاول استعادة فكرة الأمة المنفصلة عن أي مهمات عالمية، مع خطاب هوياتي حاد بخصوص تعريف الذات القومية، والآخرين خارجها، وهو ما يفسر حالة الهلع الليبرالية في أمريكا وأوروبا، خوفا على المبادئ الليبرالية، كما على السياسات الإمبريالية، وقيادة الغرب هذا العالم، ويمتد هذا الهلع من الانكفاء الأمريكي ليشمل ليبراليين عربا، لم يستوعبوا بعد التراجع الأمريكي في منطقتنا.

* بدر الإبراهيم - كاتب سعودي صدر له كتابان: "حديث الممانعة والحرية"؛ "الحراك الشيعي في السعودية"

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب الليبرالية القومية العوملة الحرية الديمقراطية