الحكومة تصعد حربها على الاتصالات الآمنة في مصر

الثلاثاء 31 يناير 2017 05:01 ص

شهدت الأشهر الست الماضية تصعيدا ملحوظا في جهود الحكومة المصرية لتعزيز قدرتها على اعتراض ومراقبة الرسائل والاتصالات المتبادلة عبر الإنترنت بشكل جماعي وشامل، وإعاقة عمل أدوات الأمان الرقمي المستعملة في مصر على نطاق واسع من قبل الأفراد وشركات القطاع الخاص بغرض تأمين تلك الاتصالات والمراسلات.

وكشف خبراء تقنيون ومسؤولون تنفيذيون في شركات متخصصة في توفير خدمات الأمن المعلوماتي وناشطون في مجال الحريات الرقمية، عن اضطرابات متكررة في نشاط الإنترنت في مصر بدأت منذ منتصف العام الماضي، وأدت في أحيان إلى إعاقة كاملة أو جزئية لعمل أدوات تعمية الاتصالات التي تعتمد عليها قطاعات تجارية وخدمية وأهلية عدة في مصر- فضلًا عن المستخدمين الأفراد- بغرض تأمين تداول المعلومات.

وبدأ المختصون في ملاحظة وتسجيل تلك الاضطرابات في شهر أغسطس/آب 2016، والتي ظهرت في البداية في صورة أخطاء تقنية حدثت أثناء قيام جهة رسمية بتثبيت وتجهيز إعدادات نظام تقني جديد يسمح باعتراض اتصالات الإنترنت بشكل جماعي، وذلك طبقًا لمسؤول حكومي وثيق الصلة بملف إدارة الإنترنت والاتصالات في مصر.

وفيما اختفت أغلب تلك الاضطرابات والأخطاء في غضون بضعة أسابيع، إلا أن الأدلة استمرت في التواتر عبر الأشهر التالية على تواصل إجراءات الأجهزة الحكومية الرامية إلى اعتراض وإعاقة الاتصالات المعمّاة عبر الإنترنت على نطاق واسع وجماعي.

خسائر بالملايين

ويشير أحمد العزبي، الخبير التقني ومسؤول أمن البيانات في إحدى شركات التأمين، إلى أن تدخلات كهذه قد تتسبب في خسائر بملايين الدولارات، وإغلاق الشركات المصرية العاملة في مجال تأمين البيانات، وتصفية اﻷعمال الأخرى المعتمدة عليها.

«عندما يفكر مستثمرون في القدوم إلى مصر، فإن مشكلات كهذه سوف تؤخذ في الاعتبار»، يقول العزبي، موضحًا أن قطاع أعمال اﻷمان الرقمي يمتلك إمكانيات كبيرة للنمو، لكنه سيتأثر بعدم استقرار البيئة الرقمية المصرية بسبب هذه التدخلات.

ويعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو الأعلى من حيث معدلات النمو من بين قطاعات الاقتصاد، بنسبة 11.2% خلال الربع الأول من السنة المالية 2016-2017، وفقًا لبيانات وزارة الاتصالات، بينما وصلت مساهمة قطاع الاتصالات في الناتج القومي المصري إلى نحو 3.2%، بحسب وزير الاتصالات ياسر القاضي.

كانت وثائق عدّة قد كشفت في السابق عن سعي الحكومة المصرية لامتلاك تقنيات تتيح لها أشكالًا شتّى من مراقبة الاتصالات، لعل أهمها تسريبات شركة هاكينج تيم Hacking Team الإيطالية العاملة في مجال تكنولوجيا المراقبة والاختراق.

وتعرضت الشركة لاختراق واسع النطاق في 2015 نتج عنه تسريب عدد ضخم من المستندات، بلغ حجمها حوالي 400 جيجابايت، تتضمن مراسلات إلكترونية وعقود صفقات وفواتير وميزانيات مالية، من بينها مراسلات مع أجهزة أمنية مصرية مختلفة.

لكن تلك الوثائق وغيرها كانت تشير إلى رغبة الأجهزة المصرية في الحصول على تقنيات تتيح في معظمها المراقبة الموجهة لمستخدمين محددين.

 «ما نتحدث عنه الآن أمر مختلف: نظام يراقب ماسورة اﻹنترنت نفسها»، يقول أحمد مكاوي، الباحث التقني ومؤسس ومدير شركة أنظمة سبيرولا لخدمات أمن المعلومات، والذي أجرى تحقيقًا تقنيًا لمحاولة فهم أسباب ما حدث للشبكة خلال العام الماضي.

أولى المشكلات التي واجهتها الشركات والمتخصصون في أغسطس/آب الماضي -والتي أشارت إلى استهداف أمني للبنية التحتية للشبكة بأكملها في مصر- كانت في استخدام تقنية تعرف بـ «اتصالات القشرة اﻵمنة Secure Shell» أو ما يعرف اختصارًا بـ SSH، وهو بروتوكول لتوفير قنوات اتصال آمنة عبر الشبكات يوفره مقدمون مختلفون للخدمة في مصر والعالم، ويُستخدم في إجراء الملايين من عمليات الاتصال التي تحدث عبر اﻹنترنت كل يوم.

ويمثل استعمال اﻹنترنت هاجسا كبيرا للحكومة المصرية، خصوصا في السنوات التي تلت ثورة يناير/كانون ثان 2011.

يظهر ذلك عادة في حالات القبض المتكررة على عدد من مسؤولي صفحات فيسبوك وإخضاعهم للمحاكمة، كما تستعد الحكومة للدفع بمشروع قانون جديد لمكافحة الجريمة اﻹلكترونية، وهو المشروع الذي وصفته منظمات حقوقية -هي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز دعم لتقنية المعلومات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير- في يونيو/حزيران الماضي بأنه قانون لا يحارب جرائم الإنترنت وإنما «يعاقب على استخدام تقنيات المعلوماتية».

كما كشفت مصادر حكومية لوكالة رويترز في أبريل/نيسان العام الماضي أن السلطات المصرية قررت إيقاف خدمة اﻹنترنت المجاني المقدمة من فيسبوك بعد رفض الشركة تمكين الحكومة من مراقبة عملائها.

وفي مارس/آذار 2015 أعلنت شركة جوجل في بيان لها أن شركة مصرية تدعى MCS Holdings أحدثت اختراقا أمنيا استشعره مهندسوها، عبر محاولة النفاذ إلى حزم البيانات أثناء تمريرها عبر الشبكة بين المرسل والمستقبل، بما يتضمن إمكانية الاطلاع على المحتوى الذي يقرأه المستخدمون، وكذلك مراسلاتهم الخاصة، وبياناتهم الشخصية، وانتحال هويّات المواقع والأفراد، والاستحواذ على بيانات سريّة.

وأوضح تحقيق عن الحادثة أن الشركة المذكورة كان قد ورد اسمها في وثائق مسربة تتعلق بالمراقبة والتجسس على الإنترنت لحساب أجهزة أمنية مصرية قبل ثورة يناير.

30 مليون شخص

ووفقا لأحدث إحصاءات وزارة الاتصالات، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر قد وصل بنهاية العام الماضي إلى قرابة 30 مليون مستخدم، ما يمثل تحديا هائلا أمام رغبة أجهزة الأمن في مراقبة اتصالاتهم جميعًا، وهو ما يجعل من التنصت العشوائي حلا جذابا أمام تلك الأجهزة.

لكن التنصت الجماعي على الاتصالات والمراسلات يفتقر إلى أسس دستورية وقانونية. فالمادة 57 من الدستور تنص على أن «للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون».

كما يضمن قانون الاتصالات الصادر عام 2003 حق المستخدمين في سرية اتصالاتهم في أكثر من موضع، مع إضافة «بما لا يمس بالأمن القومي والمصالح العليا للدولة».

غير أن القانون ذاته يتضمن نصًا إشكاليًا في مادته رقم 46 التي تنص على أنه «ومع مراعاة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين التي يحميها القانون يلتزم كل مشغل أو مقدم خدمة أو يوفر على نفقته داخل شبكة الاتصالات المرخص له بها كافة الإمكانيات الفنية من معدات ونظم وبرامج واتصالات داخل شبكة الاتصالات والتي تتيح للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي ممارسة اختصاصها في حدود القانون».

وعلى الرغم من استمرار محاولات الحكومة للسيطرة على فضاء اﻹنترنت، إلا أن التطورات التي تشهدها تكنولوجيا تأمين الاتصالات عبر اﻹنترنت تزيد من صعوبة هذه المحاولات. وعلى ما يبدو، فإن المعركة التقنية والقانونية المتعلقة باﻷمر ستستمر طويلًا دون حسم، خاصة وأن الموازنة تبدو مستحيلة بين الرغبة الحكومية في بناء وتطوير قطاع الاتصالات والأمن المعلوماتي من ناحية، وبين إصرار أجهزة حكومية أخرى على المراقبة الجماعية للإنترنت من ناحية أخرى.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

مصر مراقبة الإنترنت